04-يناير-2020

تقلل الحسابات الإستراتيجية فرص التصعيد الشامل بين إيران وواشنطن (Getty)

 

الترا صوت – فريق التحرير

شيّع مئات العراقيين صباح اليوم السبت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني إلى جانب نائب رئيس ميليشيا الحشد العراقي، وباقي القيادات الذين قتلوا بالقصف الجوي الأمريكي الذي استهدف موكبهم في مطار بغداد الدولي، في ظل توتر وصفته الصحف الغربية بأنه وصل لأعلى مستوياته منذ مهاجمة الطلاب الإيرانيين للسفارة الأمريكية في طهران عام 1979.

في الوقت الذي يتوقع فيه كثيرون حربًا عالمية ثالثة، فإن العقود الأربعة الأخيرة من تاريخ إيران تبرز أن الشيء الأهم بالنسبة للجمهورية الإسلامية هو بقاؤها

ترامب أمر بتنفيذ الضربة تحت إلحاح من فريقة الاستشاري

أثار استهداف سليماني الذي يعتبر "الرجل الثاني في إيران" الكثير من الجدل في أوساط الساسة الأمريكيين، الذين انقسموا بين مؤيد أو رافض للعملية، التي نفذت بتوجيه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دون أن تعرض على أعضاء الكونغرس الأمريكي كما درجت العادة في مثل هذه الضربات، وبالأخص أنها استهدفت رجلًا كان من بين الأسماء المطروحة لخلافة الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي.

اقرأ/ي أيضًا: القصة الكاملة لاغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد

وبعد تنفيذ الضربة الجوية بساعات كشف مسؤولون أمريكيون أن الرئيس ترامب اتخذ قرار توجيه الضربة تحت إلحاح "جزئي" من فريقه الاستشاري الذي يريد اتخاذ إجراءات متشددة اتجاه إيران، ما وضع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أمام تنفيذ أوامر الرئيس، ويضيف المسؤولون في هذا السياق إلى أن الهدف من رحلة سليماني الأخيرة للعراق كان التخطيط لشن هجمات ضد دبلوماسيين وعسكريين أمريكيين، وكذلك منشآت عسكرية تضم أمريكيين في لبنان وسوريا والعراق.

وكانت وكالة رويترز قد نشرت تقريرًا أشارت إلى أن سليماني أجرى اجتماعًا مع قادة الميليشيات الشيعية في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في فيلا على ضفاف نهر الفرات تطل على مجمع السفارة الأمريكية في بغداد، وأضافت الوكالة نقلًا عن مصدرين أمنيين أن سليماني طلب في الاجتماع تصعيد الهجمات ضد أهداف أمريكية في العراق عبر أسحلة جديدة متطورة أرسلتها إليهم طهران.  

وتنقل الوكالة عن مصدرين أمنيين، وسياسيون شيعة عراقيون، ومسؤولون في الحكومة العراقية أن سليماني كان يخطط لمهاجمة القوات الأمريكية بهدف إثارة رد عسكري يدفع بتوجيه غضب العراقيين ضد واشنطن.

هل تندلع حرب شاملة بين طهران وواشنطن في المنطقة؟

تشير معظم التحليلات إلى أن طهران لن تترك عملية استهداف سليماني دون أن ترد عليها، كما درجت العادة في الحوادث السابقة التي حصلت خلال الأشهر الماضية، وعلى الجانب الأخر تدرك واشنطن أن قواتها سوف تتعرض لهجوم انتقامي يثأر لمقتل سليماني، ويؤكد هذه المعطيات إعلان واشنطن إرسالها 3500 جندي إضافي من الفرقة 82 المحمولة جوًا إلى منطقة الشرق الأوسط كإجراء احترازي.

ويرى محللون في هذا الشأن أنه في حال دعا الزعيم الأعلى لضبط النفس فإنه سيظهر في موقف ضعيف إن كان داخل إيران أو خارجها بين الجماعات المسلحة التابعة لها، لذلك فإن طهران ستختار الرد على مقتل سليماني بانتقام على نطاق أصغر، إما عبر جماعاتها المسلحة بمهاجمة ناقلات النفط في منطقة الخليج، لكن هذا الخيار قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية يريد الطرفان تجنبها، أو عبر تكتيكات غير متوقعة من جماعاتها المسلحة ما قد يعرض القوات الأمريكية المتمركزة في الشرق الأوسط للخطر.

وترى تقارير أن لدى طهران وواشنطن مصالح مشتركة وأعداء مشتركين بناءً على عملهما سابقًا في العراق وأفغانستان، مشيرة إلى أنه في حال نشوب حرب بين الطرفين فإن كلاهما سيدفع ثمنًا باهظًا، وأنه بوسع الدبلوماسية حل الكثير من المشاكل كما أنها خيار".  وهو ما يبدو أنه خيار بدأ يحتل مساحة على الأرض، مع محاولات عدة للوساطة الإقليمية والدولية.

فيما يقول الباحث البارز في معهد كارنيغي كريم سجادبور لوكالة رويترز، إنه "في الوقت الذي يتوقع فيه كثيرون حربًا عالمية ثالثة، فإن العقود الأربعة الأخيرة من تاريخ إيران تبرز أن الشيء الأهم بالنسبة للجمهورية الإسلامية هو بقاؤها"، مشيرًا إلى أن طهران لا تتحمل في الوقت الحالي "حربًا شاملة مع الولايات المتحدة في الوقت الذي ترزح فيه تحت وطأة عقوبات اقتصادية مرهقة واضطرابات داخلية، لا سيما من دون سليماني".

