18-سبتمبر-2016

مشهد من الاحتجاجات في مدينة فرنانة (CNN)

حينما يجيء الحديث عن مدينة فرنانة في فترة عيد الأضحى، عادة ما يتمحور حول أكباشها ذائعة الصّيت حيث تُعرف هذه المدينة الصغيرة في شمال غرب تونس بتربية الماشية، غير أنه في عيد الأضحى المنصرم، لم يكن الحديث إلا عن احتجاجات أهاليها بسبب افتقار مدينتهم للمرافق العمومية الرئيسية ولاحتجاب مظاهر التنمية عنها.

لا تمثل احتجاجات فرنانة إلا حلقة جديدة لمسلسل لا ينتهي، بين تواصل الاحتقان الاجتماعي في مختلف مناطق البلاد، وعدم قدرة السلطات على نزع فتيله 

لم تكن احتجاجات فرنانة بحدث فارق في تونس حيث باتت مشاهد احتجاجات المدن مشاهد مكرّرة حتى اعتادها المواطنون، وباتت أخبارها في وسائل الإعلام لا تجلب الانتباه، فالاحتجاجات دائمة ولا تتغيّر إلا المدينة في كلّ مرّة.

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي سيحدث إذا انسحبت كلينتون من الانتخابات؟

تكاد تتشابه مسار احتجاجات مدينة فرنانة إلى حد المطابقة مع مسار الاحتجاجات التي عرفتها تونس السنة الحالية، وهي الأعنف والأشدّ منذ الثورة، حيث انطلقت حينها من مدينة القصرين لتنتقل تباعًا لمختلف المدن التونسية في شمال البلاد وجنوبها، ومثلها كذلك احتجاجات جزيرة قرقنة في ربيع هذه السنة أو احتجاجات بنقردان قبل أسابيع فقط.

حيث بات مسار تطوّر الاحتجاجات معلومًا، تبدأ بمظاهرات فقطع طريق فمحاولة انتحار، فاعتصام وإضراب عامّ، ولا تنتهي غالبا إلا باتفاق بين المواطنين المحتجين والسلطة المركزية قد يتوازى بإجراءات حكومية لرفع الاحتقان في المدينة على غرار إقالة المسؤولين الجهويين. وهي ذات المراحل الجارية في احتجاجات فرنانة، حيث قام رئيس الحكومة مؤخرًا بإقالة المحافظ ومسؤولين جهويين آخرين.

هذا المشهد المكرّر الذي ينتهي دائمًا في شكل إجراءات علاجية هدفها الأساسي إيقاف سيل المظاهرات وتهدئة المواطنين، يظلّ قابلًا للتكرار في ظلّ عدم تحسّس المواطنين لوجود تغيير على الأرض، أو وجود بوادره، خاصة في ظلّ جوّ عدم الثقة في سلطات دائمًا ما تعد دون أن تنفذ. مازالت عقود التهميش والإقصاء للجهات الداخلية ماثلة لدى مواطنيها، لتظلّ شعارات العدالة الاجتماعية ووعود التنمية قاصرة على إرواء ظمأ طال، وإشباع جوع ينتشر لا ينكمش.

اقرأ/ي أيضًا: السودان وإسرائيل.. المصالح المشتركة للأعداء

يعكس إقرار قانون العدالة الانتقالية في تونس بأن يشمل مفهوم الضحية "كل منطقة تعرضت للتهميش أو الإقصاء الممنهج" مدى الحيف الذي شمل العديد من مناطق البلاد وتحديدًا المناطق الداخلية. ولقد أحصت هيئة الحقيقة والكرامة، التي تتولى تنفيذ آليات العدالة الانتقالية، استقبالها 30 ملفًا على الأقل يخص المناطق الضحية.

وينصّ الدستور الجديد للبلاد على التمييز الإيجابي لصالح الجهات الأقل حظًّا من نصيب التنمية طيلة عقود الاستبداد، غير أن تنزيل النص المكتوب وتفعيله مازال في حدّ ذاته رهانًا بالنظر لمدى ضعف التنمية بل وغياب أبسط المرافق الأساسية في بعض الجهات وبالتالي ضغوطات أولوية معالجة هذه الاختلالات، التي تجابهها أزمة اقتصادية خانقة انكمشت فيها الاستثمارات وانخفض فيها النّمو الاقتصادي.

يعلم المواطنون الذين عانوا ولا يزالوا من منوال تنموي همّشهم لحساب مناطق كانت محظية لدى حكام البلاد السابقين قبل أن تكون محظوظة بسياساتهم، بأن تغيير واقع امتدّ لعقود لن يحصل في بضعة أشهر أو سنوات، غير أنهم يقولون إنهم يريدون بوادر أو مؤشرات لوجود توّجه للتغيير وتنفيذ الوعود. قد تتعلّق الصورة بتحديد الأولويات وإن كان الدستور أعطى الأفضلية لمن حُرم من نصيبه لعقود، ولكن تتعلق مضمونها بخيارات اقتصادية واجتماعية، هي إحدى محاور الخلاف الرئيسية بين حكومة ومعارضة تعتبر أن السلطات الحالية بصدد تكرار سياسات بن علي التي انتهت بتونس محظوظة بعض الشيء، وأخرى منسية ومكلومة.

تحدث رئيس الحكومة في جلسة منح الثقة لحكومته، متوجهًا للتونسيين بقوله "لازم ناقفوا لتونس" وهي دعوة لتكاتف التونسيين واصطفافهم في ظلّ الأزمة الاقتصادية الصعبة للبلاد، غير أن العديد من التونسيين يردّون ببساطة بأنهم يرفضون أن يكونوا كبش فداء لإصلاحات اقتصادية ذات كلفة اجتماعية مؤلمة قد لا تصبّ بنظرهم إلا في صالح طبقة رجال الأعمال الذين تورّط عدد كبير منهم في ملفات فساد.

تعاظم هذا الشعور لدى التونسيين خاصة بعد مشروع قانون لرئيس الجمهورية تحت عنوان المصالحة الاقتصادية، وصفته منظمات حقوقية دولية ووطنية بأنه يكرّس الإفلات من العقاب عبر العفو عن المتورطين في الفساد.

بذلك لا تمثّل احتجاجات فرنانة إلا حلقة جديدة لمسلسل لا توجد مؤشرات بعد على قرب نهايته، بين تواصل الاحتقان الاجتماعي في مختلف مناطق البلاد، وعدم قدرة السلطات على نزع فتيله خاصة في ظلّ التشكيك في نجاعة سياساتها وغياب مناخ الثقة بينها وبين المواطنين.

في هذا الإطار، تبدو الحكومة بحاجة في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى لكسب ثقة المواطنين في الجهات المهمّشة، وإقناعهم بجديّتها من أجل تحسين أوضاعهم بعيدًا عن الوعود والتسويف. وربّما يمثل المسؤولون الجهويون حلقة ضعف لبناء الثقة في هذا الجانب، حيث تعود شرارة احتجاجات فرنانة وقبلها احتجاجات القصرين بداية السّنة، إلى وجود شبهات فساد في الهياكل الجهوية أو بسبب سوء تعامل هؤلاء المسؤولين المحليين مع مطالب المواطنين قبل مزيد توتر الأوضاع وتوسّع الاحتجاجات.

اقرأ/ي أيضًا: 

هل بدأت إسرائيل بتحضير بديل للسلطة الفلسطينية؟

ترامب يلحق بكلينتون في استطلاعات الرأي