28-نوفمبر-2018

يعمل حزب الله على إعادة إنتاج الكبت وتوظيفه سياسيًا (محمد زيات/ أ.ف.ب)

لكل مجتمع تكنيك جنسي ينظم من خلاله العلاقات بين أفراده، ويعرف هذا التكنيك بـ"علم التقنيات السياسية والثقافية-الجنسية"، أو "التكنولوجيا الجنسية"، ويهدف إلى فهم الروابط الجنسية السياسية الثقافية عند جماعة ما، والتي تشكل نظامًا خاصًا يميزها من العلاقات الاجتماعية بين البشر أو أفراد الجماعة.

يمارس الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سلطته في لبنان كملك يأتمر بأمر الوحي الذي أرسله له الإله

استطاعت المجتمعات الحداثية، أن تستوعب الحرية الجنسية وترعاها، وأن تؤمّن الأسس الاقتصادية والطبية لاستمرارها، وبذلك فقد كانت قادرة على دفع ثمن التحرر الجنسي وتسديد فاتورته وتعميمه على الغالبية العظمى من مواطنيها.

اقرأ/ي أيضًا: الأخوات السلفيات.. الجنس الشرعي دربك إلى الجنة! 

في المقابل تخضع الأحزاب العقائدية الأصولية لقانون المنع. ويتبع حزب الله هذا النسق باعتباره منظمة قيادية عند الشيعة في لبنان، وله هيكلية داخلية وأقسام عديدة مترابطة وفق نسق معين، يعمل وفقها، وليس تجميعًا اعتباطيًا للأرض والبشر.

إذًا، تتصارع منظومتان، واحدة أصولية وواحدة رأسمالية، الأولى ثقافة جنسية تدعو للكبت، والثانية ثقافة تدعو للإباحة وتستخدم كل منظومة تكنيكاتها الجنسية من أجل استقطاب الجماهير وإعادة إنتاج سلطتها السياسية، وبالتالي استدامة وجودها. وتتفق جميع المجتمعات برغبتها في توفير الجنس، ولكن تختلف صيغة كل مجتمع في الكيفية التي يوظفها من أجل خدمة أهداف الجماعة.

لائحة بالمحرمات الاجتماعية!

يمارس الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، سلطته في لبنان كملكٍ يأتمر بأمر الوحي الذي أرسله له الإله، فيصنف الخائن والعميل، ويحدد الحليف والعدو، ويضع لوائح النهي والمحرمات، ويلعب على حبال السياسة والدين والحرب.

فهو يمتلك مفاتيح وأدوات الإنتاج والعمل وطرقه ووسائله والقوة العسكرية، وبالتالي فهو يعرف أنه بذلك يتحكم بمعاش الناس اليومي لشريحة واسعة من الشيعة. ويعرف نصرالله أن التحرر الجنسي يضعف من سلطة الحزب وسيطرته على الجماعة الشيعية، ويعلم أن هذا التحرر هو الثمرة الأساسية للتحول الرأسمالي العالمي وواحد من أسلحتها الخطيرة التي تهدد حزب الله.

قال نصرالله خلال لقائه في حفل تخريج طالبات معاهد "سيدة نساء العالمين" في 24 تشرين الثاني/أكتوبر 2018: "يؤسفني فعلًا أن العديد من الأخوات يضعن صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتصفح وجوههن القاصي والداني. ورجائي من الأخوات المتابعات عدم عرض صورهن وعدم الخوض بأحاديث عبر هذه المواقع قد تؤدي إلى الكثير من الأمور السلبية".

وتابع بالقول: "لو كنتُ مرجع ديني، كنت سأحرم شيء اسمه تواصل اجتماعي، اشكروا الله أني لست مرجع ديني". ثم أضاف: "أنا لا أفتي، ولكن أعطي رأي. الأخوات اللواتي يضعن صورهن على مواقع التواصل، أليست هذه مدرسة السيدة الزهراء عليها السلام، كيف وسيتصفح وجوههن كل من في الكرة الأرضية؟!".

وجاء خطابه تكملة لخطابات مماثلة كان قد أطلقها الداعية في مجال الإرشاد والتبليغ السيد سامي خضرا، وأثارت جدلًا واسعًا في لبنان واستنكارًا لدى الكثيرين، حين قال: "إذا رجل عندو كرامة وشرف، بحط صورة بنته صبية في مواقع التواصل الإجتماعي، يا عمي حط منظر شجرة". أما الآن، فيأتي نصرالله ليؤكد ما كان طرحه خضرا حول ضرورة أن تضع المرأة صورة شجرة بدل صورتها في فيسبوك.

كما أنه يأتي تكملة لخطابات سابقة تحدث فيها نصرالله حول زواج القاصرات، ورفض أن تتولى المرأة مناصب في مراكز القرار، وأعلن معارضته لترشيح نساء للانتخابات النيابية تحت حجة أنه ليس دورها. وصدر عن حزب الله العديد من بيانات منع الاختلاط في المدارس وفي التجمعات أثناء الأعراس ومراسم التعزية والمسابح والمقاهي، ومنع بيع الكحول في مناطق تواجده، وتحديده المسموح من الأزياء والزينة، وتحديده للحركات الجسمانية الشرعية للمرأة، إضافة إلى مستوى نبرة صوتها الشرعية، ومنع الموسيقى في الجامعات، وحتى أن الأغاني الوطنية التي تغنيها السيدة فيروز قد منعت.

