11-مايو-2017

إعلان ملابس داخلية سبق أن أثار جدلًا في لبنان سنة 2004(جوزيف براق/أ.ف.ب)

يسأل لبنانيون عن مدى احترام حرياتهم، ويسأل لبنانيون آخرون عن مدى مراعاة خصوصياتهم. يتمسّك البعض بتاريخ بلادهم بالانفتاح، ويتمسك البعض الآخر بحقه بالاختلاف وبوجوب أن تنتهي حقوق الآخرين عند حدود حقوقه.

تختلف طرق التفاعل مع الإعلانات في لبنان من حي إلى آخر حسب اعتبارات ثقافية، اجتماعية ودينية

الإعلانات المروّجة للمنتجات تلعب مؤخراً في لبنان لعبة رمي العملة المعروفة محلياً بـ "طرّة/ نقشة"، فإما أن تصيب أو أن تخيب بعملية المراعاة لا سيما وسط ظاهرة تحوّل المجتمع اللبناني إلى مجتمعات "فعل ورد فعل"، كل منها وفق قيم و"أخلاقيات" مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلانات في مصر.. واقع السوق وألاعيبه

فإذا كانت شركات الإعلانات توزّع نفس الإعلان في مختلف المناطق اللبنانية، فإن طريقة التفاعل معه تختلف بين منطقة وأخرى. فهو وإن كان يوصل الفكرة المتوخاة منه طيلة الفترة المخصصة له هنا، فإنه لا يلبث طويلاً هناك عبر طلب إزالته فوراً من قبل هذه الجهة أو تلك الهيئة.

مؤخراً، أثارت إزالة الإعلان الملصق على إحدى اللوحات في بيروت سيلاً من المواقف المؤيّدة والمعارضة. ما أُريد الترويج له عند مدخل شارع مار الياس (منطقة ذات غالبية مسلمة) وهو أحد أبرز وأكبر شوارع العاصمة التجارية لم يكن في مشهديته غريباً على اللبنانيين. فإعلانات الملابس الداخلية النسائية ليست بالجديدة، ومستوى العري الذي تظهره هذه الإعلانات لم يتغير منذ عقود. غير أن ما قيل بعيد إزالة الإعلان قبل مضي أربع وعشرين ساعة على لصقه وحمل عنوان رفض "الاختلال الإجتماعي"، أعاد الأمر إلى استهجان سكان الحي لصورة الإعلان ورفضهم لتواجده في الحي مقابل مسجد وتجمّع للمدارس.

وقد تردد أن الإعلان أزيل بأمر من محافظ العاصمة، الذي نفى لاحقاً أن يكون قد أصدر أي قرار في هذا الخصوص، مرجحاً أن تكون شركة الإعلانات هي التي أزالته بعد تلقيها اتصالات كالتي وردته تحتج على هذه اللوحة، ومعتبراً أن "من الطبيعي أن تزيل الشركة الإعلان إن كان من تتوجه إليهم يرفضونه".

أثارت إزالة إعلان لملابس داخلية عند مدخل شارع مار الياس جدلًا بين مدافع ومستنكر خوفًا على مستقبل الحريات في لبنان

الاستياء الذي أثاره مسح الإعلان عبّر عنه "غاضبون" على مواقع التواصل الاجتماعي دعوا إلى وقف ما اعتبروه "الثقافة الإرهابية" في لبنان، بعد أن كانوا غضبوا من واقعة مشابهة قبل أيام في عاصمة الشمال طرابلس، حين أُزيل إعلان لشركة كوكاكولا يظهر فيه رجل وامرأة وبينهما زجاجة من مشروب العلامة التجارية، بطلب من هيئة العلماء المسلمين وتحرّك من بلدية المدينة.

اقرأ/ي أيضًا: "انتي عانس" وغيرها.. إعلانات تهين المرأة المصرية؟

هذا التجاوب السريع من البلدية والذي أثنت عليه الهيئة التي اعتبرت أن هذا التصرف "واجب أخلاقي لحماية أجيال المدينة من هذه الظواهر المخلة والخادشة للحياء"، كان أثار موجة احتجاج افتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، فأوضحت البلدية على لسان أحد أعضائها أن الإعلان أزيل من اللوحات المواجهة لمسجد التقوى، لكنها لم تُزل من الشوارع الطرابلسية. مع العلم أن البلدية السابقة كانت أزالت في العام 2014 إعلانات انتشرت في شوارع المدينة وتروّج للمنتجات الروحية بسبب "مخالفتها شروط النشر" بما يعني أنها تدخل ضمن الإعلانات المخلّة بالآداب العامة التي تتعارض مع أعراف المدينة وثقافتها.

واقعتا بيروت وطرابلس الاعتراضيتان على إعلانين تحت حجج الأخلاق والعادات، شجعتا عددًا كبيرًا من المتابعين على طرح علامات استفهام حول مستقبل الحريات و"التفتيت" الثقافي في لبنان، والذي يجعل من إعلان واحد مقبولاً في حي ومرفوضاً في آخر داخل المدينة نفسها، لا سيما وأن ممارسات من قبيل منع بيع المشروبات الروحية وإقامة الاحتفالات الفنية كان بدأ "حزب الله" باتباعها في المناطق التي يحكم سيطرته عليها. وفي حين تجد هذه الممارسات من يبررها من أبناء هذه البيئة بعد إعادة أدلجته وفق منطق "الأقوى"، فإن كثراً يعارضون ويعترضون بالمُتاح والممكن.     

 اقرأ/ي أيضًا:

الإعلانات مرة أخرى

الحسين في دور فتى الإعلانات!