02-فبراير-2017

لقطة من الفيلم

يقف طفلان على سطح قطارٍ مسرعٍ يجمعان الفحم، ياله من أمرٍ رهيب! فيدخل بهما ذلك القطار في نفقٍ مظلم، ستشعر بعدها بأن العالم يتغير أو أن شيئًا ما سينقلب أمام كل هذه الظلمة. برهان على القوة الزائفة التي ستحمل على بطلها هم التغيير والوجود في مكانٍ كبيرٍ عليه.

الطفل سارو الذي لا يعرف أن ينطق اسمه بشكل صحيح، ولا يعرف من أين أتى، ستصادفه رحلة توهان لن يتعرف فيها على نفسه حتى يكبر. تبدأ من شوارع إحدى المدن المكتظة في الهند خلال رحلته اليومية مع أخيه الأكبر، يجمعان الفحم ويبيعانه ويعودان للأم والأخت الصغرى بالحليب.

ربما تحمل سينما بوليوود الكثير من اللامنطقية ولكن يبدو أن الحياة في الهند تقوم على هذا الحدّ من الوقائع الخيالية

وبين الفحم والحليب والحلوى التي يشتهي تذوقها، لا خيارات كثيرة أمام الطفل إلاّ أن يكون قويًا، هذه القوة التي دفعته للذهاب مع أخيه إلى عمله المسائي. ينام على كرسي خشبي في محطة القطار لينتهي به المطاف باحثًا وهائمًا بنفس الوقت. يبحث سارو عن أخيه بعد أن استيقظ ولم يجده، فتحمله خطواته الصغيرة إلى قطارٍ فارغٍ إلاّ منه يقوده إلى البنغال البعيدة آلاف الأميال عن البيت. أريد الذهاب إلى المنزل، هذا كل ما يجول بخاطر الطفل الصغير، ولكن لا أُذن تسمع كلام أطفال الشوارع ولا يدٌ تُمد للمساعدة. فيضيع مع لغة غريبة ولغة أصلية يصعب نطقها وتهجئتها.

اقرأ/ي أيضًا: 7 من أفلام شباط/فبراير.. ستفضل مشاهدتها في السينما

يجوع سارو ويبرد ويهيم حتى يُسلم لملجأ للأطفال الضائعين، يحالفه الحظ بأن تتبناه عائلة استرالية. إلى هنا لم يعدّ لقصة سارو تفاصيل فكل ما يجري يدور في فلك أم وأب عطوفين.

لم لا يحظى كل أطفال الشوارع في الهند وغيرها على حظوظ مشابهة، فنجد في الفيلم دعوة لمساعدة الأطفال التائهين وإنقاذهم من العمالة، وللمفارقة فإن الممثل ديف باتل الذي مثل في فيلم "المليونير المتشرد" 2008 عاد ليختم رحلة التعرف على إحدى جوانب الهند بفيلمه الجديد، ولكن كأسد خبر التشرد والضياع، أو "شيرو" اسمه الذي لم يجِد نطق حروفه عندما كان صغيرًا.

ربما تحمل سينما بوليوود الكثير من الخيالات اللامنطقية، والتي تحمل أبطالها خارج واقعهم، ولكن يبدو أن الحياة في الهند تقوم على هذا الحدّ من الوقائع الخيالية، وتقوم الأفلام القادمة من هناك على جزءٍ كبيرٍ منها أيضًا.

في نهاية قصة سارو يعود إلى الهند ويلتقي بأمه، كما انتهت قصة سارو الحقيقي، حكاية العودة إلى البيت تلك تنتهي عند حدّ التعرف من جديد والكثير من الشوق. ماجعل منه فيلمًا بنهاية سعيدة، بعيدة عن خفة النهايات البوليوودية، ولكنها قريبة من الهند الحقيقية. تلك التي يحتاج أطفالها -ممن يضطرون للعمل في عمرٍ صغير- أن يتعرفوا على معنى آخر للطريق والرحلة، حتى لو حملت لهم أستراليا أو أيّة بلاد بعيدة أخرى أمانًا وراحة أكثر من الهند، هو عالمٌ يضيقُ بهم رغم اتساع المسافات.

عندما قرر سارو العودة جربها افتراضيًا قبل أن يذهب إلى هناك، فهو لايعرف إلى أين سيعود بالضبط، فتلك المدينة التي يعتقد بأنه منها ليست موجودة في الهند أبدًا، كما لم يساعده النطق على تهجئة حروف اسمها.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يحتاج العالم إلى "لالا لاند"؟

يبحث سارو في محرك البحث غوغل عنها، متصورًا بخياله شوارع المدينة الفقيرة بأحيائها الطينية، في مشهد يشبه مشاهد كثيرة للمخرج الإيطالي جوزيبي تورناتوري الذي يبدع في رسم الطريق والبيت والرحلة، تبدو التفاصيل لسارو من صور غوغل أقرب منها إلى الحقيقة. لايستطيع تمييز خط القطار الذي اتجه به بعيدًا، ولكنه يستعيد صوته تمامًا، تلك القطارات القديمة السريعة هي ما تربط الهند ببعضها، بلاد شاسعة يتحرك فيها الأطفال إما راكضين وراء لقمة العيش، أو هاربين ممن يريدون استغلالهم.

تلك القطارات القديمة السريعة هي ما تربط الهند، بلاد شاسعة يتحرك فيها الأطفال إما راكضين وراء لقمة العيش أو هاربين ممن يستغلوهم

واحد من التفاصيل المؤثرة في الفيلم هو بوستره، فغالبًا ماتحمل بوسترات الأفلام حكايتها، فيبدو من خلاله سارو وحبيبته التي لعبت دورها الممثلة روني مارا، تفصل بينهما سكة قطار يبدو منها سارو الصغير وأخوه يمشيان عليها، لن تكتمل تفاصيل حياته إلاّ بالخط الحديدي الذي فصل بين حيواته، ليلعب القطار كمتيف عاطفي ومادي حامل لخط التغيير الذي سار عليه الطفل.

حاز الفيلم على الكثير من الترشيحات لأوسكار هذا العام منها كأفضل فيلم للمخرج غارث ديفيز، وأفضل ممثل مساعد لديف باتل، وممثلة مساعدة لنيكول كيدمان التي قامت بدور الأم العطوف التي تبنت سارو طفلًا وساعدته في رحلة التعرف تلك، وانتهاءً بأفضل موسيقى تصويرية للمؤلف الموسيقى داستن أولوران، وأفضل نص مقتبس لصاحب القصة الحقيقية سارو بريرلي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "The Sunset limited": الثقافة كمسألة وجودية

مانشستر على البحر: لحظات الصمت