09-يونيو-2017

ترامب ووزير دفاعه جيمس ماتيس (درو أنجيرر/Getty)

إذا أردت الحديث عن أحد أبرز ملامح السياسات التي لازمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فلا شك أن أولى الإشارات ستتجه نحو الخلافات داخل الإدارة. فقد أظهرت التصريحات والبيانات المعلنة، بعيدًا عن الغرف المغلقة، خلافات لا تبدو سطحية أبدًا، بين الإدارتين السياسية والعسكرية الأمريكيتين، اعتبرها البعض مقصودة لتقسيم الأدوار بين كل الأطراف، بينما يرى آخرون أنها واقع مأزوم.

ولا يبدو أن الأمر جديد كليًا عن الإدارات الأمريكية، أمر مُشابه سبق وأن تكرر في إدارة أوباما، في سنواتها الأخيرة على وجه التحديد، بخاصة في قضيتي عزل الجيش للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، والحرب السورية والجماعات المسلحة هناك، لكن مع ترامب كان الصورة أكثر جلاءً، وفي الشهور الأولى للرجل في البيت الأبيض.

الأزمة الخليجية

مع قطع دول خليجية وعربية علاقاتها مع قطر، منذ صبيحة الإثنين الماضي، اهتم كثيرون بما ستدلي به الإدارة الأمريكية في هذا الشأن. في البداية أظهرت السفيرة الأمريكية في الدوحة وجهة نظر مؤيدة لقطر، وأعادت دانا شيل سميث نشر تغريدتين لها منذ تشرين الأول/أكتوبر 2016، تتحدثان عن الشراكة الأمريكية القطرية، والتقدم في مكافحة تمويل الإرهاب، وعلقت على التغريدتين بقولها: "هذا وقت مناسب لإعادة النشر".

من السفارة الأمريكية في الدوحة إلى وزارتي الخارجية والدفاع (البنتاغون) الأمريكيتين، ففي مؤتمر صحفي على هامش زيارة لأستراليا، قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، إن بلاده تدعو إلى الحوار بين دول الخليج، مُضيفًا: "أظن، بناء على ما قرأته منذ بدء اتخاذ تلك الخطوات، أن ما نشهده هو عبارة عن لائحة طويلة من التوترات التي كانت موجودة في المنطقة منذ فترة".

في البداية ظهر الموقف الأمريكي محايدًا، مع نفي ضمني للاتهامات الموجهة لقطر، حتى جاءت تغريدات ترامب لتثير جدلًا واسعًا

في نفس المؤتمر، قال وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، إنه "بالنسبة لجهود محاربة داعش، أنا واثق أنه لن يكون هناك أي تداعيات على الإطلاق جراء الوضع الدبلوماسي القائم. أنا أدلي بهذا التصريح بناء على الالتزامات التي قدمتها كل دولة من تلك الدول في هذه الحرب".

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: أزمة العلاقات الخليجية القطرية.. في أسباب الحملة ودوافعها

إلى الآن يبدو الموقف الأمريكي دبلوماسيًا، مع نفي ضمني للاتهامات الموجهة للقطر من الدول المقاطعة لها، حتى دخل ترامب على الخط بتغريدات مثيرة للجدل، قال فيها: "خلال زيارتي للشرق الأوسط، أكدت ضرورة وقف تمويل التطرف، والقادة أشاروا إلى قطر"، ولم يكتف بذلك، لكنه أضاف: "من الجيد رؤية أن زيارتي للسعودية مع الملك سلمان بن عبدالعزيز و50 دولة تؤتي ثمارها. قالوا إنهم سيتخذون نهجًا صارمًا ضد تمويل الإرهاب، وكل المؤشرات كانت تشير إلى قطر. ربما سيكون هذا بداية النهاية لرعب الإرهاب".

 

 

 

 

تغريدات ترامب وصفت بالمثيرة للجدل لأنها قلبت الطاولة على كافة التوقعات، فلم يعد أحد يعرف على وجه الدقة ما هو موقف الولايات المتحدة، الحياد أم تأييد المقاطعة أم نفي الاتهامات عن قطر!

