19-يوليو-2020

من المعروف أن الانتخابات التي يجريها النظام السوري ليست أكثر من خطوة شكلية (أ.ف.ب)

ألترا صوت – فريق التحرير

أعلنت اللجنة القضائية العليا للانتخابات التابعة لمؤسسات النظام السوري صباح الاثنين فتح صناديق الاقتراع أمام السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام لاختيار أعضاء مجلس الشعب للدورة التشريعية الثالثة بعد الاستفتاء على تعديل الدستور في شباط/فبراير من العام 2012، على خلفية الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي طالبت برحيل النظام السوري.

أعلنت اللجنة القضائية العليا للانتخابات التابعة لمؤسسات النظام السوري صباح الاثنين فتح صناديق الاقتراع أمام السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام لاختيار أعضاء مجلس الشعب 

الانتخابات البرلمانية على ثلثي الأراضي السورية

وقالت وكالة سانا الناطقة باسم النظام، إن الانتخابات الحالية تشهد تنافسًا بين 1656 مرشحًا من ضمنهم مائتا مرشحة على 250 مقعدًا عبر 7277 مركزًا. وفيما كانت انتخابات عام 2016 قد أجريت في مناطق محددة دونًا عن غيرها نظرًا لخروجها عن سيطرة النظام السوري، فإن الانتخابات الحالية يجري تنظيمها على ثلثي الأراضي السورية، بسبب سيطرة المعارضة السورية على مدينة إدلب مع أجزاء من ريفها وريف حلب، بينما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على منطقة الجزيرة في شرق سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: اللجنة الدستورية قيد الإنجاز.. هل سيكون لبشار الأسد مستقبل سياسي؟

وأشارت اللجنة القضائية إلى أنها خصصت 10 صناديق اقتراع لمرشحي محافظة إدلب في مدينة حلب، إضافة لتخصيصها ثلاثة صناديق لمحافظة الرقة ومركز القنيطرة، وما يزيد عن 80 صندوقًا لريف حلب أيضًا، فضلًا عن تخصيصها مراكز اقتراع في المربعات الأمنية في مناطق الإدارة الذاتية، الجناح المدني لقسد، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

وكان المتحدث الرسمي باسم الإدارة الذاتية لقمان أحمي قد أشار إلى رفضهم السماح بإجراء انتخابات مجلس الشعب في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد، مشددًا على ذلك بقوله "لن يكون هناك صناديق اقتراع في مناطقنا"، في الوقت الذي وصف الائتلاف السوري المعارض الانتخابات بأنها "لا تزيد عن كونها إجراءات مخابراتية لا تحمل أي قيمة مؤسساتية على الإطلاق، ولا يمكن النظر إليها بأي قدر من الجدية".

انتخابات تشريعية على وقع الأزمات

تأتي الانتخابات الحالية للنظام مصحوبةً بمجموعة من التطورات المحلية والدولية المرتبطة، وفي مقدمتها حملة الضغوط الدولية لدفع النظام للعودة إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وليس خافيًا أن أهم ما في التطورات الدولية التي حدثت خلال الشهر الماضي، تمثل بدخول قانون قيصر الأمريكي للعقوبات المشدد حيز التنفيذ يوم 17 حزيران/يونيو، وتضمن في مرحلته الأولى فرض عقوبات مشددة ضد 39 كيانًا وشخصية سورية، بمن فيهم رئيس النظام السوري بشار الأسد مع زوجته أسماء (الأخرس) الأسد.

يسجل أيضًا في سياق هذه التطورات الحجز على أموال ابن خال الأسد، رامي مخلوف، في إطار الصراع الدائر على نقل الثقل الاقتصادي للنظام السوري من مخلوف، المعروف عنه أنه رجل إيران في سوريا، إلى رجل الأعمال السوري سامر الفوز، المدعوم من موسكو وأسماء الأسد معًا، والذي أدى في نهاية الأمر لانهيار إمبراطورية مخلوف المالية التي ساعدت النظام بكافة الوسائل المتاحة على عدم انهياره اقتصاديًا خلال السنوات الماضية.

ويسجل في هذه النقطة تأثيرها على الانتخابات بإعلان قطب الأعمال السوري محمد حمشو انسحابه، إلى جانب السياسي الكردي عمر أوسي، حيث من المرجح أن إعلان حمشو جاء متأثرًا بخلاف مخلوف – الأسد، ويعرف عن حمشو أنه من الأشخاص المحسوبين على طهران أيضًا، وارتبط اسمه بقضايا فساد مع وزير التربية السابق هزوان الوز ما بين عامي 2016 – 2018 دفع بموجبها 90 مليار ليرة سورية ضمن تسوية قضائية.

