05-يوليو-2017

لم تنج الاتحادات الطلابية المصرية من مخالب الدولة الأمنية (بلال وجدي/الأناضول)

تعتبر الاتحادات الطلابية في الجامعات المصرية صوتًا للطلاب، يناشدون من خلالها المسؤولين ويطالبون عبرها بحقوقهم، وينظم الاتحاد العلاقة بين الطلبة والأساتذة، كما ينظم الأنشطة الطلابية بأنواعها المختلفة؟ وكاتجاه عام للدولة في السيطرة على الأصوات العالية وتكميمها منذ أحداث 30 يونيو 2013، لم تنجُ الاتحادات الطلابية من مخالب الدولة الأمنية.

يمثل الحراك الطلابي في مصر أحد أهم الأدوات الضاغطة على الحكومات والمؤثرة على سير سياسات الدولة ككل منذ عبدالناصر وإلى اليوم

نشرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات (منظمة مجتمع مدني مصرية) ورقة سياسات من إعداد الباحث محمد مصطفى، تحمل عنوان "الاتحادات الطلابية.. الأزمة ومسار الحل" وتستعرض المفوضية من خلالها بعض المشاكل التي نالت الاتحادات الطلابية، خاصة بعد 30 تموز/ يونيو، وبعض الحلول المقترحة والتوصيات لحل الأزمة الحالية.

اقرأ/ي أيضًا: قوانين السيسي لجامعات مصر.. "للخلف در"

"مش عايزين في الجامعة عتاولة.. تسقط لائحة أمن الدولة"!

يمثل الحراك الطلابي في مصر أحد أهم الأدوات الضاغطة على الحكومات والمؤثرة على سير سياسات الدولة ككل، ذلك بداية من عهد جمال عبدالناصر وسيطرة اليساريين على الحراك الثوري في الجامعات، وعلى الرغم من دعم طلاب الجامعة للنظام الجديد إلا أنهم سرعان ما عارضوا الحكم العسكري بما يحمله من قمع، الأمر الذي دفع عبدالناصر إلى إلغاء نظام الانتخاب في الاتحادات الطلابية ليحل محله التعيين في الفترة من 1953 حتى 1959.

شهدت الجامعات انفراجة صغيرة بعد ذلك، بإعلان اللائحة الطلابية الجديدة عام 1958، والتي حاول النظام من خلالها إضعاف الحركات الطلابية، وفصل العمل السياسي عن النشاط الطلابي، وحصر عمل الاتحادات الطلابية على العمل الجامعي الأكاديمي والأنشطة الاجتماعية فقط. وقد تعرضت تلك اللائحة للعديد من التعديلات حسب مقتضيات الظرف السياسي في البلاد، ثم جاءت فترة السادات التي شهدت أوج الحركات الطلابية ومظاهراتها المعارضة لسياسات الرئيس الأسبق، ودورها الفعّال في أحداث بارزة في تاريخ مصر، كانتفاضة 1977 المعروفة إعلاميًا باسم انتفاضة الخبز، أو مظاهرات رفض اتفاقية كامب ديفيد، ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي استلزم لجامًا جديدًا لتلك الحركات المؤرقة للنظام.

فبدأ السادات سلسلة تقييد الحريات الأكاديمية والتي سار على نهجها حسني مبارك من بعده، فجاء السادات باللائحة الطلابية لعام 1979 ليقلل من سيطرة الإسلاميين على مقاعد الاتحاد، ويوقف المد الإسلامي المعارض الذي علا صوته وتأثيره بعد اتفاقية كامب ديفيد، فأعادت تلك اللائحة "الحرس الجامعي" وجعلت من الأمن رقيبًا على الطلاب وله حق استبعاد الطلاب المشاغبين سياسيًا، كما ألغت اللائحة الاتحادات الطلابية على مستوى الجمهورية، لتبقى الاتحادات داخل الكليات فقط.

بعد اغتيال الرئيس السادات، زادت حدة الأمن تجاه الإسلاميين وبالتبعية تجاه جميع الطلاب الذين يعارضون النظام، فتدخل الأمن بشكل فج في حق الطلاب في الترشح للانتخابات، ومرت اللائحة كسابقتها بالعديد من التغييرات الطفيفة حسب الظرف المقتضى.

وفي بداية الألفية الجديدة كان حكم مبارك وفساده قد تفشى في مصر، وبدأت الشوارع تشهد مظاهرات قليلة وحركات معارضة للنظام، حتى جاءت انتخابات 2005 والتي شهدت تزويرًا وتجاوزات انتخابية زاد على إثرها امتعاض الشعب من السلطة الحاكمة، ثم جاء الدور على لائحة 2007 المعروفة إعلاميًا "بلائحة مبارك" ولم تُلغِ هذه اللائحة سابقتها، ولكن أتت بمزيد من القيود على حرية العمل الطلابي، وأطلق على اللائحة اسم "لائحة أمن الدولة" واعترضت القوى الطلابية عليها بشدة ورفعوا شعار "مش عايزين في الجامعة عتاولة.. تسقط لائحة أمن الدولة!"