بدوره رد وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني على تغريدات ترامب، بقوله: "قطر تحارب تمويل الإرهاب بالفعل"، فيما قال السفير القطري في واشنطن، إن تغريدات ترامب "أصابتني بالدهشة والمفاجأة"، مُضيفًا: "لدينا تنسيق وثيق مع الولايات المتحدة، وهم يعرفون جهودنا في مكافحة الإرهاب ودعم الإرهاب".

لم تتوقف الصدمة عند قطر، فمن قلب بلاده، أعرب السيناتور الأمريكي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بوب كوركر، عن صدمته واندهاشه من تغريدات ترامب.

ورغم تغريدات ترامب، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، أنه لم يطرأ تغيير في الطلعات الجوية لقواتها بقاعدة العديد، بل إنها وجّهت شكرًا لقطر على "دعمها وجود قوات أمريكية على أرضها، والتزاماتها طويلة الأمد بالأمن الإقليمي"، كما أن وكالة أنباء رويترز قالت إن وزير الدفاع الأمريكي أجرى اتصالًا هاتفيًا مع نظيره القطري في اليوم التالي للمقاطعة، ما يعني أن الاتصالات بين الطرفين مُستمرة دون تأثّر.

الذهول من تغريدات ترامب، وبعض ردود الفعل المعنفة له، يبدو أنها دفعته اليوم التالي، إلى أن يعدل موقفه بإجراء اتصال هاتفي بأمير قطر، متحدثًا فيه عن ضرورة العمل الموحد لدول الخليج ضد الإرهاب، عارضًا الوساطة لحل الأزمة بين الطرفين في البيت الأبيض.

"يوليو 2013".. سابقة في الخلاف الداخلي 

عقب بيان الثالث من تموز/يوليو 2013، والذي أعلن فيه عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع المصري وقتها عزل محمد مرسي وتولي رئيس المحكمة الدستورية آنذاك، عدلي منصور، إدارة البلاد كرئيس مؤقت، ظهر الجفاء بين الطرفين المصري من جهة، والأمريكي الرسمي السياسي من جهة أخرى، للدرجة التي دفعت السيسي في تلك الفترة للقول خلال حوار مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إنّ "الإدارة الأمريكية أدارت ظهرها للمصريين". 

في المقابل، لم ينس السيسي الإشارة إلى الاتصالات الدائمة بينه وبين تشاك هيغل وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، إذ قال السيسي إنه كان يطلعه يوميًا على التطورات منذ قبل الثالث من تموز/يوليو، وأن الاتصالات بينهما لم تنقطع بعدها.

أبرز القرارات الأمريكية فيما يخص مصر آنذاك، كانت على المستوى العسكري والمدني، بدايةً من الإيقاف التدريجي للمساعدات الأمريكية عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، في آب/أغسطس 2013، حيث أعلن باراك أوباما تعليق المساعدات إلى مصر، بما فيها المعونة العسكرية، والتي تصل لنحو مليار و300 مليون دولار سنويًا.

ثُمّ في 15 آب/أغسطس 2013، أعلن أوباما إلغاء مناورات "النجم الساطع" مع مصر، أعقب ذلك قرار في 18 من نفس الشهر بإيقاف المعونات الاقتصادية السنوية لمصر، والمقدرة بنحو 250 مليون دولار، ثم تبع ذلك قرار بوقف كل المساعدات إلى مصر بصورة مُؤقتة، وتعليق تسليم طائرات أباتشي ودبابات من طراز "إبرامز" وصواريخ هاربون وقطع غيار لدبابات "إيه1 إم1"، وتعليق 300 مليون دولار وديعة ائتمانية لشراء معدات عسكرية.

لكن المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة لم تكن متفقةً تمامًا مع الإدارة السياسية، فمارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، وعقب الإطاحة بمرسي بنحو أسبوعين، أي في 17 تموز/ يوليو 2013، أكد على أهمية الحفاظ على علاقات الجيش الأمريكي بالقوات المسلحة المصرية.

