06-أغسطس-2015

تحولت المواجهات بين اليسار الطلابي وبين الدستوريين إلى مواجهة بين الإسلاميين واليساريين (Getty)

ساهمت الجامعة في بناء الدولة والمجتمع في تونس قبل الاستقلال وبعده، وكان طلبتها وقود التحركات النضالية ضد المستعمر الفرنسي في البداية، ثم ضد محاولات السلطة القائمة توظيف المنظمات الطلابية والمس من استقلاليتها على حساب مصالح الطلبة.

استمر الحراك الاحتجاجي الطلابي من الزيتونيين ومدرسيهم خلال الفترة الاستعمارية

البداية.. ضدّ الاستعمار

كانت بداية النضال الطلابي في تونس من خلال تفاعل الطلبة التونسيين في جامع الزيتونة مع "حركة الشباب التونسي"، وهي حركة إصلاحية طالبت المستعمر بإنجاز إصلاح اجتماعي وسياسي. في آذار/مارس 1910، شن الطلبة التونسيون أول إضراب لهم، مطالبين بضرورة إصلاح المنظومة التعليمية وتحسين ظروف الدراسة. إثر ذلك، تكونت أول منظمة طلابية في تاريخ تونس، وهي منظمة "صوت الطالب الزيتوني" وكان ذلك في شباط/فبراير 1950. وكانت منظمة نشطة لها هيئات فرعية في مختلف فروع جامعة الزيتونة، ومن أبرز مطالبها التي أوردتها في ما عرف بـ"الدستور الزيتوني الجامع" إصلاح برامج التعليم الزيتوني عبر إدخال مواد عصرية وتدريس اللغات الأجنبية وتمكين الطلبة الزيتونيين من الدراسة في الخارج وفتح الآفاق المهنية أمام الخريجين منهم وبناء الكليات والمعاهد والمختبرات الحديثة. ومن أجل تحقيق ذلك، استمر الحراك الاحتجاجي الطلابي من الزيتونيين ومدرسيهم خلال الفترة الاستعمارية، وخاضوا العديد من التحركات والإضرابات عن الطعام والمظاهرات.

إضافة إلى نضالهم ضد المستعمر، تمسك الطلبة الزيتونيون بقدر من الاستقلالية تجاه الحزب الدستوري الجديد الذي كان يقود التحركات السياسية ضد الاستعمار الفرنسي، وكلفهم ذلك الاصطدام معه بداية الخمسينيات من القرن الماضي. وخلال تلك الفترة، تراوحت الأنشطة الطلابية بين الخمول أحيانًا نتيجة اشتداد القبضة الأمنية الاستعمارية، وخسارة الحركة الطلابية العديد من أعضائها شهداء وجرحى ومعتقلين، وبعض التحركات الاحتجاجية، مثل أول إضراب عن التعليم في المعاهد الثانوية في نيسان/أبريل 1950، استجابة لنداء الإضراب العام الذي دعت إليه المنظمات الوطنية لدعم المهمة التفاوضية للحبيب بورقيبة في فرنسا.

في سنة 1952 انطلق الكفاح المسلح من أجل الاستقلال ورفع الظلم وطغيان المستعمر الفرنسي وشارك فيه الطلبة التونسيين

حقبة الكفاح المسلح

أما في سنة 1952، فقد انطلق الكفاح المسلح من أجل الاستقلال ورفع الظلم وطغيان المستعمر الفرنسي، وشارك فيه الطلبة التونسيين، وفي خضم المعركة تأسس كيان نقابي طلابي جديد، وهو الاتحاد العام لطلبة تونس، الذي أعطى بعدًا أكبر للحركة الطلابية في تلك الفترة وعزز من زخم تحركاتها وتأثيرها.  بينما بعد الاستقلال، تغيرت المطالب الطلابية وفق الظرفية الجديدة، كما تغير أطراف الصراع واحتد الخلاف بين المنظمة الطلابية "الاتحاد العام لطلبة تونس" وحكومة الاستقلال التي تخلت عن الحريات العامة والتعددية السياسية ومشاركة المنظمات الوطنية ومنها الطلابية في أخذ القرارات المهمة واكتفت بإصلاحات اجتماعية. وتعددت المحاولات لإخضاع النقابة الطلابية من خلال تنصيب الكتاب العامين والهيئات الإدارية، وبدأ بذلك عهد الصراعات والهزات داخل المنظمة نفسها بين من يحظى بدعم السلطة الوطنية ولا يعارض التماهي معها وبين من يعارض ذلك.

