31-مارس-2024
مقال عن الثورة العربية الكبرى القائد والقصة

الثورة العربية الكبرى غيرت خط سير التاريخ في العالم العربي وأعادت تشكيله من جديد

تعتبر الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي إحدى أهم الأحداث التي غيرت خط سير التاريخ في العالم العربي وأعادت تشكيله من جديد فقد قامت الثورة العربية من أجل حرية العرب، وصيانة حقوقهم، ونيل استقلالهم، وقد مثلت مشروعًا لاستنهاض وبناء الأمة، كما فرضت مكانة العرب على الخارطة السياسية في التاريخ المعاصر. فما هي القصة وبيد من سطرت صفحاتها وما هي أهميتها في التاريخ الحديث؟

من أسباب قيام الثورة العربية الكبرى السياسة القمعية لجمال باشا الحاكم العسكري للولايات السورية العثمانية.

شرارة البدء

قاد الاضطهاد الذي ساد أيام تولي جمعية الاتحاد والترقي التركية زمام الحكم في الدولة العثمانية بعد خلع السلطان عبد الحميد إلى ثورة العرب عليهم، فقد مورست على العرب وغيرهم كل سبل التضييق الممكنة لفرض سياسة التتريك التي اعتمدتها الجمعية في كل أنحاء الدولة العثمانية التي شملت في ذلك الوقت دول الشام والحجاز بالإضافة إلى مصر وبلاد ما بين النهرين. وقد تمثلت أساليب الاضطهاد التي قامت بها الدولة العثمانية آنذاك في النقاط التالية:

  • السياسة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، والتي تمثلت بالتجنيد الإجباري.
  • مصادرة الأملاك والأرزاق من أصحابها.
  •  مجاعة عام 1915م.
  • السياسة القمعية لجمال باشا الحاكم العسكري للولايات السورية العثمانية.
  • تراكمات العلاقة المعقدة بين العرب والأتراك منذ أواسط القرن التاسع عشر، وحتى مؤتمر باريس عام 1913.
  • تهميش اللغة العربية وفرض تعليم اللغة التركية بالإجبار وهو ما عرف لاحقًا بسياسة التتريك.

اختير الشريف الحسين ليكون قائدًا لهذه الثورة تمهيدًا لتنصيبه ملكًا على العرب بعد نجاحها.

قائد متفق عليه

في عام 1908م أولى السلطان عبد الحميد إدارة الحجاز للشريف الحسين بن علي فانتقل بهذا إلى مكة المكرمة وأقام فيها وكان طيب الأثر حسن السمعة هناك وقد وطد علاقات جيدة مع أهالي تلك المناطق، وترك في نفوسهم أثرًا عظيمًا كذلك.

استمر الوضع على هذا حتى تولي جمعية الاتحاد والترقي حكم البلاد في وقت كانت الدولة العثمانية فيه تعاني من الضعف الداخلي نظرًا للانقسامات ومحاولات التخريب المستمرة كما أطلق على الدولة العثمانية في ذلك الوقت لقب "الرجل المريض"، ونظرًا للممارسات الاضطهادية التي ذكرت آنفًا تجاه العرب من قبل الجمعية فقد قرر العرب الثورة عليهم وتم اختيار الشريف الحسين ليكون قائدًا لهذه الثورة تمهيدًا لتنصيبه ملكًا على العرب بعد نجاحها.

 

من مكة كانت البداية

قبل فجر يوم التاسع من شعبان 1334ه‍ - 10 يونيو 1916م في مكة المكرمة أطلق الشريف الحسين الرصاصة الأولى إيذانًا منه ببدء التحرك على الأرض باتجاه ثورة الكرامة للعروبة الثورة العربية الكبرى، وكان هذا في الحجاز وما لبث أن انتشر في كل أصقاع الدولة العثمانية لاحقًا، تم بعد ذلك نزع الدولة العثمانية من معظم أراضي الحجاز وتمت مبايعة الشريف الحسين ملكًا على العرب، إلا أن رياح الخديعة أفرغت على الثورة أتربتها على حين غفلة.

أقنع لورانس الشريف الحسين بضرورة التحالف مع بريطانيا في حربها العالمية مقابل مده بالدعم اللازم لثورته

صداقة مغلفة بالخيانة

في ظل أحداث الحرب العالمية الأولى التي انضمت لها الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا كانت هناك مكيدة تدبر واتفاقية سرية على تقسيم الوطن العربي تبرم خارجه "سايكس بيكو". تبدأ الحكاية مع لورنس العرب أو الكولونيل توماس إدوارد لورانس ضابط الاستخبارات البريطاني الذي غلف مهمته السرية بكونه عالمًا للآثار يقيم في بلاد العرب.

قضى لورنس هذا في الوطن العربي مدة طويلة من الزمن، تعلم اللغة العربية وحفظ جغرافية الشرق الأوسط ومداخله ومخارجه وحتى نفوس أهله وإيجابياتهم وسلبياتهم وخلق علاقات جيدة معهم تحت مسمى الصداقة، إلا أن الحقيقة كانت مهمة موكلة إليه ليكون حلقة الربط بين العرب وبين بريطانيا وفرنسا اللتين تستعدان لبسط نفوذهما على الوطن العربي عن طريق ضرب بعضه ببعض.

