11-أكتوبر-2016

تنتظر السعودية انحياز مصر إلى قراراتها والخلافات الأخيرة توحي بتوتر العلاقة بينهما(الأناضول)

يوم السبت الماضي، رفض مجلس الأمن مشروعي قرارين، أحدهما فرنسي والآخر روسي، حول وقف إطلاق النار في حلب. المشروع الفرنسي كان يدعو إلى وقف إطلاق النار في حلب، وفرض حظر للطيران الحربي فوقها، داعيًا في الوقت نفسه إلى إعلان هدنة مؤقتة لوصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين بداخل أحياء حلب الشرقية، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.

تم رفض القرار الفرنسي بعد استخدام روسيا لحق النقض "الفيتو". أما المشروع الروسي، الذي عارضته الدول الأوروبية والخليجية بشدة، فكان يحث الأطراف على وقف "الأعمال العدائية" فورًا، مشددًا على التحقق من فصل قوات المعارضة "المعتدلة" عن جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، مع الترحيب بالمبادرة الأخيرة للمبعوث الدولي ستيفان دي مستورا، التي تدعو إلى خروج مقاتلي جبهة فتح الشام من أحياء حلب الشرقية، وتكليف الأمم المتحدة بوضع خطة تفصيلية لتنفيذها. فشل هذا المشروع أيضًا في الحصول على عدد الأصوات اللازمة لتمريره.

في أول انتقاد سعودي رسمي لمصر، قال عبد الله المعلمي: "من المؤسف أن يكون موقف ماليزيا والسنغال أقرب إلى الموقف العربي من موقف مصر"

الأمر يشبه حربًا باردة ولكنه يبدو مفهومًا في النهاية بالنظر إلى معطيات الوضع السوري وانحياز كل من فرنسا وروسيا لأطراف الصراع المختلفة، ولكن الغريب للغاية في الأمر أن الدولة الوحيدة التي وافقت على كلا المشروعين هي مصر.

كان موقفًا غير مفهوم على الإطلاق وحذا ببعض الأقلام المحسوبة على النظام المصري بوصفه "بالخطل والتخبط السياسي والدبلوماسي الذي لا يليق بدولة بحجم مصر ومكانتها في تلك المحافل الدولية". بدت مصر كمن يحاول أن يرضي الجميع. صوتت إلى جانب الصين وفنزويلا لصالح مشروع القرار الروسي، الأمر الذي أثار موجة انتقادات واسعة، وخصوصًا من جانب السعودية، التي لم يتأخر ردها كثيرًا فانتقد المندوب السعودي في مجلس الأمن عبد الله المعلمي مصر انتقادًا واضحًا قائلًا: "من المؤسف أن يكون موقف ماليزيا والسنغال أقرب إلى الموقف العربي من موقف مصر"، وتوقع المراقبون حدوث مشكلات في أفق العلاقات المصرية السعودية خلال الفترة المقبلة.

وجدير بالذكر أن الدبلوماسي السعودي ذاته كان قد نظّم مؤتمرًا دوليًا على هامش قمة الأمم المتحدة الأخيرة لبحث الأبعاد الإنسانية في الأزمة السورية، وكان لافتًا عدم دعوة مندوبي مصر إلى الاجتماع، رغم أن مصر هي الدولة المسؤولة عن الملف الإنساني للأزمة السورية في مجلس الأمن الدولي.

وتعد تصريحات المعلمي هي الحادثة الأولى التي تشهد نقدًا رسميًا سعوديًا للقاهرة بعد أن شاب مواقف الأخيرة تحولات وابتعاد عن الموقف التوافقي العربي بشأن القضايا المشتركة وخاصة الشأن السوري، بالتوازي مع تقارب مع جهات أخرى غير عربية تعتبر أبرز أسباب التوترات بالمنطقة، بحسب محللين سعوديين، وبدا من الواضح أن اختلاف وجهات النظر بين البلدين بشأن القضايا الإقليمية والتعامل مع ملف جماعة الإخوان لن يبقى طويلًا مطمورًا تحت الرماد.

السعودية وإن كانت داعمًا سخيًا للسلطة الحالية في مصر، سياسيًا واقتصاديًا، فهي تنتظر بالمقابل حضورًا قويًا وكثيفًا لمصر في الشأن اليمني وحربها المستمرة على الحوثيين، كما تنتظر من مصر حسم انحيازها تجاه الوضع الحالي في سوريا. لذلك لم يكن مستغربًا أن تلجأ المملكة إلى تغيير استراتيجيتها في كل من المسألتين السورية واليمنية إلى تركيا، كحليف سني قوي بعد أن خذلتها مصر عسكريًا ودبلوماسيًا.

