26-سبتمبر-2023
(Getty) يمنيون يطالعون عناوين الصحف المحلية

(Getty) يمنيون يطالعون عناوين الصحف المحلية

في أواخر آب/ أغسطس الماضي، تعرض الصحفي اليمني مجلي الصمدي لاعتداء وحشي من قبل عصابة مسلحة تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) أمام منزله في صنعاء، على خلفية كتاباته التي تنتقد الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتوازي مع تعرضه لحملة تشهير إلكترونية تحرض عليه مستغلةً تغريدة كان قد نشرها في وقتٍ سابق على تويتر يقول فيها إن حقه وراتبه أولى من الاحتفال الباذخ الذي يتم التجهيز له لأجل إحياء ذكرى المولد النبوي، إذ قامت قيادات حوثية بارزة بتوظيف ذلك بغرض التحريض عليه تحت مبررات الإساءة إلى الثوابت الدينية حسب قولها. وكان فيصل مدهش الذي يتقلد منصب رئيس دائرة التعاون الدولي بالمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية، التابع للحوثيين، قد نشر تهديدًا بالتصفية الجسدية، للصمدي وآخرين، في حال لم يقوموا بالاعتذار أو التراجع عن انتقاداتهم المستمرة للسلطات في صنعاء.

كان الصمدي يدير إذاعته "صوت اليمن" منذ افتتاحها في أيار/ مايو 2014، قبل سيطرة الحوثيين على السلطة في صنعاء، وهي إذاعة فنية مسجلة في وزارة الإعلام اليمنية منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2013، واستمرت في بثها حتى نهاية كانون الثاني/ يناير من العام الماضي 2022 بعد أن قام الحوثيون بإغلاق الإذاعة ومصادرة كافة محتوياتها وطرد العاملين بها. وبالرغم من حصول الصمدي على حكم من قبل محكمة الصحافة والمطبوعات في صنعاء يلزم وزارة الإعلام بإعادة محتويات الإذاعة وتعويضه عن خسائره، إلا أنه لم يطبق ولم يحدث أي تغيير، الأمر الذي جعله يتحول إلى ممارسة حقه القانون في نقد السلطات الحوثية في صنعاء وأساليبهم وهو ما لم يرق للجماعة.

أصبح اليمن واحدًا من أسوأ بيئات العمل الصحفي في العالم، إذ يحتل المرتبة 168 من أصل 180 دولة بحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة

ولا يختلف الوضع كثيرًا في مناطق اليمن الأخرى من حيث الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون منذ حوالي 9 سنوات، إذ أصبح اليمن واحدًا من أسوأ بيئات العمل الصحفي في العالم، إذ يحتل المرتبة 168 من أصل 180 دولة بحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة التابع لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، كما تصنف ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد القتلى من الصحفيين، إذ تم تصفية وقتل نحو 45 صحفي منذُ عام 2014 وحتى  2022 في اليمن، منهم 17 صحفيًا قتلتهم جماعة الحوثي، وأدت الغارات الجوية التي قام بها التحالف العربي بقيادة السعودية إلى مقتل 14 صحفيًا بعضهم كانت تستخدمهم جماعة الحوثي دروعًا بشرية، فيما تم تسجيل مقتل 12 صحفيًا ضد مجهول. وقتلت جماعات إرهابية صحفيين اثنين بحسب نقابة الصحفيين اليمنيين.

وقد مارست الأطراف السياسية في اليمن بما فيها جماعة الحوثيين والحكومة اليمنية والأطراف الأخرى التابعة لها انتهاكات عديدة بحق الصحفيين، إذ وصلت حالات الانتهاكات التي طالت الصحفيين إلى أكثر من 4500 حالة انتهاك منذ بداية الحرب وحتى نهاية العام 2021، بالإضافة إلى إغلاق أكثر من 80 صحيفة ومجلة وإذاعة في اليمن، وحجب أكثر من 200 موقع إخباري محلي ودولي، ولايزال هناك 5 صحفيون معتقلون منهم ثلاثة صحفيين مختطفين لدى جماعة الحوثي هما وحيد الصوفي المخفي قسرًا مُنذ نيسان/ أبريل 2015، والموظف في وكالة سبأ الرسمية نبيل السداوي، وفهد الأرحبي، بينما تعتقل سلطات المجلس الانتقالي الجنوبي الشريك في الحكومة الصحفي أحمد ماهر، فيما يقبع الصحفي محمد قائد المقري في سجون تنظيم القاعدة بحضرموت منذ العام 2015.

