05-يناير-2020

امرأة عراقية تحمل لافتة تطالب بالانتقام لاغتيال سليماني (أحمد الرباعي/فرانس برس)

الترا صوت – فريق التحرير

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه أمر باستهداف قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بناءً على معلومات تقول إنه "كان يخطط لهجمات وشيكة شريرة"، فيما قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن استهداف الرجل الثاني في إيران كان لردع "أي خطط إيرانية لشن هجمات في المستقبل".

فشلت الإدارة الأمريكية في توحيد الرأي العام والوسط السياسي داخل الولايات المتحدة، إذ أدى استهداف سليماني إلى انقسام داخل الولايات المتحدة على جميع المستويات بين رافض ومؤيد للضربة

إلا أنه في كلا التصريحين فشلت الإدارة الأمريكية في توحيد الرأي العام والوسط السياسي داخل الولايات المتحدة، إذ أدى استهداف سليماني بأسلحة متطورة من قبل طائرة بدون طيار أمريكية الصنع، ومسارعة البنتاغون لتبني العملية التي عرفت بـ"البرق الأزرق" إلى انقسام داخل الولايات المتحدة على جميع المستويات بين رافض ومؤيد للضربة.

اقرأ/ي أيضًا: أسئلة ما بعد سليماني.. الحسابات الإستراتيجية أمام احتمالات التصعيد

في هذا التقرير نقدم قراءة سريعة تعكس مواقف الساسة والصحفيين الأمريكيين من الضربة الأمريكية التي من المتوقع أن تزيد من التوتر المتصاعد أصلًا في منطقة الشرق الأوسط بين واشنطن وطهران.

قانونية الضربة الأمريكية

بعد إعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تبنيها عملية القصف الجوي التي أطاحت بالجنرال سليماني، بدأ أساتذة القانون والدبلوماسيون الأمريكيون السابقون والحاليون بطرح وجهات نظرهم من قانونية الضربة أو عدمها، وعلى الرغم من توافق غالبية أساتذة القانون على اعتماد ترامب قانون صلاحيات الحرب الأمريكي لعام 1973، والذي يخوله بتنفيذ ضربة جوية دون الرجوع لموافقة الكونغرس الأمريكي في حال شعر بتعرض مصالح البلاد الإستراتيجية للتهديد، غير أنهم شككوا في الأسباب الكامنة وراء تنفيذ الضربة.

ولا يزال الساسة الأمريكيون ينتظرون أن تقدم إدارة ترامب شروحًا حول ملابسات العملية والصلاحيات التي أعطى الرئيس الأمريكي بموجبها تنفيذ الضربة الجوية، ونقلت وكالة رويترز عن متعاونين كبيرين في الكونغرس الأمريكي أن البيت الأبيض أرسل إخطارًا رسميًا للكونغرس بشأن الضربة الجوية، مشيرًة إلى أن الإخطار أرسل بموجب قانون صلاحيات الحرب الذي يلزم الإدارة بإخطار الكونغرس خلال 48 ساعة من تكليف القوات الأمريكية بعمل عسكري أو القيام بتحركات وشيكة، مضيفًة أن محتوى الإخطار يبقى سريًا لا يمكن الاطلاع عليه.

لكن أستاذة كلية القانون في جامعة ييل وخبيرة القانون الدولي أوانا هثاواي قالت في سلسلة من التغريدات الطويلة على منصة تويتر، إن الحقائق التي قدمها البيت الأبيض حول الضربة الجوية حتى الآن "لا تدعم على ما يبدو تأكيد أن الهجوم كان دفاعًا عن النفس"، مشيرًة إلى أن المسوغات التي قدمت  "ضعيفة من الناحية القانونية بموجب القانونين المحلي والدولي".

ووافق المستشار القانوني السابق للسفارة الأمريكية في بغداد سكوت آندرسون الرأي مع هثاواي، واصفًا مسوغات الإدارة الأمريكية بأنها "محل شك حتى الآن طبقًا للقانون الدولي"، إلا أنه أشار إلى إمكانية استخدام الإدارة الأمريكية ذريعة أن الحكومة العراقية لم تكن راغبة أو عاجزة عن التصدي للتهديد الذي كان يشكله سليماني، مما يعطي واشنطن حق اتخاذ هذا الإجراء دون موافقة العراق.