ونقلت وكالة مهر الإيرانية على لسان نائب قائد الحرس الثوري الإيراني علي فدوي أن واشنطن بعثت برسالة لطهران تطلب منها "ألا يتجاوز حجم الرد الايراني سقف الانتقام لسليماني فقط"، وأضاف فدوي معلقًا على الرسالة: "لا يمكن لواشنطن أن تحدد شكل وطبيعة وسقف الرد الإيراني بعد اغتيالها سليماني"، مشيرًا إلى أن "الخبراء يعرفون أن جريمة أمريكا تفتقر لأي قيمة أمنية فتحركات سليماني لم تكن سرًا".

هل أراد ترامب تحقيق مكسب سياسي باستهدافه سليماني؟

واجهت الإدارة الأمريكية موجًة من الانتقادات من داخل الكونغرس الأمريكي بسبب عدم إطلاعها النواب الديمقراطيين على تنفيذ الضربة الجوية كما كانت تجري الأمور عادًة، متهمين ترامب بأنه عزز احتمال تصاعد العنف في منطقة محفوفة بالمخاطر بالأصل، إلا أن ترامب رد على انتقادات إعطائه أوامر توجيه الضربة بالقول إنه أراد إيقاف الحرب لا إشعالها.

لكن موقع بوليتيكو الأمريكي أشار إلى أن الإدارة الأمريكية أبلغت أقرب حلفائها قبل تنفيذ الضربة الجوية، بمن فيهم كبار الديمقراطيين في الكونغرس، الذي ينتقدون عدم إبلاغهم مسبقًا، ورغم كل هذا التضارب في قرار تنفيذ الضربة فإنه لا يزال حتى الآن من غير المعروف كيف استطاع ترامب مع مساعديه التغلب على المعارضين لتنفيذ مثل هذا الهجوم بغية عدم تورط واشنطن بحرب جديدة في الشرق الأوسط، حسب وصفه.

حتى أن الديمقراطيين ضغطوا على المرشحة الديمقراطية وعضو مجلس الشيوخ إليزابيث وارن لتعديل وصفها لسليماني في تغريدتها من "قاتل"، قبل أن تعود وتصدر بيانًا ثانيًا يصف مقتل سليماني بأنه "اغتيال مسؤول عسكري أجنبي كبير"، وواجهت وارن انتقادات من الجمهوريين بسبب تعديلها وصف سليماني في البيان الثاني، ما اتضح في تقرير لمجلة واشنطن إكزامينر الأمريكية.

وهاجمت المجلة وارن بالقول إن اليسار الأمريكي – في إشارة للحزب الديمقراطي – لم يستطع حتى "الاعتراف بأن الرجل المسؤول عن تنسيق الهجمات الاستراتيجية الإيرانية ومقتل المئات من الأمريكيين كان سيئًا للغاية"، وأضافت المجلة بأن وارن التي أظهرت استطلاعات الرأي تراجعًا في جمعها التبرعات لحملتها الانتخابية، وصفت في بيانها الثاني مقتل سليماني بأنه "اغتيال".

ويقول موقع مجلة بوليتيكو الأمريكية إن اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري استغلت الضربة الجوية لتهاجم عبرها المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية جو بايدن، والذي من المتوقع أن يكون المرشح الديمقراطي المنافس لترامب في الانتخابات النهائية، فقد قال الموقع الأمريكي إن الجمهوريين أشاروا إلى أنه لو كان بايدن رئيسًا كان "سيبقى أسامة بن لادن على قيد الحياة، وسيبقى أبو بكر البغدادي على قيد الحياة، وسيبقى سليماني على قيد الحياة، وستتناول الصين الغداء، وستكون إيران في طريقها إلى السلاح النووي".

اقرأ/ي أيضًا: اغتيال سليماني.. سيناريوهات الرد الإيراني تخيم على اليمن

أما فيما يخص موقف الديمقراطيين فأشار الموقع إلى أن اهتمامهم الأكبر متمثل بتذكير ترامب فيما يخص حديثه عن شروط الحملة الانتخابية، مضيفة أنه خلال ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما تكهن ترامب مرارًا بأن أوباما سيقوم باستغلال طهران لتحقيق مكاسب سياسية، وتابع بوليتيكو بأن ترامب حذر في العديد من تغريداته السابقة بأنه سيهاجم طهران "في المستقبل غير البعيد لأنها ستساعده على الفوز في الانتخابات".

أثار استهداف سليماني الذي يعتبر "الرجل الثاني في إيران" الكثير من الجدل في أوساط الساسة الأمريكيين، الذين انقسموا بين مؤيد أو رافض للعملية

وكانت منطقة التاجي شمال بغداد قد تعرضت لغارة جوية أمريكية استهدفت موكبًا مؤلفًا من سيارتين فجر اليوم السبت، وفيما تخدثت تقارير صحفية عن أن قياديًا بارزًا من الحشد قتل مع خمسة من مرافقيه في الغارة الجوية، نفى الحشد الشعبي في بيان له صحة ما ورد من تقارير إعلامية.