20-أكتوبر-2021

شعار كيا (Getty)

ما الذي يقوله لك إعلان لشركة "كيا" لصناعة السيارات يومض على حواف ملعب كرة قدم أثناء مباراة حامية؟ "كيا" تقول لك، على الأرجح، إنها لم تمت بعد، وما زالت قيد المنافسة. إذ لا يعقل أن يكون أصحاب الشركة ومدراؤها سذجًا إلى الحد الذي يظنون معه أن مشاهدي المباراة سيستهلكون سياراتهم خلال سيرها كما يستهلكون البوشار.

لن تخرج امرأة إلى مقهى وهي ترفل بمجوهرات من عند كارتييه أو تيفاني. هذه الأغراض لها وقتها ومكانها. وفي معظم أوقاتها تبقى حبيسة الخزائن المقفلة

"فيراري" لن تضع إعلانًا مماثلًا. هذه شركة يُعلن عن مرضها قبل وقت طويل من وفاتها. نجمة من النجوم الشاهقة، مثلها مثل شقيقاتها في صناعة السيارات والعطور والثياب والأحذية. تنتج سلعة لا نحتاجها فعليًا. لكن امتلاكنا لهذه السلعة يجعلنا نصدق أننا تجاوزنا مرحلة الخطر. وأصبح لدينا ما يكفي من الموارد لنعيش بدون قلق. امتلاك سيارة "فيراري" يعني أن مالكها يبذّر بلا حساب، لأنه قادر على التبذير. أما امتلاك سيارة "كيا" فيعني أن أمام مالكها وقت طويل وجهد هائل لتستقر أوضاعه ويهمد قلقه من المستقبل.

اقرأ/ي أيضًا: تثيرنا وتستعبدنا.. إلى أين تقودنا الإعلانات التجارية؟

العطور والثياب لا تملك الخاصية نفسها التي تملكها "فيراري" طبعًا. إنما مع ذلك ثمة ما يدفعك للتفكير عشر مرات قبل أن تقتني قميصا صممه "بول أند شارك"، لتجلس على ناصية شارع وتحاول سرقة إنترنت الجيران، لترسل بعض الرسائل وتقرأ بريدك الإلكتروني. مع ذلك تبقى الثياب والعطور مقتنيات حميمة، وليست مقتنيات استعراض كسيارة "فيراري". يحدث أن تقرر تدليل جلدك قليلًا بملمس حرير "غوتشي"، أو برائحة "شانيل". ويحدث أن يكون معظم الذين تتوجه لهم مثل هذه الإعلانات قادرين على اقتناء هذا الضرب من السلع الثمينة والحميمة.

لكن تدليل الجلد يقف عند هذا الحد عمومًا. لن تخرج امرأة إلى مقهى وهي ترفل بمجوهرات من عند كارتييه أو تيفاني. هذه الأغراض لها وقتها ومكانها. وفي معظم أوقاتها تبقى حبيسة الخزائن المقفلة في المصارف أو في البيوت.

هكذا يبرز الاختلاف العميق بين إعلان "كيا" وإعلان "شانيل" أو " تيفاني". العارضة أو العارض في إعلان "شانيل" و"تيفاني" يؤكد لك منذ النظرة الأولى أنه يستحق هذا الدلال. جميل ومشهور ولا وينفق وقته وهو يوصل طلبات البيتزا لأصحابها في البيوت والشقق. وأنت الذي تقوم بكل هذه الأعمال المجهدة، تقرر أن تستخدم عطور "شانيل" وقمصان "بول إند شارك"، لأنك على الأغلب لا تملك الوقت الكافي للتجربة والخطأ. تريد سلعة مضمونة الأثر. والعارض ينبئك رأسًا منذ لحظة الإعلان الأولى أن السلعة التي يعرضها مضمونة الأثر.

إعلانات "كيا" أو "فورد" أو "تويوتا" من جهة أخرى، تصور لنا غالبًا، سيارات يقودها الزوج أو الزوجة ويقبع الأطفال في المقعد الخلفي، لتقول لنا إن هذه السيارة تلبي احتياجاتك أيها المضطر إلى العمل كل يوم لتأمين حاجياتك وحاجيات عائلاتك. أما "فيراري" فلا تهتم. نادرًا ما تعرض إعلانها امرأة قد أنجبت من قبل. أو رجلًا يعمل في مصنع ويعتني بأولاده وأمه وأبيه. عارضة "فيراري" هي امرأة شابة وجميلة وقد تحصلت على كل هذه النعم من مصدر غامض، يكاد يكون إلهيًا. إنها المحظوظة التي لا نستطيع مجاراتها، لكننا نرغب في سماع قصتها، وكيف وصلت مبكرًا إلى ما وصلت إليه. أما أنت فعليك أن تخبئ قصصك المرهقة والمتعبة خلف الستار وتنطلق بسيارة "كيا" إلى ضاحية المدينة لتأكل مع أولادك وزوجتك شطائر البرغر. وفي الأثناء عليك أن تستمتع بقصص الناس الذين يمتلكون "فيراري" ويعيشون حيواتهم من دون قلق على غدهم.

ملاك "فيراري" هم من يعيشون الحاضر كأنهم يملكون مفاتيحه، وملاك "كيا" هم من يعيشون الحاضر بوصفه عتبة للغد

اقرأ/ي أيضًا: الإعلانات في لبنان.. صراع احترام الحريات ومراعاة الخصوصيات!

ملاك "فيراري" هم من يعيشون الحاضر كأنهم يملكون مفاتيحه، وملاك "كيا" هم من يعيشون الحاضر بوصفه عتبة للغد. وهي عتبة قد تتكسر تحت أقدامهم في أي لحظة. لهذا تفيد إعلانات "كيا" في حقيقتها أن الشركة ما زالت موجودة، وجميع الناس يملكون حظًا في أن يقتنوا واحدة منها ذات يوم. هي إعلانات موجهة لمن يمكن أن يتسنى لهم العيش في المستقبل، ويجهدون ملء حواضرهم لضمان أن يكون مستقبلهم مثل حاضر مالك الـ"فيراري".  

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإعلانات مرة أخرى

الحسين في دور فتى الإعلانات!