31-يناير-2017

لقطة من الفيلم

لا يفهم فيلم "حافية على جسر الذهب" من عنوانه، ولا سياقه الذي يعود أدراجه بالذاكرة منطلقًا من حدث مفصلي، يرسم النهاية التراجيدية للمأساة المشتركة والموزعة على كل شخصيات الفيلم، يوحي مباشرةً بما سيتضمنه. لعلّ رومانسية العنوان تقرأ في العام 2017 عند مشاهدة العمل بعد مضي 51 عامًا على عرضه، ترسم اليوم ملامح الزمن الذي تم إنتاجه فيه ضمن باقة من أجمل الأفلام التي تشبه في ألوانها على الشاشة الصغيرة الرسومات المتخيلة لقصص سندريلا وصديقاتها. وهي في هذا الجو تستثير المخيلة لتجد التفسير الملائم له، وفق ما تعيد الحواس تشكيله، في مشهدية السير على جسر من الذهب بلا خفين. تحت ضوء القمر ربما، أو في بلاد عجيبة حيث عالم الرفاهية، أو الحب في كنف المال والثراء.

لا يفهم فيلم "حافية على جسر الذهب" من عنوانه، ولا سياقه الذي يعود أدراجه بالذاكرة منطلقًا من حدث مفصلي يرسم النهاية التراجيدية

يوجز الفيلم في قرابة الساعتين قصة كاميليا التي تؤدي دورها الفنانة ميرفت أمين، إحدى أبرز وجوه البطولات الثنائية في سبعينيات القرن الماضي. يلاقيها في المشاعر التي تتطور من اللامبالاة إلى الوله، وسيم السينما حسين فهمي، المخرج الذي يمنح كاميليا عاشقة التمثيل فرصة الدخول إلى عالم الضوضاء والأضواء. الشرّ الذي ينطلق معه الفيلم في مشهد الاعتداء ضربًا على أحمد سامح (حسين فهمي) من قبل بلطجية، يتقن فنونه عزيز (عادل أدهم) بكل سطوته وملامحه التي توحي بالعنجهية والبطش، فيسعى على امتداد الفيلم إلى "الحصول" على كاميليا الشابة الجميلة ساعيًا بالحسنى أولًا، ثم بالشدة إلى الوصول إليها وسط تمنعها. فيقصي بما له من سطوة وسلطة كل من يقترب منها، بما فيهم سامح الذي ينتهي الفيلم بسفره لتلقي العلاج من إصابة الاعتداء في الخارج بطلب من كاميليا إلى عزيز، مقابل خضوعها لشهوته ما إن تقلع طائرة المخرج الوسيم.

اقرأ/ي أيضًا: لالا لاند بين التأثر بالكلاسيكيات والروح الخاصة

الحب الذي كان دافع كاميليا إلى التضحية، عبر الابتعاد عن أحمد والنكث في عهدها الزواج منه في يوم زفافهما، مخافة تهديد عزيز بقتله، ويدفعها أمام رفضها لنزوات الرجل الشرير ووفاءً لحبها الكبير لأحمد، إلى الاقتصاص ممن قلب حياتها جحيمًا وقلب في السياق رأي محبوبها منها، بعد شكه بأنها تقبل الهدايا من عزيز، يوصلها في النهاية إلى إطلاق النار على الأخير في غرفة نوم كان انتقاها لإشباع لذته، ثم تسقط هي أرضًا إلى جانب سرير الرغبة التي لم ترغب بها مطلقًا بطلقة نارية في صدرها تنهي المأساة بمأساة أكبر.

ما خاطه السيناريست إبراهيم الورداني من حوار، متخذًا من نسيج نص المؤلف عبد الحي أديب، خلص بتطريز من المخرج عاطف سالم، إلى فيلم هو انعكاس للأفكار المسبقة والمتناقلة عبر الأجيال عن مجال التمثيل، بما تشوبه من انحرافات فيها أشباه عزيز وأجواء المنافسة "غير الشريفة"، وحفلات الفنانين ورجال الأعمال الحافلة بالسكر والرقص. وقد جاء المزج في الكتابة بين تجسيد حياة الممثلة كاميليا "ليليان فيكتور كوهين"، ورواية ألكسندر دوماس جونيور "غادة الكاميليا"، ليقدم في ذلك الحين فيلمًا يخسر فيه كل من الحب والشر في معادلة تكتب نتيجتها التضحية باعتبارها واجبًا لا خيارًا.

في عيون من يشاهدون "حافية على جسر الذهب"، بعد ما يزيد عن نصف قرن من عرضه، تبدو الحبكة التي تطوق الفيلم بأحداثه المتقهقرة مبالغًا فيها، حتى الخاتمة وإن بدت قريبة من الواقع. ليس في ما تقدم تعدٍ على رغبة كل من الكاتب والمخرج في اختيار نهاية تراجيدية، إلا أن للمشاهد أيضًا كامل الحرية في الحكم على ما سيتابعه ويتفاعل معه.

تبدو حبكة فيلم "حافية على جسر الذهب" بعد ما يزيد عن نصف قرن من عرضه، مبالغًا فيها

بالصوت والصورة الفيلم أشبه بروايات عبير، التي قرأتها شابات السبعينيات والثمانينيات الحالمات. فهو يركز على الكادرات وتبدل الأزياء وتحول "لوك" كاميليا من فتاة يافعة إلى امرأة ناضجة أكثر من اهتمامه بمنطق الأحداث. حتى أنه يركز على العرض ولا يقدم معالجة. بمعنى آخر هو يحاكي العين ويدغدغ الأذن، دون أن يتناول موضوعًا ما لتفنيده. مع ذلك هل تلغي الرومانسية مساحة العقل؟ قد لا يكون من الصائب إهمال متعة المشاهدة، لتحسس حصة المنطق. تذوق السكر، تنشغل معه كل الحواس وينال حصته العقل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما الذي تكذب هوليوود علينا بشأنه؟

فيلم "الأبرياء".. صناديق الأديرة البولندية السوداء