يلاحظ هنا أن النظام كان قد بدأ حملة ضد رجال الأعمال السوريين الذين ازدادت ثروتهم خلال الأعوام الماضية، وكانوا ينشطون في مناطق سيطرته بموافقة مباشرة على أعمالهم غير القانونية، قبل أن يبدأ حملة ضدهم في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد تصريحات الأسد بإعطاء الأولوية "لمكافحة الفساد"، والذي أكد عليها بقوله "لا يمكن أن نتحدث عن تطور الدولة من دون أن تكون هناك مكافحة فساد"، وإصدار مكتب الأمن الوطني مؤخرًا بيانًا يقضي "بالتشدد في مكافحة التهريب عبر الحدود" بناء على توجيهات الأسد.

كما يأتي إجراء الانتخابات بالتزامن مع الانهيار الاقتصادي الذي تشهده مناطق سيطرة النظام، بعدما سجلت الليرة السورية أدنى مستوى لها بقيمة 3.100 ليرة سورية مقابل الدولار الأمريكي، متأثرة بتبعات قانون قيصر الذي استهدف البنية المالية، بدءًا من مصرف سوريا المركزي الشريان الاقتصادي للكيانات المرتبطة بالنظام، إضافة إلى جائحة فيروس كورونا الجديد، على الرغم من إخفاء النظام لأعداد المصابين الحقيقية.

صورة أرشيفية (Getty)

كما برز بشكل لافت تطور جديد في سياق المشهد السياسي في مناطق النظام السوري، تمثّل بالاحتجاجات الشعبية التي خرجت في محافظة السويداء، وريف درعا تطالب بإسقاط النظام، ورحيل الأسد، وخروج القوات الأجنبية من سوريا، بما فيها إيران وروسيا، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وهو ما يشكل أول حراك شعبي في مناطق سيطرة النظام منذ نهاية عام 2013 تقريبًا، عندما أحكم قبضته الأمنية على الحراك المدني في البلاد، وتفرغ لسحق المعارضة السورية عسكريًا.

الخلاف يمتد للأمانة العامة للحزب السوري القومي

لم يقتصر تأثير الخلاف المتصاعد بين الأسد ومخلوف على رجال الأعمال المرشحين لمجلس الشعب، الذين وجدوا أنفسهم داخلين في الصراع الدائر بين الطرفين، بل امتد ليشمل مرشحي الحزب السوري القومي الاجتماعي (الأمانة العامة)، الذي يطمح لأن يكون له نواب في الدورة التشريعية الجديدة للمجلس، وهو الفرع الذي يحظى بدعم عائلة مخلوف أساسًا، ودعمته باتجاه انشقاقه عن الحزب المعروف بـ"المركز"، ويملك تمثيلًا في مجلس الشعب من خلال سبعة نواب.

وكانت محكمة الاستئناف المدنية الأولى في دمشق قد أصدرت قرارًا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي يقضي بحل فرع الأمانة العامة، مشيرةً إلى أن القرار صدر بصفة المبرم، مما يعني أنه نهائي وغير قابل للاستئناف، ونقل موقع روسيا اليوم عن مصدر قوله إن قرار حل الأمانة العامة يحمل تشعبات أخرى "ذات طابع سياسي"، فيما أشار نائب رئيس الحزب المركز في لبنان وائل الحسنية إلى أن مخلوف "كان يدعم اتجاهًا لتأسيس فرع من الحزب السوري القومي، على قاعدة مشروع سياسي تابع له، وسمي الأمانة العامة".

وكان السوري القومي قد شكّل ميليشيا مسحلة عرفت باسم "نسور الزوبعة" كانت تقاتل إلى جانب قوات النظام خلال السنوات الماضية، وسجل انتشارها في مناطق الساحل، بالإضافة لمحافظتي السويداء وحمص، والعاصمة دمشق، فيما يحاول استثمارها في الدورة الحالية برفع تمثيله من سبعة نواب إلى ما بين 10 حتى 15 نائبًا في الدورة الجديدة، ويسجل للحزب المركز أنه أكبر كتلة حزبية من عدد النواب في المجلس الحالي.