جاءت لائحة مبارك سنة 2007 بمزيد من القيود على حرية العمل الطلابي وأطلق عليها "لائحة أمن الدولة" واعترضت القوى الطلابية عليها بشدة

اقرأ/ي أيضًا: إلغاء اتحاد طلاب مصر نهائيًا.. وعودة لائحة "مبارك"

"الطلاب مش هتبيع"

شهدت الحركة الطلابية مشاركة كبيرة في ثورة 25 يناير، وشهدت انتفاضة عارمة في الجامعات في السنوات الثلاث اللاحقة بالثورة. جاء على رأس مطالب الحركة الطلابية، رفض "لائحة مبارك" أو "لائحة أمن الدولة" والعمل على لائحة جديدة تضمن للطلاب حريتهم السياسية داخل الجامعة، واستقلالية الجامعات وتقييد التدخل الأمني وسيطرة الجهاز الأمني عليها، وجاءت بالفعل لائحة جديدة أكثر مرونة في بداية 2013 أثناء حكم الرئيس السابق محمد مرسي.

وبإزاحة حكم الإخوان في 30 يونيو، جُمّدت معه اللائحة الطلابية الجديدة رغم عدم قانونية هذا الفعل، ومنذ ذلك الوقت لم تشهد مصر انتخابات طلابية، ولكي نكون أكثر دقة، أُلغيت الانتخابات في العامين التاليين، وفي عام 2016، لم يعتمد وزير التعليم العالي في حينها نتيجة الانتخابات ونادى بضرورة رجوع العمل بلائحة "أمن الدولة" واعتبر الطلاب ذلك خرقًا قانونيًا، فلائحة 2013 لا تزال جارية ما لم يصدر حكم قضائي في أمرها، ورفضوا كذلك اللائحة القديمة التي تقيد حرية العمل الطلابي بالجامعة.

يمكن الخلاص من مماطلة النظام وتعطيل العمل الطلابي إلى الخوف الأمني من تأثير نشاطهم إذا قُرر فتح الباب بكل حرية أو حتى مواربته، ففي ظل هذه القبضة الأمنية الشاملة لكل مؤسسات الدولة، استطاع الطلاب أن يكون لهم صوت مسموع وتأثير على قرارات الدولة المتخبطة، وبالرغم من منع العمل السياسي داخل الجامعة وعودة الحرس الجامعي وتعطيل الاتحادات الطلابية، إلا أن الطلاب ظهروا بحملة "الطلاب مش هتبيع" في نيسان/ أبريل العام الماضي، اعتراضًا على بيع جزيرتي "تيران وصنافير" وامتدت الفاعلية إلى الشوارع ولم تتوقف داخل جدران الجامعات، وتم على إثرها التحقيق الإداري مع عدد من الطلاب وفصلهم في بعض الأحيان، بالإضافة لحملات القبض والاعتقال الممنهج والعشوائي، وتعتبر فعالية "الطلاب مش هتبيع" أحد أهم الحملات المؤثرة في قضية "تيران وصنافير" والتي أجّلت بيع النظام المصري للجزيرتين لأكثر من عام، حتى استطاع أن يفرض سيطرته الكاملة ويحتوي الغضب الشعبي.

رغم منع العمل السياسي داخل الجامعة، ظهر الطلاب بفاعلية "الطلاب مش هتبيع" اعتراضًا على بيع تيران وصنافير وامتدت إلى الشوارع

بدائل "ممكنة" للخروج من الأزمة

بالعودة إلى ورقة السياسات التي أشرنا لها في بداية التقرير، تخلص هذه الورقة إلى بديلين للخروج من الأزمة الحالية لاتحادات الطلبة والمستمرة منذ 2013، يأتي البديل الأول "بإعداد مقترح قانون طلابي يضمن حق الطلاب في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، ويتضمن لائحة تنفيذية تضمن الاستقلالية المالية والإدارية للاتحادات الطلابية" وأشار التقرير أن "عملية إعداد مقترح القانون يجب أن تضم أكبر تمثيل ممكن من القوى الطلابية، بجانب مشاركة أعضاء هيئة التدريس ومنظمات المجتمع المدني، من أجل الوصول لصيغة توافقية".

وجاء اقتراح البديل الثاني على نهج الاتحاد العام لطلبة تونس، وهو اتحاد مستقل أشبه بنقابة عامة للطلاب في تونس، وأكدت ورقة السياسات على "وجوب الامتثال لمبادئ الحريات النقابية، بداية من مبدأ حرية اختيار الأشخاص في الانضمام للنقابة التي يرون أنها تمثلهم، وحق أعضاء النقابات في اختيار هيكل نقابتهم، واختيار اللوائح التي تنظم العمل داخلها وبرامج عملها وانتخاب قيادتها".

يمكن النظر إلى تلك البدائل على أنها حلول مثالية في وطن غير مثالي، وبالتالي فهي بدائل غير ممكنة في ظل القبضة الأمنية الحالية، ولم يتجاهل التقرير تلك النقطة فأشار إلى عيوب كل بديل متمثلاً في العراقيل التي سيواجهها مقترح القانون من أجل مروره من السلطة التشريعية أو القبضة الأمنية التي لن تسمح بوجود اتحاد مستقل ماديًا وإداريًا، وإن سمحت بوجوده، فسيواجه أزمات مادية وتنظيمية تحول دون تشكله أو تأثيره الفعلي، ولن تسمح الجهات الأمنية بأي دور فعّال لمؤسسات المجتمع المدني التي تسعى لإخضاعها لأوامر الدولة الأمنية من خلال "قانون الجمعيات الأهلية الجديد".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأكاديمي ناصر جابي في بيان استقالته: الجامعة الجزائرية في خطر!

الجامعة التونسية..تاريخ من النضال والصراع