02-يناير-2023
gettyimages

يعود لولا إلى رئاسة البرازيل مع تحديات كبيرة في الجوانب الاقتصادية والسياسية (Getty)

بدأ لولا دا سيلفا يوم الأحد 1 كانون الثاني/يناير 2023، ولايته الجديدة كرئيس للبرازيل بعد مواجهة انتخابية مع الرئيس السابق اليميني جايير بولسونارو لم تحسم إلّا في الجولة الثانية وبهامش ضئيل لم يتجاوز نسبة 1%.

بدأ لولا دا سيلفا يوم الأحد 1 كانون الثاني/يناير 2023، ولايته الجديدة كرئيس للبرازيل بعد مواجهة انتخابية مع الرئيس السابق اليميني جايير بولسونارو

اكتمل حفل تسليم الرئيس البرازيلي الجديد، لكنه بقي ناقصًا، بعدما كان من المفترض أن يقدم الرئيس السابق بولسونارو الوشاح الرئاسي للرئيس الجديد لولا، وهي عملية رمزية تمثل الانتقال السلمي للسلطة، لكن بولسونارو وعلى طريقة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، غادر البرازيل باتجاه فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد حملة تشكيك واسعة في الانتخابات الرئاسية في البرازيل.

في محاولةٍ لتجاوز هذه الفقرة، صعد لولا إلى منصة التنصيب، برفقة مجموعة من المواطنين، من بينهم امرأة سوداء ورجل يمتلك تحديًا وطفل وشخص من السكان الأصليين وعامل مصنع، وأعلن لولا أنه سيقبل الوشاح من الشعب البرازيلي، وقدمته له عاملة نظافة برازيلية.

getty

وخلال خطابه أمام البرلمان، قال لولا إن سيواجه الفقر والمجاعة وإزالة الغابات، ويحاول النهوض بالاقتصاد وإعادة توحيد البلاد، كما انتقد سلفه بولسونارو، مشيرًا إلى أنه هدد الديمقراطية البرازيلية. مؤكدًا أن البرازيل لن تعود للديكتاتورية مرةً أخرى، قائلًا: "اليوم، بعد التحدي الرهيب الذي تغلبنا عليه، يجب أن نقول: الديمقراطية إلى الأبد".

وغادر بولسونارو إلى الولايات المتحدة، وتحديدًا إلى فلوريدا ملاذ المحافظين البرازيليين، في رحلة يتوقع أن تستمر ما بين الشهر إلى ثلاثة أشهر، وذلك من أجل التأكد من مصيره، بعد تنصيب لولا، وإمكانية الدفع باتجاه التحقيق معه وإدانته في قضايا عدة مثل الكشف عن وثائق سرية ومهاجمة الانتخابات وغيرها، خاصةً بعد أن فقد الحصانة كرئيس.

وتشير جميع المعطيات والمؤشرات إلى أن رئاسة الرئيس اليساري لولا دا سيلفا لن تكون سهلةً، فالبرازيل تتخبّط في العديد من المشاكل جلها داخلي وجزء منها متعلق بالسياق الخارجي. وفيما يلي نحاول أن نرصد لكم أبرز التحديات التي تواجه لولا دا سيلفا في ولايته الرئاسية التي ستستمر لأربعة سنوات قادمة، وهي تحديات يمكن إجمالها في 3 ملفات هي الملف الاقتصادي والمشكلة الرئيسية فيه هي مشكلة الفقر وارتفاع معدلات التضخم والغلاء، والتحدي الثاني هو التحدي الاجتماعي وأبرز قضيتين فيه هما قضية الصحة والأمن، وأخيرًا التحدي السياسي ومستوى الانقسام الذي يخترق المجتمع ويهدد بتفتيته والذهاب نحو العنف السياسي.

التحدي الاقتصادي

ثمّة إجماع أن التحدي الأبرز بالنسبة للرئيس لولا دا سيلفا هو الأوضاع الاقتصادية التي يقول أنصاره إنها بلغت مستوى يرثى له بعد أربع سنوات من حكم سلفه الذي "اتبع إدارة غير مسؤولة" أدت إلى ارتفاع نسبة التضخم لتصل إلى حدود 13% ونسبة البطالة التي يعاني منها أكثر من 11 مليون برازيلي وتعرض 33 مليون برازيلي للجوع خلال عام 2022 بحسب معطيات الشبكة البرازيلية للأبحاث حول السيادة والأمن الغذائي، ويتضاعف ذلك الرقم ليصل نحو 125 مليون برازيلي عندما يتعلق الأمر بمؤشر غياب الأمن الغذائي.

getty

فضلًا عن ذلك فإن الدين العام للبرازيل معرض للخروج عن السيطرة حيث يمثّل حاليًا نسبة 77% من الناتج المحلي.