تشير مجمل التقارير فيما يخص الأمانة العامة إلى ترشح أغلب أعضائها كمستقلين، فيما أشار مركز السياسات الدولية في واشنطن إلى أن مرشحي الأمانة العامة التابعين لمخلوف سيقومون بالترشح كمستقلين بدون الإشارة لأي رمز للحزب، وسيعملون على الانضمام إلى قوائم تضم مستقلين قريبين من النظام، مما يضمن لهم نوعًا ما الفوز في الانتخابات، وهو الأمر الذي يبدو أنه أرخى بتداعياته على قائمة شام التي كانت تضم تحالفًا من الدمشقيين، بمن فيهم حمشو قبل أن يعلن انسحابه.

استراتيجة الأسد لتشكيل مجلس شعب "متجانس" سياسيًا

يسعى النظام مدعومًا من حلفائه الفاعلين في الشأن السوري لتقديم مجلس "متجانس" بوجوه جديدة غير القديمة. ربما يكون انسحاب حمشو جزءًا من هذه التغييرات التي يريد إحداثها في المجلس الجديد، والتي قام خلالها لتعزيز سطوته بإعفاء خمسة قياديين من حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب الحاكم بطريقة ما في البلاد، مرجعًا سبب إعفائهم من مهامهم أنهم تدخلوا لصالح أحد المرشحين المستقلين، في إشارة غير مباشرة إلى توجيه دعمهم لحمشو.

يشير تقرير تحليلي لمركز جسور للدراسات إلى أنه من ضمن الترتيبات المنطوية على الفاعلين الدوليين الداعمين للنظام السوري، يبرز الصراع الروسي – الإيراني على النفوذ داخل مؤسسات ومناطق سيطرة النظام السوري، وهو ما ينعكس على الشخصيات النافذة في النظام حاليًا، والشخصيات التي يراد إبرازها وتحضيرها للمرحلة القادمة، أو الشخصيات التي يُراد إخراجها من المشهد، كما يبدو الحال مع حمشو بإعلان انسحابه.

ويضيف المركز في هذا السياق أن النظام يحاول "تكريس استمراريته أمام الخارج، وإعادة هندسة خريطته الداخلية"، من خلال الأشخاص الذين "تغيّرت تموضعاتهم في السنوات السابقة"، كما الحال مع رجال الأعمال المقربين من رامي مخلوف، أو عبر تقديمه لوجوه جديدة "سواء من رجال الأعمال المنافسين، أو السياسيين الذين ينبغي تأهيلهم استعدادًا للمرحلة المقبلة".

وفي الوقت ذاته لا يمكن القول إن انسحاب حمشو، أحد الأسماء المشمولة بعقوبات قانون قيصر في المرحلة الأولى، جاء في سياق محاولة النظام عدم ترشيح أسماء مدرجة على لائحة العقوبات، بالنظر إلى استمرار رجل الأعمال براء قاطرجي المرشح عن مدينة حلب، والذي كان له دور كبير بإتمام صفقات النفط بين النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عندما كان يسيطر على حقول النفط في شرق سوريا قبل أقل من عامين، فضلًا عن تشكيله "ميليشيات محلية" لدعم قوات النظام السوري، وهو من الأسماء المدرجة على لائحة العقوبات الأمريكية والأوروبية معًا.

أمام كل هذه المتغيّرات بمختلف تنوعاتها يحاول النظام تشكيل مجلس "متجانس" عبر ثلاث استراتيجيات أساسية تدخل في صميم الإجراءات الجديدة، بعد الانهيار الاقتصادي الذي شهدته مناطق سيطرته من مطلع العام الماضي، متأثرًا بحزمة العقوبات المشددة التي أعادت واشنطن فرضها على طهران، نظرًا لارتباطه اقتصاديًا مع طهران التي كانت تقدم له الدعم المالي مستفيدةً من منتوجها النفطي، وألحقت بقانون قيصر مما دفع النظام لبدء استراتيجية جديدة لمواجهة تداعيات القانون السلبية ضمن قاعدته الشعبية.

  • قوائم الاسئناس لحزب البعث

كان لافتًا تنفيذ حزب البعث بقيادة الأسد لاستراتيجية جديدة في اختيار مرشحي قائمة "الوحدة الوطنية" التي تضم تحالفًا من تسعة أحزاب سياسية، عرفت حتى ما قبل عام 2011 بقائمة "الجبهة الوطنية التقدمية"، يحصل فيها مرشحو حزب البعث على النسبة الأكبر من الممثلين. يمكن الإشارة هنا على سبيل المثال إلى إبراز محافظة الرقة بتخصيص ثمانية ممثلين عنها في المجلس، ستة منهم ضمن تحالف "الوحدة الوطنية" الموزع على خمسة مرشحين عن البعث، ومرشح واحد عن الحزب الشيوعي الموحد، مع إبقاء مقعدين للمرشحين المستقلين.

