لا تكاد مصر تخرج من أزمة حتى تدخل في أخرى والاقتصاد المصري المريض يجعل البلد عرضة دائمًا لانفجار أزمات لم تكن لتخطر بالبال منذ سنوات قليلة. ولم يكن المواطن، الذي يعمل "صبي قهوجي" في إحدى مقاهي "مصر الجديدة"، يعرف أن "10 كيلو سكر" ستكلّفه دفع ألف جنيه للخروج من قسم الشرطة.
لا تكاد مصر تخرج من أزمة حتى تدخل في أخرى والاقتصاد المصري المريض يجعل البلد عرضة دائمًا لانفجار أزمات لم تكن لتخطر بالبال
فنيابة مصر الجديدة، كانت قد قررت إخلاء سبيله مقابل "كفالة" تعادل مائة دولار، بعدما تم القبض عليه و"ضبطه متلبسًا" بحمل "10 كيلو سكر" بغرض احتكار السلعة والتربّح منها، وفق بيان "الداخلية".
اقرأ/ي أيضًا: لأول مرة.. مصر وروسيا تقيمان مناورات عسكرية مشتركة
وقالت "الداخلية" في بيانٍ، تم وصفه بالكوميدي، وتمّ توزيعه على صحف القاهرة، إنه خلال مرور قوة أمنية لاحظت أحد الأشخاص يحمل كمية من السكر متوجِّهًا بها إلى أحد المحلات بعد عبوره الطريق، وأضافت أن بمجرد تحرّك القوة تجاهه أسرع بدخول المحل، وعند اقترابها عثرت على 10 كيلو من السكر، وكانت "دون فواتير". فيما بعد، وبعدما تبيّن الأمن أن "صبي القهوجي" لا يملك بقالة، أو محلًا لبيع السكر، أفرج عنه بكفالة.
هذه حلقة من مسلسل "أزمة السكر" في مصر، التي بدأت بسحب أكياس السكر من الأسواق على أيدي تجار جملة، أدَّت إلى القبض على أكثر من محتكر للسلعة، وجاء ذلك بعد أن اشتكت أسواق التجزئة ومنافذ التموين من أزمة، وهو ما دفع سعره إلى عشرة جنيهات، أي نصف دولار أمريكي.
وفيما تناول البعض أزمة السكر بأسلوب ساخر، تعامل آخرون مع الأمر بجدية، متهمين الحكومة بالتورّط في "شح" السكر من الأسواق، والتباطؤ في الحل، والتواطؤ مع المحتكرين، وقال الدكتور سرحان سليمان، خبير الاقتصاد الزراعي، في تصريحات صحفية، إن العجز في عملية استهلاك السكر يصل إلى 900 ألف طن، والرقم لا يتسبب بأي حال في رفع الأسعار إلى الضعف، وبالتالي فالسبب يرجع بشكل أساسي لعدم رقابة الحكومة على الأسواق.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تحاول مصر احتواء الغضب السعودي تجاهها؟
وأضاف "سليمان": "شركات الإنتاج لديها مخزون احتياطي من السكر يقدّر بـ400 ألف طن، لو تم النزول به إلى الأسواق سيحقق التوازن المطلوب، وينزل بالسعر إلى 5 جنيهات، إلا أنّ فتح باب الاستيراد أمام التجار ومنع الشركة القابضة من ضخ ما لديها من مخزون يمنح التجار فرصة لـ(تحزيم السوق)، والتحكم في الأسعار"، ورفعها أمام المستهلك.
في كل الأزمات التي تواجه الحكومة المصرية، تعجز السلطات عن التعامل الجاد مع أي أزمة، وتكتفي فقط بالحل الأمني الذي أثبت فشله
واعتبر تجَّار السكر رفع سعر السلعة "رد فعل" على تضاعف سعر الدولار خلال الفترة الماضية، ما يسهّل عملية تخزين "المنتج المصري"، وبيعه كـ"مستورد" بضعف السعر، باتفاق مسبق بينهم.
لكن قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية يمنع تكتل الشركات المنتجة والاتفاق على رفع سعرها بشكل موحَّد، مطالبًا الجهاز بالتدخل لعدم رفع أسعار السكر بالشكل الذي يؤدي إلى حالة من الارتباك، تضرّ بالمستهلك.
عجز الحكومة المصرية عن تطبيق القانون على "حيتان احتكار السكر"، السبب الأول والوحيد حتى الآن، خاصة أن بعضهم لجأ إلى سحبه من الأسواق وتوريده إلى شركات خاصة لتصديره بسعر ألف دولار للطن، ما خلق "عجزًا" في السوق المحلي. ويتراوح سعر السكر في المحافظات ما بين تسعة جنيهات بالقاهرة، حيث القبضة الأمنية قويّة، وعشرة جنيهات بالإسكندرية والبحيرة والجيزة، حيث تخفّ الرقابة.
وكانت وزارة الداخلية المصرية أعلنت عن خمسة آلاف جنيه مكافأة للإبلاغ عن محتكري السكر والأرز، المحتكرين الصغار، الذين يخزّنون ما يكفي لمحالهم، ومقاهيهم، بغرض ضبط الأسعار، ما دفع إلى تقديم بلاغات كيدية عدّة والقبض العشوائي على مواطنين في الشوارع.
في كل الأزمات التي تواجه الحكومة المصرية، تبدو السلطات عاجزة عن التعامل الجاد مع أي أزمة، فضلًا عن معالجتها، وتكتفي فقط بالحل الأمني الذي أثبت فشله مرارًا وتكرارًا، أو بحل آخر، هو الحل الإعلامي، حيث يقوم الإعلام الذي تسيطر عليه تمامًا بمحاولة إقناع الناس بعدم وجود أي أزمات من الأصل، وكأن إنكار السلطة للأزمات سيجعلها تختفي من تلقاء نفسها فعلًا.
اقرأ/ي أيضًا: