15-مارس-2018

اختلاف الرؤى والمواقف السياسية بين ترامب وتيلرسون كان واضحًا (أسوشيتد برس)

بعد 14 شهرًا من رئاسته الصاخبة، أطاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوزير خارجيته، ريكس تيلرسون، موضحًا قراره للصحفيين في البيت الأبيض: "لم نكن نفكر بالطريقة نفسها"، وأعلن ترامب أنه سيحل محل ريكس تيلرسون، مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" مايك بومبيو، وهو التغيير الذي ربما سيُحدث تحولًا في السياسة الاقتصادية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.

لم تكن إقالة ريكس تيلرسون مفاجئة فلطالما كان على خلاف مع ترامب، حتى أنّ الأخير صرّح بذلك عقب الإقالة، فقال: "لم نكن نفكر بالطريقة نفسها"

في الواقع لم تكن إقالة ريكس تيلرسون من منصبه بالأمر المفاجئ، إذ لطالما كان على خلاف مع الرئيس الأمريكي في عدد من القضايا، ففي حين أراد ريكس تيلرسون الموافقة على اتفاق باريس بشأن التغير المناخي، قرر ترامب رفضه، وفيما أيد ريكس تيلرسون استمرار الاتفاق النووي الإيراني، كره ترامب الصفقة، ووصفها بأنها "إحراج للولايات المتحدة".

اقرأ/ي أيضًا: صراعات داخلية أكثر من أي وقت مضى.. ترامب في مواجهة أمريكا

وبدا الشرخ واضحًا بين الرجلين في المواقف السياسية الخارجية، فعندما اقترح ريكس تيلرسون بأن الإدارة ستكون على ما يرام مع بقاء الدكتاتور السوري بشار الأسد في السلطة، بعدها بأيام قليلة قصفت الولايات المتحدة قواعد الأسد، وفي الوقت الذي دعا فيه ريكس تيلرسون المملكة العربية السعودية وحلفاءها إلى إنهاء حصار قطر، بعد أقل من ساعتين، أبدى ترامب موقفًا مبدئيًا مؤيدًا للحصار، عبر تغريدة له على تويتر.

وحينما سافر ريكس تيلرسون نحو العاصمة الصينية بكين بغرض فتح باب للمفاوضات مع كوريا الشمالية لحل الأزمة النووية، صعقه ترامب بتغريدة على تويتر مقللًا جهده: "إن ريكس تيلرسون يضيع وقته في محاولة التفاوض"، علاوة على التهديدات بنهج الخيار العسكري التي كان يطلقها بين الفينة والأخرى. وذهب الخلاف بعيدًا عندما ضاق ريكس تيلرسون ذرعًا ووصف الرئيس ترامب بـ"الأحمق"، كما تفيد بعض التقارير المتداولة.

ثم كان حادث تسميم الجاسوس الروسي السابق في بريطانيا، القشة الأخيرة التي أطاحت بريكس تيلرسون بعد اختلافه مع الرئيس ترامب في طريقة الرد على الكرملين، لينضم إلى قائمة طويلة من الرجال الأوائل في إدارة ترامب، وأغلبهم كانوا من أصدقائه ورجال حملته، إذ أُطيح بهم أو دُفعوا للاستقالة، وعلى رأسهم ستيف بانون ومايكل فيلين، قبل أن ينضم إليهم تيلرسون، ومن قبله السكرتير الصحفي ومدير الاتصالات بالبيت الأبيض ووزير الصحة والخدمات البشرية.