اصطفاف سياسي

وكانت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن الوحيدة التي غردت خارج سرب الديمقراطيين الذين أمعنوا في نقدهم لترامب باتخاذ مثل هذا القرار، قبل أن تعود لتبديل موقفها بضغط من الديمقراطيين، ومثلما كان متوقعًا التف الجمهوريون حول الرئيس الأمريكي مؤيدين يثنون على اتخاذه القرار الصحيح، حتى أن السيناتور الجمهوري بن ساس الذي كان في السابق لديه خلاف مع ترامب، أعلن في أكثر من تغريدة تأييده الضربة الجوية التي استهدفت سليماني.

لأول مرة يمكن القول إن الجمهوريين يلتفون حول الرئيس ترامب بهذا الشكل، على الأقل على مستوى الإعلام الخارجي حتى لا يظهروا أنهم منقسمين داخليًا، فقد دافع السناتور الجمهوري الأمريكي مارك روبيو عن قرار ترامب بالقول إن "سليماني كان يسعى للسيطرة على العراق واتخاذه منصة للهجوم على الولايات المتحدة"، مضيفًا أن الجنرال الإيراني كان "يخطط لانقلاب في العراق"، لجعله "منصًة لمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها".

ودعمت النائبة في الكونغرس ليز تشيني ابنة الصقر الجمهوري ديك تشيني موقف الرئيس الأمريكي في تغريدة، قالت فيها إن "سليماني كان إرهابيًا شريرًا وخطيرًا.. وأيديه ملطخة بدماء الآلاف.. بما في ذلك مئات الأمريكيين.. كان ترامب محقًا عندما أمر بعملية حازمة لقتل سليماني.. من أجل منع هجمات مستقبلية.. ومن أجل حماية الارواح والمصالح الأمريكية".

كما وقفت الصحافة اليمينية الأمريكية في تقاريرها خلف ترامب داعمًة له. يمكن الإشارة على سبيل المثال للكاتبة كايلي ماكغي في موقع واشنطن إكزامينر الإلكتروني، حيث أعادت تغريدة ترامب التي نشر فيها العلم الأمريكي دون أي تعليق عقب تنفيذ الضربة الجوية.

تقارن ماكغي في تقريرها بين رد الديمقراطيين على "مقتل" سليماني ورد الجمهوريين على "وفاة" زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، مشيرًة إلى أنه لم يشكك أي جمهوري بقرار الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما حين أعطى أوامره بتنفيذ الضربة الجوية ضد ابن لادن، حتى لم يجرؤ أحد على سؤاله إن كان الهجوم مبررًا أم غير مبرر،  مضيفة أنه "مثلما كانت يدا ابن لادن ملطخة بدماء الأمريكيين، كذلك كان سليماني"، ولذلك كان "إخراجهما (قتلهما) هو الشيء الصحيح".

الديمقراطيون مصرون على موقفهم من الضربة الجوية

على الرغم من أن الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي لم يدافعوا عن سليماني، إلا أنهم طالبوا ترامب بالتشاور مع الكونغرس قبل الشروع بتنفيذ مثل هذه الضربات أولًا، وأن يقدم تفاصيل عن التهديد الوشيك الذي كان يمثله سليماني ثانيًا، ويسود اعتقاد بين الديمقراطيين يلخصه السيناتور مارك وارنر بالقول: "كان هناك تهديد.. لكن مسألة كيف أنه وشيك لا تزال أمرًا أريد إجابة عنه".

كما استعرضت النائبة الديمقراطية إليسا سلوتكين في سلسلة من التغريدات المهام التي كانت موكلة إليها، خلال فترة عملها كمحللة سابقة في مكتب التحقيقات الفدرالي CIA، وخبيرة في الفصائل الشيعية مع البنتاغون خلال إدارة الرئيسيين السابقين جورج بوش الابن وباراك أوباما، مقدمًة لمحة موجزة عن الدور الذي لعبه سليماني في العراق منذ عام 2003، وتوصلت في النهاية إلى أن "سؤال واحد منع رئيسين أمريكيين أحدهما ديمقراطي والآخر جمهوري من تصفية سليماني"، وهو "هل تستحق غارة جوية عمليات الرد عليها واحتمال زجنا في نزاع طويل الأمد؟".