بدوره، أكد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا على وعي بهذه الأرقام وتعهد في حملته الانتخابية بجعل "البرازيل سعيدةً مجددًا"، لكن مجموعة من القيود قد تواجه تطبيق برنامجه الانتخابي وتعهداته، خاصة منها تلك القيود المتعلقة بالميزانية إذ يتعيّن على دا سيلفا "زيادة الإنفاق دون أمل بزيادة الإيرادات الموازية والسعي لعدم رفع الضرائب".  وسيكون الكونغرس البرازيلي له بالمرصاد في هذا الصدد، فمن دون دعمه قد تذهب وعود لولا دا سيلفا دون تحقق، علمًا بأن العدد الأكبر من المقاعد في مجلسيْ النواب والكونغرس بحوزة أنصار بولسونارو.

لكن هذا الكونغرس، وفي بادرة اعتبرت إيجابية، وافق مؤخرًا على تعديل دستوري يتيح للرئيس تمويل وعوده الانتخابية، على الأقل لفترة عام.

التحدي الاجتماعي

يشكّل الملف الصحي والأمني معضلتين في البرازيل، ففي الصحة واجهت المنظومة الصحية أزمة كبيرة على إثر وباء كورونا أثرت على قضايا الصحة العامة لناحية توقف آلاف الأشخاص عن تحديد المواعيد والعمليات الجراحية، كما انخفضت الإجراءات الطبية بنسبة 25% وتراجعت التغطية الصحية بشكل كبير، وأدى ذلك الوضع إلى تعاقب أربعة وزراء على حقيقة الصحة في أقل من 4 سنوات، وجزء كبير من هذه الأزمات يعود لولاية سلفه الذي كان يرفض تصديق وجود جائحة كوفيد-19 وتحدث عن استمرار الحياة دون أيّ إجراءات احترازية.

getty

أمّا على مستوى الأوضاع الأمنية فالتحدي الأبرز فيها هو استشراء العنف والجريمة وحمل السلاح، وفي هذا الصدد من المتوقع أن يعمل لولا على استصدار تشريعات لتقليص حيازة الأسلحة النارية التي زادت بشكل كبير في عهد سلفه بولسونارو المؤيد لحيازة الأسلحة الشخصية بالنسبة للمواطنين.

بلد مهدد بالانقسام

منذ فوز لولا، وأنصار بولسونارو يتظاهرون أمام معسكرات الجيش، للمطالبة بالتدخل في نتيجة الانتخابات وإلغاء فوز لولا، واستمر ذلك حتى يوم التنصيب، في أمل منهم لإمكانية أن يعود الجيش للعب دور سياسي، فيما تشهد البرازيل حالة استقطاب سياسي غير مسبوقة في هذه الأيام.

ويُعد تحدي الانقسام السياسي، أحد التحديات البارزة للرئيس اليساري الذي لا يحظى بسند برلماني، وتمكّن من النجاح بفارق بسيط في الجولة الثانية من الانتخابات لم يتجاوز 1%. ولم يخل ذلك الفوز من تلويح لأنصار بولسونارو بالعنف، حيث أغلقوا الطرق السريعة فى ولايتين احتجاجًا على فوز لولا، وبالتالي يسود قلق في انفجار اضطرابات أمنية على خلفية ذهاب أنصار الرئيس السابق إلى خيارات الاحتجاج، وكان بولسونارو قد ألمح إلى مثل هذا السيناريو عندما كرر أثناء حملته أنه أمام خيارات ثلاثة لا رابع لها:"السجن أو الموت أو النصر".

getty

في خطاب النصر اتجه لولا دا سيلفا إلى احتواء جميع البرازيليين بإعلانه أنه ابتداءً "من الأول من كانون الثاني/يناير 2023 ، سأحكم 215 مليون برازيلي، وليس فقط أولئك الذين صوتوا لي. نحن دولة واحدة، شعب واحد، أمة عظيمة. هذا البلد يحتاج إلى السلام والوحدة. هؤلاء الناس لا يريدون القتال بعد الآن. حان الوقت لإلقاء الأسلحة التى لم يكن يجب استخدامها. البنادق تقتل ونحن نختار الحياة".

في خطاب النصر اتجه لولا دا سيلفا إلى احتواء جميع البرازيليين

وخارجيًا سيحاول لولا استعادة الحضور البرازيلي في القضايا الدولية لا سيما قضايا المناخ والبيئة والقضية الفلسطينية، وسيحاول في ذلك تجاوز تركة سلفه بولسونارو الذي تضررت خلال فترة رئاسته علاقات البرازيل مع أكثر من دولة داخل أمريكا اللاتينية وخارجها.