السعودية وإن كانت داعمًا سخيًا للسلطة الحالية في مصر سياسيًا واقتصاديًا، فهي تنتظر بالمقابل انحيازًا مصريًا لخياراتها

اقرأ/ي أيضًا: مهند..الشاب الذي واجه السجن واللوكيميا

مؤتمر الشيشان

كل ذلك يمكن عطفه على ما حدث في آب/أغسطس الماضي حين أثار مؤتمر "أهل السنة والجماعة" المنعقد في الشيشان، بمشاركة وفد مصري كبير على رأسه شيخ الأزهر أحمد الطيب والمفتي السابق علي جمعة، موجة تصريحات ومواقف سعودية غاضبة من رجال الدين المصريين. وأصدر المؤتمر الذي عُقد برعاية الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، تعريفًا لـ "أهل السنة والجماعة" في البيان الختامي استبعد منه السلفيين وغيرهم من الجماعات المتشددة من مظلة أهل السنة والجماعة، وهو ما جاء صريحًا في كلمة شيخ الأزهر: "الوهابية ليست من أهل السنة والجماعة"، وحصر التعريف على "الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علمًا وأخلاقًا وتزكيةً". الأمر الذي أثار حفيظة رجال الدين والسياسيين السعوديين، حتى أن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء السعودية أصدرت بيانًا قالت فيه إن توصيات مؤتمر الشيشان هي من "الدعوات التي تهدف إلى إثارة النعرات وإذكاء العصبية بين الفرق الإسلامية".

السعودية تقطع البترول

بالكاد لم يمض يومين على تصويت القاهرة على مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن حتى ظهرت نتائج التصعيد السعودي، ولكن عبر لسان مسؤول حكومي في مصر، حيث أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول والثروة المعدنية، حمدي عبد العزيز، صحة الأنباء المتداولة عن عدم وصول شحنة المواد البترولية المتفق عليها مع شركة أرامكو السعودية، لشهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري. وقال عبد العزيز في تصريحات صحفية إن "شركة أرامكو الحكومية السعودية أبلغت الهيئة العامة للبترول المصرية شفهيًا، في مطلع أكتوبر، بالتوقف عن إمدادها بالمواد البترولية". وبينما رجحت مصادر سعودية أن تكون الأسباب وراء القرار تقنية تمامًا، وأن الاتفاق عمومًا لا يزال ساريًا، قالت مصادر أخرى إن قرارًا سياسيًا أدى لتعليق التوريد.

ويقضي اتفاق مبرم بين الشركة السعودية والحكومة المصرية توريد 700 ألف طن شهريًا من المواد البترولية المكررة (400 ألف طن سولار، و200 ألف طن بنزين، و100 ألف طن زيت الوقود)، لمدة 15 عامًا، بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار، جرى توقيعه خلال زيارة رسمية قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر هذا العام. وهي الزيارة التي شهدت توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وبموجبها تنازلت الحكومة المصرية عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة، ما أثار معارضة واسعة داخل الشارع المصري، وهي الاتفاقية نفسها المعلقة في القضاء للحكم على مدى دستوريتها، ولم تدخل حيز التنفيذ إلى اليوم.

في السياق ذاته، قال مسؤول بوزارة البترول المصرية لوكالة رويترز إن "مصر ستطرح عددًا من المناقصات لشراء احتياجات السوق المحلي من الوقود، وهيئة البترول في مصر ستعمل على تدبير أكثر من 500 مليون دولار مع البنك المركزي لشراء الاحتياجات". ويرى مراقبون أن ذلك التحرك سيزيد من مشاكل مصر الاقتصادية، بالنظر إلى النقص الحاد في العملة الأجنبية وزيادة المتأخرات المستحقة لشركات إنتاج النفط، وربما تحدث أزمة في إمدادات الوقود في السوق المصري، لا سيما أن المساعدات السعودية لمصر تعد ركيزة أساسية في مساعدة مصر على دعم احتياطياتها من النقد الأجنبي.

ويتوقع المراقبون أن الأيام المقبلة ستشهد "أزمة دولارية" عاصفة إذا ما استمر الوضع كما هو الآن، مع اعتماد مصر على المعونات الخليجية التي أخذت بالتبخر مؤخرًا، من جراء انخفاض أسعار النفط، في الوقت الذي تحاول فيه القاهرة زيادة مواردها من العملة الصعبة لتسريع وتيرة تعافي الاقتصاد، بعد خمس سنوات من الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بحكم حسني مبارك في 2011، وكانت المساعدات البترولية توفر لها مئات الملايين من الدولارات شهريًا.

اقرأ/ي أيضًا: 

استراتيجيات الأمن المصري لمحاصرة الجمعيات الحقوقية

سخرية في مصر من "فقر" الملياردير حسين سالم