وتضيف في تغريدة ثانية بأن الإدارتين اللتين عملت لحسابهما توصلا لنتيجة تقول إن "الغاية لا تبرر الوسيلة"، ومضت بالقول إن إدارة ترامب قامت بحسابات أخرى، ما جعل الحكومة الإيرانية تتعهد بالانتقام لـ"موت" سليماني، ولديها أكثر من طريقة لتفعل ذلك، من بينها استهداف المصالح الأمريكية، والقوات الأمريكية في الشرق الأوسط.

مواقف أخرى ضد الضربة الجوية

على الجانب الآخر بعيدًا عن السياسيين، برز بشكل واضح موقف الممثلة الأمريكية روز مكغوان التي غردت معتذرة من إيران على عدم احترام بلادها، وقالت في تغريدة مرفقة معها فيديو GIF للعلم الإيراني، إن "الولايات المتحدة الأمريكية لم تحترم دولتكم.. ولا علمكم.. ولا شعبكم.. 52 بالمئة منا يعتذرون بخجل.. نريد السلام مع شعبكم.. تتم السيطرة علينا من قبل نظام إرهابي.. لا نعرف كيف نفر.. رجاء لا تقتلونا".

لكنها عادت لتؤكد في تغريدة ثانية مرفقة معها هاشتاغ "فريق البقاء على قيد الحياة" أن سليماني "شرير جدًا جدًا.. وارتكب أشياء شريرة جدًا جدًا.. ولكن هذا ليس المهم الآن.. الولايات المتحدة فاسدة أخلاقيًا وتتصرف بشكل غير قانوني.. الشيء المنطقي الوحيد هو طلب الاعتذار من إيران".

أما المعلق السياسي كايل كولينسكي فتساءل في تغريدته عن كيفية ترويج الأمريكيين فكرة "اغتيال قادة الخط الأمامي (في القتال ) ضد داعش"، في إشارة لمقتل سليماني بغارة جوية لطائرة من دون طيار.

صحفيون مؤيدون لترامب ينتقدون الضربة الجوية

كان لافتًا في المواقف من الضربة الجوية رفضها من قبل ثلاثة أسماء عاملة في وسائل الإعلام المعروفة بتأييدها لترامب في مختلف جوانب إدارته، يتقدمهم في هذا المنحى مذيع قناة فوكس نيوز الأمريكية تكر كارلسون، الذي تجنب انتقاد ترامب شخصيًا في بداية مداخلته، موجهًا انتقادته للإدارة الأمريكية التي تريد أن تتورط في المزيد من الحروب، ووزير الخارجية مايك بومبيو الذي شكك في تصريحاته بأن الضربة جاءت بناءً على تهديدات وصلت إليهم عبر معلومات استخباراتية.

وأضاف كارلسون متسائلاً بالقول إنه "بعد 19 عامًا حزينًا في أفغانستان.. ما الذي يجعلنا نعتقد أن هناك وسيلة سريعة للخروج من إيران"، موجهًا انتقاده للسيناتور بن ساس الذي وصف "اغتيال سليماني بأنه بسيط للغاية"، فقد اعتبر الإعلامي الأمريكي أن "القتل" لم يعد "أبسط من أي وقت مضى"، وأن أي سياسيًا يخبر غير ذلك هو إما "أخرس أو كاذب".

كما أنه لم يفوت فرصة انتقاد ترامب الذي كان أحد أبرز بنود حملته الانتخابية التوقف عن تنفيذ العمليات العسكرية الخارجية، وعودة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم، مضيفًا بصيغة تهكمية أنه لطالما "أرادت واشنطن الحرب مع إيران منذ عقود.. وربما حصلوا عليها أخيرًا".

