16-يناير-2020

عاد للاحتجاجات اللبنانية زخمها من جديد (أ.ب)

بعد خفوت حركتها في الأسابيع الأخيرة، عادت الانتفاضة اللبنانية لتشتعل من جديد ابتداءً من يوم الثلاثاء الماضي، بّعيد الحديث عن نية المصارف اتخاذ إجراءات جديدة تضرّ بشكل أساسي بالمودعين أصحاب الودائع الصغيرة.

تحتجز القوات الأمنية، حسب رصد قامت به وكالة فرانس برس، أكثر من مئة موقوف، من بينهم قاصرون

 وقد ساهمت عوامل أخرى في إزكاء نار الانتفاضة، كملامسة الدولار الأمريكي لحاجز الـ2500 ليرة لبنانية لدى الصيارفة، والحديث عن تعثر جهود تشكيل الحكومة في ظل خلافات بين الفرقاء الذين سموا حسان دياب لهذه المهمة، إضافة إلى الأحداث الإقليمية، وخطابات أمين عام حزب الله الأخيرة التي أصرت على ربط لبنان بالمحاور الخارجية، بالإضافة إلى انحسار العاصفة الجوية التي استمرت لأكثر من أسبوعين، وحالت دون خروج المواطنين إلى ساحات التظاهر.

اقرأ/ي أيضًا: مصارف تحكم لبنان.. الجريمة دون عقاب

 وقد أكد المنتفضون مرة جديدة على مطالبهم المتمثلة بتشكيل حكومة مستقلة تنظّم انتخابات مبكرة، وتعمل على محاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة.

شبح الجوع يلوح في الأفق وشح في المواد الأساسية

رجال أمن يعتدون على متظاهر لبناني في بيروت (أ.ب)

بالإضافة إلى الإجراءات المصرفية التي تحدّ القدرة الشرائية للمواطنين من خلال احتجاز أموالهم، بدأ الحديث عن شح أو اختفاء عدد من السلع والمواد من السوق، والتلويح باختفاء البعض الآخر منها قريبًا كالغاز والبنزين وغيرها، فيما تحدثت تقارير عن قطع الإنترنت عن لبنان نهاية الشهر القادم في حال لم يسدد التزاماته، هذا في وقت دوّت فضيحة مدوية مع إعلان الأمم المتحدة عن منع لبنان من حقه بالتصويت في مجلس الأمن، بسبب تخلفه عن دفع الاستراك السنوي للسنة الثانية على التوالي. وقد قام كل من وزارتي المالية ووزارة الخارجية بإلقاء التهمة على الأخرى.

وقد كان لافتًا خلال الأيام الأخيرة، تغيّر الخطاب لدى بعض الجهات الإعلامية وناشطي السوشال ميديا الدائرين في فلك حزب الله، وتشجيعهم على التظاهر ضد مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة، مع توجيههم لانتقادات مبطنة لحسان دياب، الأمر الذي توقّف عنده المتابعون، ورأوا فيه محاولة لركوب موجة الانتفاضة، للتطهر لاحقًا أخلاقيًا ومعنويًا على الأقل، من آثام الانهيار الكبير الذي يلوح في الأفق. مع الإشارة هنا إلى أن الدعوة لإسقاط النظام المصرفي، ورفض تكليف رئيس حكومة غير مستقل، هي جزء من مطالب حملها المنتفضون لعدة أشهر، في وقت كان أهل السلطة والإعلاميون والناشطون المحيطون بهم، والمواقع الإلكترونية المتحمسة اليوم للتظاهر، تمعن فيهم تخوينًا وتشكيكًا بنواياهم وارتباطاتهم ومصادر تمويلهم.

شارع الحمرا يخطف الأنظار

شهدت العاصمة بيروت ليل الثلاثاء – الأربعاء واحدة من أكثر لياليها صخبًا، حيث نزل آلاف المواطنين للتظاهر في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وقطعوا الطريق عند جسر الرينغ. كما توجه عدد كبير من الشبان والشابات إلى شارع الحمرا التجاري الذي يعج بالمصارف، وقاموا بتكسير الواجهات الزجاجية لعدد منها، وتحطيم ماكينات الصرف الآلي. وقد حصلت مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل، قامت القوى الأمنية على إثرها باعتقال 51 متظاهرًا.

وفيما نجحت الانتفاضة في استعادة مشهدية الأيام الأولى، وعادت الساحات لتمتلئ مرة أخرى في بيروت، صيدا، فرن الشباك، طرابلس، النبطية وغيرها، يبدو أن أحزاب السلطة استشعرت الخطر الداهم المحيط بها، فخرج أكثر من موقف يدين ما أسماه "الأعمال التخريبية" التي شهدها شارع الحمرا ليل الثلاثاء، وأبرزها من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري.

من جهتهم، أعلن ناشطو الانتفاضة تمسكّهم بحقهم في الاستمرار في التظاهر حتى تحقيق كامل مطالبهم، بالرغم من الخلافات التي حصلت بين المنتفضين أنفسهم بين مؤيدي "العنف الثوري" المؤمنين بضرورة اجتثاث السلطة الحاكمة، وبين المصرين على المحافظة على المنحى السلمي اللاعنفي للانتفاضة.

احتجاجات ضد الاعتقالات تُواجه بمزيد من الاعتقالات

رجل يسير أمام واجهة بنك حطمها المحتجون في بيروت (رويترز)

استمر التظاهر مساء الأربعاء، بينما شهدت مناطق لبنانية عديدة مواجهات، وموجة قمع قادتها الأجهزة الأمنية اللبنانية، أدت إلى سقوط جرحى، خاصة أمام ثكنة الحلو في العاصمة، بعد أن طالب المحتجون بالإفراج عمن تم اعتقالهم الثلاثاء. حيث تحتجز القوات الأمنية، حسب رصد قامت به وكالة فرانس برس، أكثر من مئة موقوف، من بينهم قاصرون، توزعت عمليات اعتقالهم بين ليلتي الثلاثاء والأربعاء.

استمر التظاهر مساء الأربعاء، بينما شهدت مناطق لبنانية عديدة مواجهات، وموجة قمع قادتها الأجهزة الأمنية اللبنانية، أدت إلى سقوط جرحى

كما أصيب عشرات من المحتجين ليلة الأربعاء أمام ثكنة الحلو غرب العاصمة بيروت، حيث تشير تقارير إلى تعمد قوات مكافحة الشغب استخدام العنف والغاز المسيل للدموع.

في السياق، طالبت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية باحترام حق التظاهر للمواطنين، مجددة في تغريدة نشرتها عبر حسابها الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، اليوم الخميس، تأكيدها على ضرورة "احترام الحق في التظاهر السلمي وعدم استخدام العنف المفرط بحق المتظاهرين المطالبين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المشروعة". كما أكدت المنظمة على ضرورة "الامتناع فورًا عن التوقيفات العشوائية المخالفة للقانون".