ويمكن استخلاص نظرة غالبية السوريين لانتخابات مجلس الشعب تاريخيًا، مما يشير إليه التقرير التحليلي من "استخدم النظام مجلس الشعب تاريخيًا أداة لتوزيع المحاصصات والمكاسب، وإعادة إنتاج الشخصيات الداعمة له، أي أن مجلس الشعب تحوّل إلى تجميل مرغوب في السيرة الذاتية لكثيرين ممن يفتقرون للإنجاز الذي يمكن الحديث عنه، وهو ما يمكن ملاحظته في سير الكثير من أعضائه الحاليين والسابقين من أشباه الأميين".

لكن اللافت في الانتخابات الحالية أن حزب البعث اعتمد على اختيار مرشحيه عبر "آلية الاستئناس" من خلال اختيارهم عبر انتخابات تجريها أفرعه في المحافظات السورية، بمشاركة الأعضاء بمن فيهم الكوادر الشبابية، على عكس الدورات السابقة التي كان يقوم فيها باختيار مرشحي الحزب لقائمة الجبهة الوطنية، وهي القائمة التي تحظى بالحظ الأوفر لدخول مرشحيها المجلس، ووفقًا لعديد المصادر فإنها لم تسجل عدم فوز أي مرشح عنها خلال السنوات الماضية.

وكان الموقع الإلكتروني لحزب البعث قد نشر بالتزامن مع بدء عملية الاستئناس كلمةً لأمينه العام (بشار الأسد) أكد فيها على أن تجربة الاستئناس "دليل دامغ على ديناميكية البعث وتطوره، وقدرته على التكيف والانطلاق نحو المستقبل"، وأنها "خطوة مهمة في سياق تجديد آليات الممارسة الحزبية، لكونها تتيح للرفاق الحزبيين فرصة لتحديد خياراتهم ومرشحيهم بكل شفافية ومسؤولية".

  • عسكرة المجتمع شيوعيًا

في إطار هذه المتغيرات كان واضحًا اعتماد الأسد على مذكرة مكتب الأمن القومي التي صدرت بعد يوم واحد من دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، والتي شارك بإعدادها شخصيات أكاديمة من جامعة دمشق، بحسب ما نقل موقع كلنا شركاء الإلكتروني، مشيرًا إلى أن المذكرة قدمت تصورًا استراتيجيًا لأفضل الطرق لمواجهة قانون قيصر.

من بين المقترحات التي قدمتها المذكرة، كان الاستفادة من تجربة الحزب الشيوعي الحاكم في كوريا الشمالية من خلال عسكرة المجتمع كاملًا، وهي واحدة من التصورات التي كان قد توقعها الباحث البريطاني تشارلز ليستر، مشيرًا إلى إمكانية لجوء النظام لتجربة البلد الآسيوي بعزله سوريا عن الاقتصاد العالمي، وترسيخ وجودها على الخارطة العالمية كدولة منبوذة.

فقد قدمت المذكرة مقترحًا بإعادة عسكرة الطلاب عبر اتحاد شبيبة الثورة، وفرض اللباس شبه العسكري الموحد، مع إعادة معسكرات التدريب الجامعي، وجميعها كانت مفروضة خلال عهد حافظ الأسد، قبل أن يقوم الأسد بإلغائها بشكل تدريجي خلال السنوات الأولى من لحظة تورثه السلطة بعد وفاة والده بأسابيع قليلة من العام 2000.

بشار الأسد وزوجته أسماء يصوتان في انتخابات مجلس النواب (أ.ف.ب)

وتقترح المذكرة أن يلجأ النظام لتنفيذ هذه الاستراتيجية إلى "الضباط المتقاعدين عبر نشرهم في جميع مرافق الحياة المدنية من وزارات ومؤسسات ومنظمات ومجلس شعب، بحيث يقوموا بنقل ثقافة العسكرة والانضباط الإداري والاحترام المطلق للتراتبية العسكرية وتنفيذ الأوامر بدون نقاش والصبر بدون حدود"، وهو ما يعني انتقاله إلى بناء مجتمع شبه عسكري أسوةً بتجارب الأحزاب الشيوعية الاستبدادية.

وتشير المعطيات المتوفرة إلى موافقة الأسد على ما تضمنته المذكرة المقدمة، وهو ما يتقاطع مع الدراسة الصادرة عن مركز السياسات الدولية في واشنطن التي تحدثت عن انتخاب قادة الميليشيات المحلية الموالية لطهران خلال الدورة الحالية، ومن بين الأسماء المتوقع دخولها المجلس إلى جانب براء قاطرجي،  عمر حسن ممثلًا عن لواء الباقر، وباسل سودان وفضل وردة ممثلين عن كتائب البعث.