هكذا أقنع لورانس الشريف الحسين بضرورة الانضمام والتحالف مع بريطانيا في حربها العالمية وتخليص العالم من ظلاميات الدولة العثمانية مقابل مد بريطانيا بالدعم اللازم للشريف الحسين والعرب على أن يتولى هو ملك العرب تحت ظل العباءة الهاشمية.

فطن الشريف الحسين بن علي للخيانة التي أحاطت بجيشه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بفوز بريطانيا وحلفائها وتقهقر الدولة العثمانية وذلك عندما تم إعلان اتفاقية التقسيم التي تنص على فرض الانتداب الفرنسي على كل من سوريا ولبنان والانتداب البريطاني على العراق والأردن وفلسطين وهذا ما لم يؤمن به الشريف الحسين، وازداد الرفض بطبيعة الحال بعد وعد بلفور الذي حملته بريطانيا على عاتقها في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

رفض الشريف الحسين رفضًا قاطعًا الاعتراف بالانتداب البريطاني والفرنسي وخاصة الانتداب على فلسطين

مراسلات مكماهون

هي سلسلة من الخطابات المتبادلة "مراسلات مكماهون" أثناء الحرب العالمية الأولى بين الشريف الحسين والسلطات البريطانية بواسطة فينسنت آرثر هنري مكماهون ممثل الملك البريطاني في مصر وافقت من خلالها الحكومة البريطانية على الاعتراف باستقلال العرب بعد الحرب في الشرق الأوسط من الوطن العربي في مقابل إشعال الحسين بن علي شريف مكة الثورة العربية بهدف الاستقلال عن الدولة العثمانية. كان لهذه المراسلات تأثير كبير على تاريخ الشرق الأوسط ما بعد الحرب، كما استمر الجدال فيما بعد حول كثيرٍ من النقاطِ كانت فلسطين من أهمها، وقد تولى الأمير فيصل أمر إيصال هذه المراسلات إلى مكماهون.

 

ميسلون..كرامة أخرى بأياد فدائية

كانت معركة ميسلون إحدى أهم الردود على رفض قرار التقسيم الذي نصت عليه معاهدة سايكس بيكو، ففي عام 1920 و بقيادة وزير الحربية السوري يوسف العظمة تحت اللواء الهاشمي المتمثل بنجل الشريف الحسين وهو الأمير فيصل والذي كان قد وُعد بإمارة سوريا سابقًا دارت معركة مجيدة غير متكافئة البتة مع الجيش الفرنسي المسلح بكل وسائل الإبادة الممكنة آنذاك، وقطرت فيها دماء المستبسلين من أهالي دمشق الذين نفروا إلى جانب الجيش العربي للدفاع عن أرضهم وحقهم في عيش الحرية التي كانوا ينتظرونها بعد إنهاء حكم الدولة العثمانية.

بعد ذلك تم تنصيب الأمير فيصل لحكم العراق واستمر بها لمدة 10 سنوات، وتولى الأمير عبد الله بن الحسين " الملك المؤسس" زمام الأردن وأعلنها مملكة أردنية هاشمية، تم ذلك بعد محاولات استرضاء العرب عندما أعلنت بريطانيا استقلال الأردن والعراق تحت الانتداب فيما تنازل الشريف الحسين قائد الثورة العربية الكبرى وشيخها عن الحكم لنجله الأمير علي بن الحسين.

رفض الشريف الحسين رفضًا قاطعًا الاعتراف بالانتداب البريطاني والفرنسي وخاصة الانتداب على فلسطين، وبعد تنازله عن الحكم عام 1924م لابنه الأمير علي خرج من الحجاز إلى العقبة وأقام فيها وهناك تمت مبايعته خليفة للمسلمين، وقام بأول إعمار هاشمي في العصر الحديث للمسجد الأقصى المبارك، وذلك عندما تبرع بمبلغ (26677) جنيه.

 

ثبات يعقبه نفي

مع ثبات الشريف الحسين على موقفه الرافض للانتداب جاء قرار نفيه إلى جزيرة قبرص عام 1926م، وقد عاش فيها مدة وما لبث أن عاد الشريف الحسين إلى عمان بعد نفيه ببضع سنوات لتوافيه المنية في 2 حزيران من عام 1931م في قصر رغدان تاركًا وراءه ثورة تحت الرماد، وقد ووري جثمانه الثرى في أرض الأقصى الشريف في القدس بإصرار من الأعيان والمسؤولين آنذاك.

 

غيرت الثورة العربية الكبرى وجه الشرق الأوسط بشكل لا يمكن نفيه أو إغفاله، قامت على الأرض العربية بسواعد فتية فدائية كان همها الدفاع عن القومية العربية التي أثارها الصديق المزيف لورانس بتكتيك بريطاني عالي المستوى، وعلى أن الخيانة قد حالت دون إتمام الهدف الأكبر المرجو من الثورة العربية الكبرى وهو بسط نفوذ الحكم العربي على معاقل الدولة العثمانية إلا أن النية في إفشاء العدل والسلام على الأرض كانت غاية في النبل ومدعاة للفخر، وما زال التاريخ يحمل في طياته العديد من القصص التي تحمل في العديد من العبر التي لا بد من قراءتها والتمعن فيها والاستناد عليها في سبيل النجاة من أخطاء الأقدمين التي وقعت في ذلك الزمن.