04-فبراير-2017

لقطة من فيلم الأسطى حسن

قام الفنان فريد شوقي بالتمثيل في ما يقارب الثلاثين فيلمًا قبل أن يقوم ببطولة "الأسطى حسن" (1952)، ولكن أدواره فيها لم تلفت الأنظار ذلك لأنها لم تخرج عن نمط الشرير التقليدي مُسطّح الأبعاد الذي يقوم بدور غريم البطل أو مبتز البطلة الطيبة في ذلك الوقت. ولكن فريد شوقي لم يكن يدع الأمر يسير في الثلاثين فيلمًا من دون أن يضع لمسة تخصّه وتميّزه عن غيره من معتمدي أدوار "شرير الفيلم"، فقد حاول أن تكون له شخصية مميزة انتقل بها من فيلم لآخر، مثل أن يرفع حاجبه الأيمن أو يعقد ما بين الحاجبين أو أن يلقي نظرات إجرامية مباشرة في وجه الكاميرا.

وقد كان من المحتمل بالنسبة لشوقي إذا لم يغيّر جلده في الوقت المناسب وينتبه لقدراته الفنية أن يظل أسير تلك الشخصيات الضئيلة التي تبدو أقل كثيرًا من طموحاته وقدراته الفنية. لذلك كان "الأسطى حسن" الانطلاقة الحقيقية الأولى في خطوات النجاح التي رسّخت لأسطورة "ملك الترسو"، التي ارتبطت في ما بعد بفريد شوقي كبطل تحبه الفئات الشعبية.

فريد شوقي مثيل قرابة الثلاثين فيلمًا قبل "الأسطى حسن"، لكن أدواره فيها لم تلفت الأنظار كونها لم تخرج عن نمط الشرير التقليدي

وليس من العجيب أن قصة الفيلم من تأليف فريد شوقي نفسه بينما كان الإخراج لصلاح أبو سيف، وكان دوره في الفيلم عاملًا فنيًا في إحدى الورش يأكل عيشه القليل بالعرق الحلال، وكان ربًّا لأسرة مكونة من زوجة (هدى سلطان) وطفل، تسكن شقة متواضعة في أحد أحياء القاهرة الشعبية، يفصله عن حي الأثرياء كوبري لا يستغرق عبوره أكثر من دقائق، ولكن ثمة استحالة طبقية لانتقال العامل للعيش في حي الأثرياء والسادة، شأنه في هذا شأن جمهور "سينما الترسو" العريض في السنوات السابقة واللاحقة لثورة يوليو.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أسد".. رحلة التيه في وقائع الخيال

وقد بدأت المشاهد الأولى من الفيلم بإشاهدنا على تذمّر البطل من وضعه الاقتصادي فهو يعمل لساعات طويلة مقابل أجر قليل، ووسط تذمره تأتيه فرصة للانسلاخ من طبقته الاجتماعية حين يذهب لينهي عملًا في إحدى الفيلّات بالزمالك، ليرى عالمًا آخر كان يحلم به ويتمناه ويقرر أن يترك نفسه للتيار الجديد.

هناك، يتعرّف حسن على سيدة ثرية لعوبة (زوزو ماضي) وينغمس معها في لذة الجنس ومجالسة أفراد الطبقة المخملية وينسى بيته وزوجته وابنه وأهل حارته، حتى إنه لا يستجيب لهم حين يأتون إليه طلبًا لعودته إليهم والعيش بينهم، مفضلًا أن يعيش عبدًا للسيدة الثرية متعددة العلاقات ويبتلع المهانة مرة تلو الأخرى، إلى أن يجد نفسه متهمًا في قضية قتل هذه السيدة، وفي النهاية يعود إلى حارته مؤكدًا فشله في الاختيار وفي تجريب العيش بقناع آخر في عالم جديد.

 من المواقف الطريفة المرتبطة بالفيلم، أنه كان يُعرض في صالة السينما المقابلة للصالة التي يعرض بها "الأسطى حسن" فيلم من إنتاج أنور وجدي، وكان الأخير يسعى من قبل لعمل ما يشبه الاحتكار لفريد شوقي وحصر تمثيله للأدوار السينمائية في أفلام من إنتاجه هو فقط.