تواصل الخلاف وتنامت الاحتجاجات وبلغت ذروتها عندما تدخلت السلطة لتوجيه نتائج انتخابات المؤتمر 18 للاتحاد العام لطلبة تونس في صيف 1971، وكانت ردود فعل النظام البورقيبي قاسية تجاه الحركة الاحتجاجية الشبابية في شباط/فبراير 1972. ومع حلول منتصف عقد سبعينيات القرن العشرين، دخلت الحركة الطلابية مرحلة جديدة، إذ تعددت الفصائل اليسارية في الجامعة، وأدى ذلك إلى تنامي الصراعات فيما بينها. فإلى جانب الطلبة الشيوعيين برزت حركة الوطنيين الديمقراطيين والنقابيين الثوريين، وانقسم الطلبة القوميين إلى ناصريين، نسبة إلى جمال عبد الناصر، وعصميين نسبة إلى عصمت سيف الدولة، وتكونت لجان ثورية تعتمد الكتاب الأخضر الذي وضعه معمر القذافي، إضافة إلى البعثيين المرتبطين إما بحزب البعث العراقي أو السوري. وبطبيعة الحال، برز الإسلاميون في الجامعة التونسية أيضاً، واتجهوا نحو المطالبة بمؤتمر تأسيسي لمنظمة طلابية جديدة معتبرين أن الاتحاد العام لطلبة تونس كان من حيث المنشأ والمسار منظمة دستورية، وقد تبنى جزء من يساريي الجامعة نفس الموقف في حين اختار البقية مواصلة النضال الطلابي في إطار الاتحاد العام لطلبة تونس.

وتعاقبت الاضطرابات بالجامعة وتغيرت تدريجيًا المعادلة من مواجهة بين اليسار الطلابي وبين الدستوريين إلى مواجهة بين الإسلاميين واليساريين. مما خلف أحداث عنف بلغت أشدها في أذار/مارس 1982، وفي ظل هذه التحولات انعقد خلال السنة الجامعية 1984-1985 ما عرف بـ"المؤتمر العام للحسم"، لينتج عنه نشأة منظمة طلابية جديدة هي "الاتحاد العام التونسي للطلبة". تواصل نزاع المنظمتين الطلابيتين، وحسبت كل منظمة على طرف سياسي، وكان الخاسر الأكبر نتيجة عملية الشرذمة للحركة الطلابية الطالب التونسي عينه، الذي همشت مطالبه وغُلبت المصالح الأيدولوجية والحزبية عليها.

منذ السبعينيات وحتى اليوم

عرفت بداية التسعينيات، غضب نظام بن علي على الإسلاميين بصفة عامة، وعلى طلبتهم أيضًا، وفي آذار/مارس 1991، أعلنت قوات الأمن التونسي اكتشاف مخبأ أسلحة يعود إلى الاتحاد العام التونسي للطلبة في كلية العلوم في العاصمة تونس، رغم نفي الاتحاد لهذه التهمة، وتبيانه انعدام أي علاقة له بهذا المخبأ ومحتوياته، إلا أن قرارًا بتعليق نشاط الاتحاد صدر عن القضاء التونسي، ليليه قرار آخر حكم بحله ونزع صفة الشرعية عنه.

عرف الاتحاد العام لطلبة تونس انقسامًا حادًا بين مختلف تياراته الفكرية

وأمام حالة الفراغ التي فرضت على الحركة الطلابية التونسية، حاول نظام بن علي توجيه العمل السياسي الطلابي لدعم اختياراته الاجتماعية والسياسية، وأنشأ تنظيمًا طلابيًا باسم "منظمة طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي" ليكون ذراعه في هذه المهمة. ونجح هذا التنظيم في الهيمنة على أغلب المجالس العلمية لتمثيل الطلبة في عديد المؤسسات الجامعية التونسية، لكنه كان تمثيلاً شكلياً ومزورًا، ولم يوفق في النهوض بواقع التعليم في تونس، أو في إقناع الطالب التونسي برسالة هذه المنظمة، خاصة مع تفاقم أزمة بطالة خريجي الجامعات وتدهور الواقع التعليمي وتفاقم المشكلات التي تواجه الطلبة في الجامعات التونسية.

وليس من باب الافتراء أن يقال أن الثورة التونسية قد عجزت عن تجديد نضالات الطلبة التونسيين، وإعادة إنتاج نشاطها وتحفيز حضورها في الشارع وفي النضالات النقابية والاجتماعية، خاصة في ظل تواصل الصراع بين مختلف المنظمات الطلابية من أجل خلافات سياسية وأيديولوجية بالأساس. يقول أنصار الاتحاد العام لطلبة تونس المحسوب على اليسار، أنه الممثل الوحيد للطلبة، بينما لا يعترفون بغيره من المنظمات الطلابية، أما الاتحاد العام التونسي للطلبة، المحسوب على الإسلاميين، فيدافع عن حقه في النشاط في الساحة الطلابية، وقد تحصل مؤخراً على الترخيص القانوني للعمل منذ آواخر عام 2013.

في المقابل عرف الاتحاد العام لطلبة تونس انقسامًا حادًا بين مختلف تياراته الفكرية، ونتج عن ذلك انقسامه إلى اتحادين لكل منهما مؤتمره الخاص وقيادته، خلال السنة الماضية. وساهم العنف المادي والمعنوي بين أنصار مختلف المنظمات الطلابية وولوج الفكر الديني المتشدد إلى الجامعة التونسية في تردي الوضع ومزيد الابتعاد عن مطالب الطلبة والإصلاحات الحقيقية للتعليم ومؤسساته.