هذا الموقف امتد إلى كتاب موقع  واشنطن إكزامينر عبر محرر التعليقات في الصحيفة تيموثي كارني بتساؤله "إذا كنا أفضل حالًا بموته (سليماني).. فكيف يمكن أن يكون قتله خطأ؟"، وتابع مضيفًا "هناك إجابة سهلة على هذا السؤال: صدام حسين ومعمر القذافي كانا دكتاتوريين قاتلين، لكن عندما استخدمت الولايات المتحدة القوة للإطاحة بهما، لم تجعل العالم أفضل"، في حين توقع الكاتب دانييل ديبيتريس أن ترامب ليس على استعداد للتعامل مع تداعيات الضربة الجوية.

جمهوريون أيضًا لا يثقون بسياسة ترامب الخارجية

يبرز كذلك فيما يتعلق بتبريرات الإدارة الأمريكية للضربة الجوية توجه لدى مجلس الشيوخ بعدم الاكتفاء بالأسباب التي قدمت لشرعنتها دون أن تحظى بموافقة الكونغرس، فقد ذكر أحد معاوني مجلس الشيوخ أن الإدارة الأمريكية الحالية "لم تستحق على الإطلاق تصديق مزاعمها دون أدلة حين تصرح بمزاعم كهذه"، في إشارة للأسباب التي دفعتها لاتخاذ قرار تنفيذ الضربة الجوية، مضيفًا أنه "عندما تتخذ تصرفًا قد يؤدي إلى ثالث حرب أمريكية في الشرق الأوسط خلال 20 عامًا، عليك أن تقدم ما هو أضمن من هذه الإثباتات".

وبعد سلسلة التغريدات التي أوضحت من خلالها النائبة الديمقراطية إليسا سلوتكين موقفها من الضربة الجوية، أشارت في حوار مع مجلة نيويوركر الأمريكية  إلى وجود عدد من الجمهوريين، حتى في اللجان الخاصة، يظهرون شكوكًا حول حكمة الإدارة الأمريكية الحالية عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.

اقرأ/ي أيضًا: ما بعد اغتيال سليماني.. هل انتهى عصر الحرب بالوكالة في المنطقة؟

وتابعت موضحة أنهم يعبرون عن ذلك أحيانًا على انفراد دون أن يعبروا عنه في الأماكن العامة، مضيفًة أن الرئيس ترامب لم يكتسب ثقة الكثير من أعضاء الكونغرس في السياسة الخارجية، فقد عمد لعزل حلفاء واشنطن بشكل ممنهج، مقابل تشجيع الخصوم، واصفًة ترامب بأنه "ليس سياسيًا"، وأضافت بأن هذا هو "إعادة سرد واقعية للسنوات الثلاث الأخيرة من السياسة الخارجية"، وهي الفترة الممتدة منذ استلام ترامب لمهامه في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2017 حتى تاريخ الضربة الجوية يوم الثالث من الشهر الجاري.

كان لافتًا في المواقف من الضربة الجوية رفضها من قبل ثلاثة أسماء عاملة في وسائل الإعلام المعروفة بتأييدها لترامب في مختلف جوانب إدارته

وقال موقع مجلة بوليتيكو الأمريكية إنه من المتوقع أن يثير استهداف سليماني في الأيام الأولى من العام الذي تشهد خلاله الولايات المتحدة انتخابات رئاسية مسألة السياسة الخارجية لواشنطن، حيثُ يتنافس ترامب على ولاية ثانية في البيت الأبيض، مضيفًا أن حلفاء ترامب الأساسيين، بمن فيهم أولئك الذين يتحدثون معه مباشرة، قللوا من المخاوف التي تتحدث عن تعهده في حملته الانتخابية الأولى بإنهاء "حروب أمريكا التي لا تنتهي"، معربين عن ثقتهم بأن مقتل سليماني سيعمل على إعادة انتخابه مجددًا، فيما علق مساعد سابق في حملة ترامب الانتخابية مقرب من البيت الأبيض على الضربة الجوية بأنها كانت تهدف لـ"إيقاف هجوم وشيك"، وأضاف متابعًا أن الولايات المتحدة سوف تقف وراء ترامب لأنه "أنقذ الأرواح".

 

اقرأ/ي أيضًا:

اغتيال سليماني.. سيناريوهات الرد الإيراني تخيم على اليمن

بعد مقتل سليماني.. #الحرب_العالمية_الثالثة تندلع في السوشيال ميديا