افتقر تيلرسون إلى النفوذ على ترامب، كما أن في عهده استقال أو أقيل 60% من الدبلوماسيين الأمريكيين المتمرسين

"ربما كان ذلك محتومًا، بالنظر إلى الفوضى التي يشتغل فيها البيت الأبيض تحت إدارة ترامب، يمكنك فقط الاختيار بين أنواع الفشل الذي تريد"، يقول بول موسغريف، الباحث في السياسة الخارجية الأمريكية. ومع ذلك يتفق عدد من الخبراء وممارسي السياسة الخارجية، على أن تيلرسون يستحق الكثير من اللوم نتيجة حصيلته الهزيلة خلال تقلده مسؤولية قيادة وزارة الخارجية الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: جذور السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.. الخليج وإيران نموذجًا

ريكس تيلرسون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل، الذي تم الترحيب به في البداية بحرارة من قبل أيدي السياسة الخارجية البارزة، سيترك منصبه دون أي إنجازات كبيرة، ففي ظل رئاسة ريكس تيلرسون لوزارة الخارجية، استقال 60% من الدبلوماسيين في الولايات المتحدة الأمريكية، وانخفضت الطلبات الجديدة للانضمام إلى الخدمة الخارجية بمقدار النصف، وفقًا لعدد تشرين الثاني/نوفمبر من رابطة الخدمات الخارجية.

وبحسب المراقبين، افتقر ريكس تيلرسون إلى النفوذ لدى ترامب، كما أنه كان سببًا في تفكيك منظومة الموظفين المتمرسين لوزارة الخارجية، ما أحدث فوضى عارمة في البيت الأبيض خلال فترة زمنية قصيرة، أضعفت السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وجعلتها موضع سخرية في مجموعة من المسائل، مثل قضية المناخ والاختراق الروسي وأزمة كوريا الشمالية.

"سيكون ريكس تيلرسون في قاع قائمة وزراء الخارجية أو بالقرب منها، ليس فقط في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، بل في سجل وزراء خارجية الولايات المتحدة" يقول موسغريف، ويوافقه آلان غولدنبرغ في الرأي، وهو مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما، حيث غرد قائلا: "سوف ينزل بوصفه أسوأ وزير دولة في التاريخ".

ورغم ذلك لا يمكن إلقاء كل اللوم على ريكس تيلرسون، فحتى الدبلوماسي الماهر كان سيواجه مشكلة في الحفاظ على النفوذ في البيت الأبيض الفوضوي لترامب، وهو المكان الذي غالبًا ما يتم فيه وضع السياسة الخارجية على تويتر، بما في ذلك خبر إقالة ريكس تيلرسون، الأخير الذي توصل بالخبر من خلال تغريدة على تويتر قبل أن يصله البيان الرسمي!

على هذا النحو، ينتظر المسؤول الجديد لوزارة الخارجية الأمريكية، مايك بومبيو، مهمة صعبة تتمثل في إعادة ترتيب البيت الأبيض، وإن كان يُنظر إليه على أنه أكثر توافقًا مع عقيدة ترامب السياسية، باعتباره مقربًا من الرئيس.

وقد قال ترامب في حقه: "لقد تعرفت على مايك جيدًا خلال الأشهر الـ14 الماضية، وأنا واثق من أنه الشخص المناسب لهذا المنصب في هذا المنعطف الحرج"، مضيفًا: "سيواصل مايك برنامجنا لاستعادة مكانة الولايات المتحدة في العالم، وتعزيز تحالفاتنا، ومواجهة خصومنا، وكذا السعي لنزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية". مع العلم بأنّ البيت الأبيض قد أعلن قبل أيّام، عن لقاء مُحتمل بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية في أيار/مايو القادم.

يعتقد البعض أن بومبيو قد يكون أكثر قدرة من ريكس تيلرسون على التكيف مع إدارة ترامب صعبة المراس، لخبرته في البيروقراطية وعلاقاته النافذة

ويعتقد بعض المحللين أن بومبيو ربما ينجح في التكيف مع إدارة ترامب ذات المراس الصعب، كما فعل وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي بدا محصنًا من أسلوب ترامب الغريب، نظرًا إلى خبرته في البيروقراطية وشبكة علاقاته النافذة التي راكمها خلال رئاسته "سي آي إيه"، وهو ما افتقد إليه وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون بشكل كبير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

على ضوء الحملة المدبرة ضد قطر.. هل تصاعد الخلاف داخل الإدارة الأمريكية؟

دونالد ترامب.. سيرة موجزة للممثل فاشل