بعد إطاحة الجيش المصري بمرسي، كان الخلاف واضحًا بين إدارة أوباما والمؤسسة العسكرية الأمريكية فيما يخص التعامل مع مصر

وأضاف ديمبسي خلال جلسة إعادة تنصيبه الأولى، إنه "إذا كان علينا اتخاذ موقف تجاه مصر بعد الإطاحة بمرسي، فمن الضروري أن تعود الأمور إلى نصابها في أسرغ وقتٍ ممكن". لكنّه رغم ذلك، اتخذت الإدارة السياسية الأمريكية قرارها بتعليق إرسال طائرات الأباتشي التي كان من المفترض إرسالها إلى مصر.

اقرأ/ي أيضًا: أمريكا وصفقة الجزر المصرية.. أوان رد الفعل

الشد والجذب لم يستمران طويلًا، وعادت الإدارة الأمريكية في تشرين الأول/أكتوبر لتؤكد على استمرار المساعدات المتعلقة بالرعاية الصحية والتعليم والقطاع الخاص ومحاربة الإرهاب وتدريب الجيش المصري وقطع الغيار للمعدات العسكرية الأمريكية في مصر.

إذن، كان الخلاف واضحًا بين الطرفين، ولكن تماسك السيسي والدعم الخليجي وتأييد العسكريين في أمريكا، أدى في النهاية لتحول في الموقف السياسي، هذا التحول ظهر في مواقف وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جون كيري، الذي وصل إلى القاهرة في أول زيارة لمسؤول أمريكي منذ الإطاحة بمرسي، في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، وخلال الزيارة لم يتطرق كيري إلى الحديث عن مرسي ولا عن مصيره!

وفي نيسان/أبريل 2014، شهد كيري أمام الكونغرس بالتزام مصر بمعاهد السلام، وذلك في إطار الشروط التي وضعها الكونغرس لعودة المساعدات لمصر، والتي تركزت على عدة نقاط، من بينها: "التزام مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل، والعمل على الانتقال الديمقراطي بما يتضمنه ذلك إجراء انتخابات نزيهة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، ودعم المجتمع المدني، وتخفيف القيود على حرية الرأي والتعبير، وتعزيز دور المرأة، وحماية الأقليات".

ورغم عدم إيفاء مصر بكافة الشروط، إلا أن شهادة كيري أصلًا جاءت بعد أيام من إعلان وزارة الدفاع الأمريكية عودة المساعدات إلى مصر بشكل متدرج، مع رفع الحظر عن 10 طائرات اباتشي تسلم إلى مصر. وفي تلك الفترة كانت الأمور في مصر أكثر وضوحًا، فالسيسي استقال من منصبه كوزير للدفاع، وتقدم للترشح لانتخابات الرئاسة المصرية.

اللافت في الأمر، أن وزارة الدفاع الأمريكية رغم تأكدها من أنه لا تحوّل ديمقراطي حقيقي في مصر، سلّمت مع ذلك الأباتشي لمصر، إذ كان المتحدث الرسمي باسم البنتاغون قد قال، إن وزير الدفاع الأمريكي أكّد لنظيره المصري صدقي صبحي، أنّ الولايات المتحدة "لا ترى أي ضمانات من جهة مصر على دعم التحول الديمقراطي، إلا أن تسليم الاباتشي يأتي في سياق دعم البنتاغون للجهود المصرية في التصدي للمتطرفين الذين يهددون الأمن الأمريكي والمصري والإسرائيلي"، من هنا تحوّل الموقف تمامًا، وبدأت مصر بتسلم ما تبقى من صفقات، ثم المعونات، وعادة الأمور إلى نصابها الأوّل.

