14-يناير-2023
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا خلال حفل التنصيب

اللبنانيون في البرازيل يعلقون الآمال على عودة لولا لرئاسة البلاد (Getty)

شهدت البرازيل، وتحديدًا وسط عاصمتها برازيليا، الهجوم الأخطر على ديمقراطيتها، منذ نهاية الحكم العسكري في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بعد اقتحام أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو المجمع الرئاسي في العاصمة البرازيلية. جاء ذلك بعد ما يقارب الأسبوع من تنصيب الرئيس الجديد للبلاد لولا دا سيلفا، في أعقاب فوزه على اليميني المتطرف جاير بولسونارو.

هذا الهجوم جاء بعد أشهر من التشكيك في نتائج الانتخابات وتظاهرات مستمرة أمام معسكرات الجيش البرازيلي، مطالبةً إياه بالتدخل وإلغاء الانتخابات من طرف أنصار الرئيس السابق. 

شهدت البرازيل، وتحديدًا وسط عاصمتها برازيليا، الهجوم الأخطر على ديمقراطيتها، منذ نهاية الحكم العسكري في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بعد اقتحام أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو المجمع الرئاسي في العاصمة البرازيلية

وعلى مدار بضعة أشهر، شهدت البرازيل الاستقطاب السياسي الأكثر حدة في تاريخ البلاد، والذي هدد ديمقراطية البلاد التي عانت من الحكم العسكري بشكلٍ جدي. خلال هذه الفترة، عمل بولسونارو وأنصاره، محتذيًا بتكتيكات اليمين المتطرف في العالم، على التشكيك بنتائج الانتخابات، ونشر الاتهامات بتزويرها. ما سبق، توجه أنصار الرئيس السابق، يوم الأحد باقتحام، مجمع السلطات وسط العاصمة البرازيلية، والهجوم على مبنى الكونغرس والمحكمة العليا والقصر الرئاسي، في هجوم استمر لمدة لساعات، قبل أن تتمكن قوى الأمن من إعادة السيطرة على المنطقة.

getty

واعتبر الهجوم، برازيليًا وعالميًا باعتباره محاولةً للانقلاب على الديمقراطية البرازيلية وهجومًا عليها، ومحاولةً لاستهداف التداول السلمي للسلطة، وسط موجة إدانات عالمية للهجوم. خلف كل ذلك، يقبع في تفاصيل الحدث كافة، الرئيس السابق جاير بولسونارو، الذي خسر الجولة الثانية من الانتخابات التي عقدت في تشرين أول/ أكتوبر الماضي بفارقٍ ضئيل، ورفض التسليم بهزيمته رسميًا.

بولسونارو يرفض تسليم "الوشاح"    

عقب الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات، اعتصم أنصار بولسونارو، داخل خيام أمام مقرات قيادة الجيش البرازيلي في العاصمة برازيليا، وعدة مدن أخرى، معولين على الجيش، ليكون منقذًا من الرئيس اليساري، ومطالبين بمنعه من تسلم السلطة. كان يقف خلف كل هذا بولسونارو، الذي رفض الاستسلام لنتائج، وخرج بتصريحات تحمل تحريضًا للجيش على التدخل في الانتخابات والانقلاب على الديمقراطية واستمرار التظاهرات، بقوله: "القوات المسلحة هي حصن البرازيل لمنع الاشتراكية في البلاد"، وتابع الرئيس اليميني "القوات المسلحة موحدة، وهي تدين بالولاء لشعبنا وتحترم الدستور، كما أنها مسؤولة عن حريتنا". وأضاف مخاطبًا أنصاره "من يقرر وجهتنا هو أنتم، ومن يحدد الاتجاه الذي تسير فيه القوات المسلحة أنتم".

getty

مع استمرار التظاهرات وعدم تدخل الجيش، قرر بولسونارو، مغادرة البرازيل في اليوم الأخير من عام 2022، متجهًا إلى ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من أجل تجاوز حفل تنصيب لولا دا سيلفا، ونقل الوشاح الرئاسي له، وهي عملية رمزية في البرازيل تمثل الانتقال السلمي للسلطة، ليقرر لولا أن يقبلها من الشعب البرازيلي، ولتقدمها له عاملة نظافة برازيلية، بدلًا من بولسونارو الذي اختار بشكلٍ رمزي عدم تسليم السلطة.