وكان تقرير جسور التحليلي قد أشار إلى أن الدورة السابقة لمجلس الشعب شهدت دخول 20 عضوًا من قادة الميليشيات أو العاملين ضمنها، لافتًا إلى أن اختيارهم يأتي باعتباره "شكلاً من أشكال المكافأة على الخدمات التي قاموا بتقديمها للنظام، ومحاولة لإعادة إنتاجهم اجتماعيًا على وجه الخصوص، خاصة أن أغلبهم قادمون من خلفيات متواضعة اجتماعيًا وتعليميًا". 

لم يقتصر تأثير الخلاف المتصاعد بين الأسد ومخلوف على رجال الأعمال المرشحين لمجلس الشعب، الذين وجدوا أنفسهم داخلين في الصراع الدائر بين الطرفين، بل امتد ليشمل مرشحي الحزب السوري القومي الاجتماعي

غير أن الدورة الحالية من المتوقع أن تشهد تحولًا في أدوارهم، والذي انعكس في لقاء الأسد مع رئيس وأعضاء المجلس المركزي لرابطة المحاربين القدماء، والذي أشار خلاله لأهمية دورهم بعد التقاعد من خلال "نقل تجربتهم الوطنية والبطولية من المستوى العسكري إلى المستوى السياسي والاجتماعي"، مشددًا على قدرتهم "على ضبط مختلف توجهات الأفراد ضمن ضوابط محددة ومنظمة، والأهم وطنية، مفعمة بحب الوطن والتضحية في سبيله"، على أن جميعها "صفات يحتاجها المجتمع والدولة على حد سواء".

  • المحافظة على التوزع الطائفي للمجلس

يشير الباحثان زياد عواد وأغنيس فافير في تقرير طويل أعد لصالح معهد الجامعة الأوروبية إلى أنه على عكس الخطاب الرسمي للنظام السوري "الذي يتجنّب الخوض في الاختلافات العرقية والدينية تحت راية وطنية، لطالما أدمج النظام المكونات المذهبية والعرقية، وتلاعب بها، من خلال أشكال أخرى من التمثيل في توزيع مقاعد مجلس الشعب".

ويوضح البحث أن "الصورة العامة لأعضاء البرلمان تكشف تغييرات كبيرة طرأت على الفئات التقليدية التي عادة ما كان يجري تمثيلها داخل مجلس الشعب قبل الحرب"، وعادة ما تتضمن "أعضاء نشطين في حزب البعث أو التنظيمات الشعبية والنقابية المرتبطة به، والأعيان والقيادات القبلية، ورجال الأعمال، ورجال الدين والشخصيات العامة"، غير أن الدورة الحالية طرأت عليها تغييرات جديدة بإضافة مرشحين عن "أسر الشهداء" والمحاربين القدماء وشخصيات إعلامية.

اقرأ/ي أيضًا: خطة إعادة إعمار سوريا.. منفعةٌ للحلفاء وإمعانٌ في التمييز والاضطهاد

ويقول تقرير مركز جسور في هذا السياق إن النظام عمل خلال الدورات السابق على مراعاة التنوع الطائفي والعرقي والديني إلى حد كبير "مع تمييز إيجابي بحق الأقليات"، فقد شكل على سبيل المثال السنّة 70 بالمائة من عدد الأعضاء المنتخبين في عام 2016، وكان نصيب العلويين 17 بالمائة، وهي الطائفة التي ينحدر منها الأسد، فيما كان نصيب الشيعة سبعة بالمائة، وحظي الدروز والشيعة باثنين بالمائة بشكل منفصل، وخصص واحد بالمائة للإسماعيليين والمرشدية بشكل منفصل أيضًا.

ويتوقع مركز السياسات الدولية أن يحظى السنّة بـ171 مقعدًا عن جميع المحافظات في الدورة الحالية، و39 علويًا، سيكون العدد الأكبر منهم عن محافظة اللاذقية بـ11 مقعدًا، مع وجود مقاعد مخصصة لهم في أربع محافظات أخرى، و23 مقعدًا للمسيحيين عن 10 محافظات، وتسعة مقاعد للدروز عن ثلاث محافظات، من ضمنها المقاعدة الستة المخصصة لمحافظة السويداء، ويأتي أخيرًا بتخصيص خمسة مقاعد للشيعة، واثنين للإسماعيلية، ومقعد واحد للمرشديين.