كان ذلك في حزيران/يونيو 1952، ومع مرور أيام قليلة من بدء عرض الفيلمين وضح لوجدي تفوق فيلم فريد شوقي من حيث جذبه للمشاهدين وتيقّن من تسببه في خسارة كبيرة لفيلمه، الأمر الذي دفعه لتقديم بلاغ إلى "البوليس السياسي"، يتّهم فيها شوقي بأنه يروّج في "الأسطى حسن" للشيوعية ويحرّض الشعب على التمرّد! وعلى الفور أمر "البوليس السياسي" بوقف عرض "الأسطى حسن"، ليجد فريد شوقي نفسه متهمًا في قضية سياسية قد تذهب به للسجن من ناحية، ومهددًا بخسارة أمواله في أولى تجاربه الإنتاجية من ناحية أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: 7 أفلام منعت لأسبابٍ شديدة الغرابة

غير أن قيام "الضباط الأحرار" بالإطاحة بالملك فاروق في الشهر التالي أعاد "الأسطى حسن" إلى الصالات مجددًا، وأصبح الفيلم بطريقة ما غامضة هو "نبوءة الثورة".

كان "الأسطى حسن" مختلفًا عن مجموعة الأفلام التي قُدّمت في نفس العام، وليس الاختلاف فقط من أسباب نجاح الفيلم ولكن توجّه الفيلم إلى جمهور السينما العريض الذي لا يجد صورته على الشاشة، فقد كانت حاضرة دائمًا صورة البطل الأرستقراطي الذي يعاني غالبًا من قصة غرام دامية أو يبدو مهددًا لضياع ثروته وغيرها من المشاكل "البرجوازية"، لذلك كان تقديم شخصية عامل يعمل في ورشة ويعاني شأنه في ذلك شأن فئات كثيرة من الجمهور يُعدّ من أوائل أسباب نجاح الفيلم.

قيام "الضباط الأحرار" بثورتهم في الشهر التالي لعرض فيلم "الأسطى حسن" جعل الفيلم بطريقة ما غامضة هو "نبوءة الثورة"

وقد رفض أكثر من مُنتج تمويل الفيلم بسبب تغيير فريد شوقي لجلده وخروجه عن النمط المعتاد، فهو بمقاييس المنتج ليس بالفتى الوسيم الذي يصلح لدور البطولة، لذلك تخوَّف المنتجون حفاظًا على أموالهم ولم يتحمسوا لإنتاج الفيلم.

ولكنه صلاح أبو سيف الذي وجد في خشونة وبساطة فريد وضخامة جسده إمكانيةً لتقديم بطل شعبي يُعبّر بشكل ما عن "جمهور الدرجة الثالثة"، ووجد في قصة "الأسطى حسن" ما يُرضي ميوله في تقديم الواقع من وجهة نظر نقدية، لذلك اشترك مع فريد شوقي في إنتاج الفيلم.

وقد حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا وأبرز قدرات شوقي بأدائه الصادق وانفعالاته التي تتجّلى في نظرة عينيه، ليمهّد له الطريق لاستكمال ذلك الخط السينمائي في أفلام تالية مثل "فتوات الحسينية" و"رصيف نمرة خمسة" و"جعلوني مجرمًا" و"الفتوة" و"الأخ الأكبر" و"بداية ونهاية"، وفي هذه الأفلام المُنتجة في فترة الخمسينيات صعد نجم فريد شوقي وتحدّدت ملامحه الفنية، صانعة منه بطلًا شعبيًا وأحد نجوم شباك التذاكر القلائل الذين سيصمدون طويلًا، وبالتأكيد منحته لقب "ملك الترسو" بلا منازع.

اقرأ/ي أيضًا:
20 فيلمًا ينتظرهم عشاق السينما في 2017
فيلم "حافية على جسر الذهب": رومانسية العين والأذن