سعي بولسونارو واليمين للتخلص من دا سيلفا، لم ينطلق يوم الأحد، أو عقب الانتخابات الرئاسية، ولكنه جاء بعد عزل الرئيسة السابقة ديلما روسيف، وذلك بعد اعتقال لولا في نيسان/ أبريل 2018، والحكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أعوام وعشرة أشهر، قبل أن تبطل المحكمة العليا الحكم، نتيجة تحيز القاضي، بعد عام ونصف من السجن. وكان بولسونارو خلال حملته الانتخابية قد أظهر رغبته بأن "يتعفن لولا في السجن"، وفي يوم صدور قرار المحكمة العليا، انتقد ابن بولسونارو القرار، واصفًا لولا بـ"اللص".

لولا يواجه التحديات

بعد إفشال اقتحام مجمع سلطات، ومع انتظار نتائج التحقيق حول تواطؤ الأمن ومدى تورط بولسونارو المباشر في الحدث، يقف لولا دا سيلفا أمام تحديات جسيمة، فهو يستلم الحكم في الوقت الذي تعيش بلاده أزمةً اقتصاديةً كبيرةً، كما أنها لم تتخلص من تبعات جائحة كوفيد- 19 التي كانت البرازيل من بين أكثر الدول المتضررة منها، نتيجة سياسات الرئيس السابق، الذي شكك في بالفيروس وعارض اللقاحات بشكلٍ علني.

getty

كما تنقسم البلاد عاموديًا وبشكلٍ غير مسبوق بين اليسار الفائز اليوم، واليمين الذي لم يتقبل الهزيمة حتى الآن، والذي يسعى للعودة إلى الحكم، حتى لو كان ذلك فوق دبابات الجيش أو على ركام القصر الرئاسي الذي حطمه أنصار بولسونارو يوم الأحد الماضي.

وتشغل الانتخابات البرازيلية العرب عادةً، نظرًا لتاريخ الرئيس لولا المناصر للقضية الفلسطينية والقضايا العربية، ولكن العرب في البرازيل تشغلهم الانتخابات أيضًا، كونها على تماس مباشر مع حياتهم، وبالأخص الجالية اللبنانية الكبيرة المتواجدة في البرازيل، التي تابعت باهتمام مسار الانتخابات، كما هو حال جميع الجاليات الأخرى، حيث يكون لنتائج الانتخابات تأثير مباشر على حياتهم، ويعيش في البرازيل ما بين 7-10 ملايين لبناني، القسم الأكبر منهم حاصل على الجنسية البرازيلية ويشارك في الانتخابات. وحول الانتخابات البرازيلية وفوز لولا وانعكاسه على القضايا، تواصلنا في "الترا صوت" مع عدد من الصحفيين العرب في البرازيل.

فوز لولا مفيد للقضايا العربية

وحول إثر الانتخابات الأخيرة على البرازيل، قال الإعلامي اللبناني علي فرحات والمقيم في البرازيل والمتخصّص بالشؤون السياسية في أميركا اللاتينية، في حديثٍ لـ"الترا صوت"، إن الانتخابات الحالية تختلف عن سابقاتها بشكلٍ جذري، حيث ظهر انشقاق عمودي داخل المجتمع البرازيلي، ظهر تصارع التيارات العنيف، وبالتالي فإن أيّ رئيس كان سيفوز، سيجد نفسه على عداء مع نصف الشعب تقريبًا.

وأضاف فرحات، أن المعادلة السابقة تغيرت مع فوز مرشح اليسار دا سيلفا، وذلك لأن أنصاره لا يؤمنون بمنطق العنف، وسبق لهم أن شهدوا دخول زعيمهم إلى السجن في العام 2018، ورغم ذلك لم يتجهوا مسار مسار العنف كما يفعل أنصار اليمين المتطرف اليوم. متابعًا حديثه حول صفات اليمين البرازيلي، قائلًا: "اليمين تكمن خطورته بكونه متفلتًا من كل القيم الاجتماعية، ولا يعترف بالنظام الديمقراطي في البرازيل، ويعتبر أن أيّ انتخابات تأتي بخصم له هي انتخابات مزورة".

getty

ويرى فرحات أن حالة التشنّج في البرازيل تؤثر بطبيعة الحال على الجالية العربية والجالية اللبنانية بشكلٍ خاص، كون هذه الجالية منغمسة بالاقتصاد، وأغلب اللبنانيين هم من التجار، وبالتالي فإن أي أزمات أمنية أو اقتصادية تؤثر على عملهم ومستقبلهم.