انتهاكات رغم الهدنة

ورغم إعلان الهدنة الأممية في اليمن بداية نيسان/ أبريل من العام الماضي 2022 وتوقف الأعمال القتالية في اليمن، لم تتوقف الانتهاكات الصحفية ولم يحدث أي تحسن، بل زادت الانتهاكات والرقابة من قبل السلطات، لاسيما بعد أن زادت حدة الاحتجاجات الشعبية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن. وكانت نقابة الصحفيين اليمنيين قد قالت في تقريرها السنوي للعام 2022، وهو العام الذي بدأت فيه الهدنة، أنها وثقت نحو 92 حالة اعتداء بحق الصحفيين والحريات الإعلامية في مختلف المناطق اليمنية ومن قبل كافة الأطراف، منها حالات اعتداء وقتل طالت الصحفيين ومحاكمات جائرة وحالات اعتقالات أيضًا.

وفي النصف الأول من العام الجاري 2023 وثقت نقابة الصحفيين نحو 40 حالة انتهاك للحريات الإعلامية تنوعت بين حجز الحرية والتهديد والتحريض والمعاملة القاسية للمعتقلين، و المحاكمات والإجراءات القضائية، وإيقاف رواتب الصحفيين، ومصادرة مقتنيات. وقد ارتكب الحوثيين 22 حالة انتهاك بنسبة 55 % فيما ارتكبت الجهات التابعة للحكومة 18 حالة بنسبة 45 % من إجمالي الانتهاكات.

الهجرة هي الحل

من جانب آخر، يرى الصحفي يونس عبد السلام أن البيئة اليمنية منذ قرابة عشر سنوات أصبحت طاردة للصحفيين، ويقول في حديثه لـ "ألترا صوت" إنه لم يعد بإمكان أي صحفي في أي محافظة أن يعمل بحرية، أو يعثر على معلومة دون تعرضه لاعتداء بشكل أو بآخر، إذ أصبح يُنظر للصحفي بعداء من الجميع.

ويشير يونس إلى أن هناك مجموعة من الصحفيين الذين يعملون لصالح الجماعات المسلحة وهم وحدهم من يستطيعون البقاء والحركة، أما أن تكون محايدًا أو لا منتميًا لجماعة ما فلا يمكنك العمل أو حتى البقاء بأمان.

وكان يونس قد حاول البقاء والعمل في مناطق عديدة من اليمن قبل مغادرة لليمن، إذ يقول إنه قد تعرض لمضايقات كثيرة عندما حاول البقاء في مدينة مأرب وسط البلاد، وعندما انتقل إلى مدينة عدن اعتقل هُناك في العام 2020، ثم عاد مضطرًا إلى صنعاء والتي أخفي بعدها في سجون الحوثيين لأكثر من عام ونصف.

إن بيئة العمل الصحفي في اليمن صعبة جدًا، وذلك بسبب تعمد أطراف الصراع استهداف الصحفيين بغرض إخفاء الحقائق التي يمكن أن يعمل الصحفيين على نشرها

ولم يعد أمام الصحفيين في اليمن غير الرحيل والبحث عن بلد أخرى أكثر أمانًا، إذ أصبح الوضع مرعبًا، وللأسف يتجه نحو الأسوأ، ومن يريد أن يعمل لصالح الحقيقة أو لقضية معينة يُرفض، ولا يرحب به أو يتعاون معه أحد، هذا إن لم يطارد ويُقتل، أو يعتقل في أحسن الأحوال حسب ما قاله يونس.

ومنذ بداية الحرب، اضطر كثير من الصحفيين لمغادرة اليمن بسبب الانتهاكات المستمرة ضدهم، إذ أصبح معظم الصحفيين اليمنيين مستقرين في دول أخرى ولا يستطيعون العودة إلى بلادهم.

وفي هذا الصدد، يقول محمد السروري -حقوقي يعمل في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن- إن بيئة العمل الصحفي في اليمن صعبة جدًا، وذلك بسبب تعمّد أطراف الصراع استهداف الصحفيين بغرض إخفاء الحقائق التي يمكن أن يعمل الصحفيين على نشرها.

ويضيف السروري أن تعدد الأطراف التي تنتهك الصحفيين في اليمن يُشكل مشكلة حقيقية يصعب الوقف أمامها، بالإضافة إلى عدم وجود آلية مساءلة بحق من يرتكب أي انتهاك بحق الصحفيين أو غيرهم.

ويشير إلى أن تعطل واستهداف الجهات الحقوقية التي تعمل على توثيق أو تقديم خدمات الدعم القانوني أو حتى الإنساني للصحفيين في اليمن زاد من سوء الوضع. وعلى سبيل المثال، فإن نقابة الصحفيين اليمنيين تم تعطيل مقراتها في مناطق سيطرة الحوثيين وتهجير العاملين بها، بالإضافة إلى سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على مقرها في عدن وهذا يعيق عملها بشكل كبير، وحدث مثل ذلك لكثير من الجهات العاملة في ذات المجال.