خلاف قديم حول سوريا

من الولايات المتحدة مرورًا بمصر، إلى سوريا التي عرفت خلافات طويلة مع الجانب الأمريكي من قبل اندلاع أحداث الثورة السورية، ومع صعود أوباما للحكم هدأت الأمور نسبيًا عمّا كانت عليه في عهد جورج بوش الابن، ولكن مع اندلاع الثورة السورية التي قوبلت بعنف شديد من النظام السوري، وصولًا إلى اندلاع حربٍ داخلية، تكوّنت لدى الإدارة الأمريكية رغبة في الإطاحة ببشار الأسد عن طريق انقلاب داخلي يقوده ضباط علويون في الجيش النظامي السوري، خاصة وقتها مع ازدياد أعداد الضباط المنشقين، لكن مع فشل هذه الخطة، اتجهت الولايات المتحدة إلى دعم المعارضة السورية "المعتدلة".

هذا الدعم رفضه العسكريون الأمريكيون، حتى أنّ مايكل فلين، والذي كان رئيسًا لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية ما بين عامي 2012 و2014، قدّم استقالته بعد خلاف بينه وبين أوباما حول هذا الشأن، إذ كان يرى فلين أن ظهور تنظيمي جبهة النصرة (جبهة فتح الشام الآن) وداعش، لم يكن مصادفة أو خطأً غير مقصود، بل جاء نتيجة تخطيط مدروس من قبل فريق أوباما، حسب قوله، مُشيرًا إلى عديد التحذيرات التي قدمتها وكالة الاستخبارات العسكرية لأوباما، لكنه لم يكن يستمع.

أوجه الاختلاف بين أوباما وترامب

الحديث عن قضية روسيا وترامب، وتقلص الفرص أمام ترامب بشكل كبير لأن يستمر على أشده، أشار إليه جيمس كلابر، المدير السابق لوكالة الاستخبارات القومية الأمريكية، الذي اعتبر أن قضية ترامب وروسيا "أضخم بكثير من فضيحة ووترغيت"، التي هزت الولايات المتحدة في السبعينات.

أمّا أوباما، فرغم كل الأزمات التي لاحقته خلال فترة حكمه، كان يتمتع بقدرٍ كبير من السيطرة المرنة على أركان الحكم في الإدارة الأمريكية، وإن حدث خلاف أو انقسام في الرأي كما كان الحال مع مصر وسوريا، فضلًا عن القدرة على احتواء هذه الخلافات لتظل داخل الغرف المغلقة، بالإضافة إلى التروّي في إصدار القرارات المختلفة. 

كان أوباما قادرًا على احتواء الخلافات داخل إدارته، على عكس ترامب الذي ينسى أحيانًا أنه رئيس للإدارة الأمريكية!

على العكس يبدو الحال مع ترامب، نزيل البيت الأبيض الجديد، فخلال شهور قليلة فقط على وصوله إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، استطاع الرجل أن يخلق حالة من الجدل الواسع انطلاقًا من داخل الإدارة الأمريكية التي لم تكن منذ البداية "على قلب رجل واحد" هي وترامب، ويظهر ذلك جليًا في الأزمة الخليجية القطرية الجارية، التي غرّد فيها ترامب منفردًا عن باقي السرب الأمريكي.

اقرأ/ي أيضًا: الهجوم خير وسيلة للدفاع عند ترامب

نعم، لعل المؤسسة العسكرية الأمريكية استطاعت فرض رأيها في النهاية في ملف كالملف المصري، لكن ما ظهر للجميع أنّه تغيُّر شبه مرن في سياسة الولايات المتحدة كدولة تحت رئاسة رجل واحد هو أوباما، في المقابل ليس الحال مع ترامب هكذا، الذي يبدو وكأنّه يتعامل مع قرارات بلاده بمنطق شخصي جدًا، بعيدًا عن دور مؤسسات الحكم المختلفة، مُستخدمًا في ذلك وسائل مثل تويتر ليعلن فيها رأيه، ما يعطي انطباعًا أنّ الرجل ينسى أحيانًا أنه رئيس للإدارة الأمريكية، ويتعامل كمعارض من داخلها، ليعود وينصاع في ملف الحملة المدبرة على قطر بعد زيارته الرياض لموقف المؤسسة!

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترامب.. النسخة الأكثر فشلًا من نيسكون

أوباما والتدخل العسكري.. مسرحية من ثلاثة فصول