ويشير فرحات إلى أن دا سيلفا وقف دائمًا إلى جانب القضايا العربية، وكان من أوائل رؤساء العالم الذين اعترفوا بالدولة الفلسطينية، والمطالبين بكفّ الهيمنة الأمريكية عن العالم، في المقابل فإن خطاب بولسونارو هو خطاب انعزالي، وعنيف ضد الآخرين، ويختصر وجوده بالمسيحية المتطرفة الإنجيلية، وقلّما يعترف بالأقليات الأخرى أو يوجّه لهم خطاباته، ولطالما اعتبر أن دونالد ترامب وإسرائيل هما الحليفان الوحيدان للبرازيل، وبالنتيجة فإن خطاب بولسونارو أفقده أصوات العرب، مع العلم أنهم انتخبوه بكثافة في الدورة الماضية، بعد وعوده بإخراج البرازيل من الأزمة الاقتصادية، وفتح باب العالم أمام البرازيل، لكن كل وعوده ذهبت هباءً.

فرحات
الإعلامي اللبناني علي فرحات 

وأشار فرحات إلى أهمية تواجد 120 دولة في حفل تنصيب دا سيلفا، بينهم 20 رئيسًا، ما يعني أن الرئيس المنتخب في طريقه لإعادة البلاد إلى الخارطة العالمية، وقد شكل سيلفا حكومةً وطنيةً من 37 عضوًا من بينهم 11 امرأة، يمثلون 13 حزبًا من مختلف المشارب السياسية باستثناء اليمين المتطرف، وأغلبهم من اليمين الوسط، أما الهاجس والتحدّي الأساسي الذي يواجه دا سيلفا اليوم يكمن في كيفية لجم الحركة البولسونارية المتطرّفة، والخروج من أزمة الجوع والفقر المدقع، وإيجاد برامج إجتماعية تُساعد الطبقات المهمشة في البرازيل، وخلق دورة إقتصادية يستطيع من خلالها الاقتصاد البرازيلي التعافي، مع العلم أن اقتصاد البرازيل كان سابقًا في عهد دا سيلفا نفسه، يحتل المركز السادس عالميًا متخطيًا دولًا كبرى مثل بريطانيا.

اليمين حاول الانقلاب

واعتبر الصحفي والناشط السياسي اللبناني ياسين حجازي، أن أنصار بولسونارو حاولوا الانقلاب على الحكم بعدة طرق، من بينها دعوة الجيش إلى تسلم الحكم، وذلك بعد تشكيكهم في نتائج الانتخابات نفسها،  مشيرًا إلى أن أنصار بولسونارو صدموا بالهزيمة في الانتخابات بعد الحملة الإعلامية الكبيرة التي قام بها زعيمهم.

وأضاف حجازي، أن اللبنانيين في البرازيل بشكلٍ عام انحازوا خلال الانتخابات إلى لولا دا سيلفا، الذي سبق وتولّى الرئاسة في دورتين سابقتين وحقّق فيها نجاحات كبيرة، وخاصةً على المستوى الاقتصادي. وتابع حجازي حديثه عن فوز لولا، باعتبارها فوزًا لصالح اللبنانيين وبالأخص الجيل الجديد الذي سافر خلال الحرب الأهلية اللبنانية وأولئك القاطنين على الحدود مع الباراغواي، الذين يظهرون تفاؤلًا بالسياسات التي سيتبعها دا سيلفا ومن بينها السياسة الحدودية.

ياسين حجازي
الصحفي اللبناني ياسين حجازي 

وأشار حجازي الذي شارك في عدة نشاطات سياسية في البرازيل، إلى الدور الكبير الذي تلبعه الجالية اللبنانية أو الأشخاص المنحدرون من أصل لبناني في البرازيل، وهم يتولون اليوم أعلى المناصب في الوزارات ومجلس النواب ومختلف مفاصل الدولة، إضافة إلى ترأسهم مئات البلديات.  ويعود ذلك إلى أن تاريخ الهجرة اللبنانية إلى البرازيل بدأ منذ العام 1870 تقريبًا.

ختار دا سيلفا السيدة اللبنانية الأصل سيموني تابت لوزارة التخطيط، وحداد وتابت يرتبطان بعلاقة جيدة مع الجالية اللبنانية بالبرازيل

وقد أشاد كلّ من ياسين حجازي وعلي فرحات بالأستاذ الجامعي والمحامي المنحدر من أصول لبنانية فرناندو حداد، والذي يُعدّ الرجل الثاني في حزب العمل بعد دا سيلفا، ورئيس بلدية ساو باولو السابق، الذي اختاره دا سيلفا لتولي وزارة المالية والاقتصاد، مع العلم أن حداد خاض انتخابات 2018 الرئاسية ضد بولسونارو دون أن يحالفه الحظ. كذلك اختار دا سيلفا السيدة اللبنانية الأصل سيموني تابت لوزارة التخطيط، وحداد وتابت يرتبطان بعلاقة جيدة مع الجالية اللبنانية بالبرازيل، وسيكون حصولهم على هذه المناصب الوزارية تأثير إيجابي على اللبنانيين في البرازيل.