12-أغسطس-2017

أحد الإعلانات في شوارع نيويورك (كريس هوندروس/ Getty)

"أيها المشتري كن حريصًا، لا تدعهم يضعون ستارًا أمام عينيك وأذنيك وفمك وأنفك وحواسك كلها"، بهذه العبارة يحذر الناقد الأمريكي "ويلسون براين كي" في كتابه "خفايا الاستغلال الجنسي في وسائل الإعلام".

"خفايا الاستغلال الجنسي في وسائل الإعلام"، هو كتاب يوضح كيفية تسخير الأفكار والسلوك، بهدف السيطرة والتلاعب بسلوكنا الشرائي

يعتبر براين كي أن وسائل الإعلام تعلم كل شيء عنا، مخاوفنا، تخيلاتنا، عادتنا المتأصلة والعميقة، هي تعلم جيدًا كيف تستغل مشاعرنا وسلوكنا الشرائي، عبر استخدامها لرموز تتماشى مع شخصيتنا النفسية المعقدة. الكتاب إذًا عبارة عن بحث شامل ومتكامل، فهو يوضح كيفية تسخير الأفكار وسلوك البشر بشكل سري من قبل الإعلام، بهدف السيطرة والتلاعب بسلوكنا الشرائي.

"الترا صوت" يقدم لمحة عن طريقة استغلالنا من طرف وسائل الإعلام عبر الإعلانات، وماهي تحذيرات "ويلسون براين كي" في كتابه الذي يصفه  بـ"غير العادي" لفهم وتفادي ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلانات في لبنان.. صراع احترام الحريات ومراعاة الخصوصيات!

غلاف الكتاب

تركيز على المرأة واستغلال مخيف

يقول الكاتب إن "وسائل الإعلام استغلت المرأة بشكل عنيف"، من خلال بثها لإعلانات تجارية رسخت فكرة الجسم والقوام المثالي للمرأة، ويذكر كمثال صناعة حمالات الصدر، والتي تجني مليارات الدولارات سنويًا ضمن الاقتصاد الأمريكي.

لم تتردد وسائل الإعلام على ترسيخ فكرة الشكل المثالي لصدر المرأة، حيث أكدت الفنتازيا الإعلامية، سواء عبر المجلات أو الصحف أو التلفزة، أن قياس الصدر المثالي للمرأة يقدر بـ 38.

ويفسر الكاتب: "طبعًا عندما نتحدث عن المرأة نقصد الأمهات أيضًا، اللواتي رفضن فكرة إرضاع أطفالهن، لسبب واحد يكمن في خوفهن من تغير شكل صدرهن، مما سيقلل جاذبيتهن، وفقًا لما روجته وسائل الإعلام من خلال إعلانات حمالات الصدر. وهذا متعلق نوعًا ما بتأليه عبودية الثدي المثالي".   

كما أن هذه المثالية التي روجتها وسائل الإعلام جعلت النساء في موضع دفاعي وفي بحث دائم عن المقاس المثالي، وبالتالي لا بد أن يتحولن إلى مستهلكات متحمسات وغيورات لتقنيات تزيين الصدور، مثل الصدريات المحشوة أو الإبر الرغوية، وحتى الجراحات البلاستيكية.

اقرأ/ي أيضًا: "انتي عانس" وغيرها.. إعلانات تهين المرأة المصرية؟

استغلت وسائل الإعلام المرأة بشكل عنيف ورسخت عبر إعلاناتها صورة نمطية لها

الإشباع الفموي

وسائل الإعلام تستولي بشكل مسبق على منطقة اللاشعور لدى المشاهدين، وذلك من خلال إعلاناتها التي تضرب الوتر الحساس فينا. ففي تحريضها مثلًا على استهلاك الطعام والمشروبات، هذه الأخيرة تعلم أن هذه الأشياء تبث فينا نوعًا من الطمأنينة فهي تعلم جيدًا أن البعض منا صاحب شخصية "شفوية" أو "فموية" وفقًا لعلم النفس. وأصحاب هذه الشخصية يخافون من الهجر ويعانون من عدم الاطمئنان، ما لم يكن هناك أحد يطعمهم ويعتني بهم، وبعض نماذج الشخصيات الشفوية تكون عدوانية.

وعمومًا عندما نذكر الشفاه، يتبادر إلى أذهاننا عادة المص عند الطفل المعتاد على رضاعة الثدي، ثم مع العمر ستتحول إلى بحث عن الإشباع الفموي من خلال أثداء رمزية، مثل السجائر والكحول والأطعمة والعقاقير، وهنا تجارة رابحة بالطبع، ولا ننسى أن الأمهات يتوجهن نحو عدم إرضاع أطفالهن خوفًا من خسارة شكل صدرهن المثالي، لهذا الطفل سيبحث دائمًا عن الإشباع الفموي، خصوصًا عندما ينضج، حسب كتاب "الاستغلال الجنسي في وسائل الإعلام".

إن لم تصدق، ليس عليك إلا أن تجلس أمام تلفاز في أحد الأمسيات، وتراقب كم هو عدد الإعلانات التجارية في الساعة التي تتعلق بشيء فموي، أو بوضع أشياء في الأفواه، مثل السجائر، أو شرب شراب معين وغيرها.

إعلان سجائر

النظافة.. الهوس؟

لقد حاولت وسائل الإعلام على مر سنوات تلقيننا درس النظافة، من خلال مفاهيم معينة روجتها عبر بثها إعلانات تروج لمنتجات خاصة بالنظافة على مدار اليوم. الهدف منها هو برمجتنا لنكون نظيفين، أو الدفع بنا إلى التفكير بالنظافة بشكل مهووس. ففي الواقع "القذارة" أمر مربح للشركات التجارية ووسائل الإعلام. فغير النظيف عندهم هو النفس السيء في الفم والسمنة وقشرة الرأس والشعر الدهني والأمراض الجلدية، وكلها تتغير بما تقدمه إعلاناتهم.

وقد ذكر الكاتب كون شركات تجارية كبرى تقوم سنويًا بضخ ما يقارب 10 مليارات دولار في إعلانات الصابون والمنظفات التي تحتوي مئات الأنواع المختلفة، والتي تعد بإزالة الروائح الكريهة، ونشر الصحة والقضاء على البكتريا والتبييض والتلميع والتنصيع والتعقيم.

هذا القصف الإعلامي كما يصفه الكاتب والمدعوم من قبل تقنية اللاوعي على مدى العديد من الأعمار منذ الطفولة، تسبب بخوف غير معقول من الجراثيم، وهذا الخوف يسمى "ميسوفوبيا"، ويؤدي إلى عدة اضطربات عصبية وظيفية أيضًا. ولا يتردد الكاتب في ضرب أمثلة عديدة حول الموضوع، فعلى سبيل المثال صناعة محارم التواليت، التي تباع على أسس تعتمد على كيفية ضغط تلك المحارم الناعمة، وليس على كيفية تنظيفها ومسحها للوسخ. "كما أن الإعلانات التي تروج للمنتجات التنظيفية، يتم عرضها إعلانيًا بطريقة ميالة ومحرضة على الإثارة الجنسية الشرجية للمستهلك الأمريكي"، حسب ذات الكتاب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإعلانات مرة أخرى

الحسين في دور فتى الإعلانات!