وفي خطاب مماثل للشيخ نعيم قاسم حول المرأة المطلقة، قال: "على الأهل أن يسألوا ماذا تفعل المدرسة تربويًا مع أطفالهم؟ كيف يقضون أوقات الفراغ؟ لما بروحوا رحلات شو بيعملوا؟ بعيد رأس السنة شو بيعملوا بالمدرسة؟ بالحفلة شو بحطّوا؟ بالنزهات المشتركة شو بيعملوا؟ كيف بقعدوهن جانب بعضهن؟ لما بينزلوا على المسبح كيف بينزلوا على المسبح؟". وتابع قاسم كلامه: "تصوروا معلمة بدها تنظرلهن عن الحياة، كيف تعيش حياتك؟ بتطلع هيي مثلًا المعلمة مطلّقة، مقضية مشاكل بحياتها، بدها تعطي نصيحة للبنات من الخراب اللي وقعت فيه".

يعمل حزب الله كشرطي للجنس، فهو يرى أن الجنس يحتاج دائمًا للتنظيم، كأداة للهيمنة الاجتماعية

في الواقع، فإن مشكلة حزب الله الحقيقية ليست في إظهار المرأة لصورة وجهها، لأن الإعلاميات في قناة المنار يراهن العالم كله عبر الأقمار الصناعية، فهؤلاء أَلَسن من مدرسة السيدة الزهراء أيضًا؟! لكن مشكلته الحقيقية هي مع وسائل التواصل الاجتماعي المتفلتة من قبضته وتوجيهاته. فهذه المواقع أدوات في يد الرأسمالية العالمية، تستخدمها من أجل نشر تكنولوجيتها الجنسية التحررية المناقضة والمعادية لتكنولوجية المنع والكبت الأصولية.

اقرأ/ي أيضًا: "السكس" عرض وطلب أيضًا

أدوات الحرب الناعمة

وجاء خطاب نصرالله ومن يدور في فلك حزب الله، ليعبر عن التوتر الشديد الحاصل من جراء اختراق هذه المنظومة القيمية من قبل النسق التحرري الحداثي، مما يتطلب عملًا دؤوبًا ومستمرًا لتعزيز القوى الكابحة، والنضال عبر الإشارة والكلام الضمني والصريح والعمل الفعلي على الأرض.

تقوم سياسة حزب الله في توظيف الجنس لخدمة الكبت وإعادة إنتاج الكبت وتوظيفه في السياسة، في حلقة دائرية مستمرة لا تنتهي. فالمسألة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتنظيم الوظائف المتعددة للجنس، باعتباره أداة حيوية من أدوات الحرب. والسيد نصرالله يرى في التحرر الجنسي دعوة للانحلال والفوضى والعبث في الشرق، وبمثابة عدوان فيما يسمى بالحرب الناعمة.

كما يعمل حزب الله كشرطي سير للجنس، إذ إن الجنس سيبقى دائمًا بحاجة للتنظيم. ولذلك نجد دفاعهم المستميت عن مؤسسة الزواج والجنس ضمن إطار الزواج الديني، وطاعة الزوجة للزوج، ويسمح بسرداب أو منفذ خفي للجنس في إطار ما يعرف بالمتعة عند الشيعة.

إن ممارسة الجنس مع فتاة قاصرة دون سن 18 سنة يعتبر فعلًا شنيعًا إذا مورس بعيدًا عن التكنولوجيا الخاصة بهم والمرسومة من قبلهم. إن أي ممارسة لتأخذ أحقيتها، يشترط فيها المرور عبر قنوات السياسة الثقافية الجنسية الأصولية المحددة من قبل حزب الله.

بينما يستعمل نصرالله مصطلحًا ملطفًا لزواج القاصرات، فيقول "الزواج في سن مبكرة"، لكنه لم يحدد ما هو السن المبكر. إذا مارس رجل بالغ، الجنس مع فتاة عمرها 13 عامًا، يحاكم بتهمة الاغتصاب أو التحرش، ويتم رفض سلوكه اجتماعيًا في أقل الأحوال، لكن لو أراد رجل بالغ الزواج من هذه الفتاة على سنة الله ورسوله في المحكمة الجعفرية وعلى يد شيخ شيعي، فلا يمكن حينها لأي قوة أن تحاكمه.

ما يجب البحث فيه هو أن الشيخ والمحكمة يحصلان على بدل مالي مقابل عقد القران، ويفرض على الزوجان الاحتكام لهما في كل شاردة وواردة، ويجب أن يمر الطلاق عبرها، وحلّ الخلافات الزوجية عبرها، والحضانة عبرها، والإرث عبرها والمهر عبرها، والنفقات عبرها، والعنف والنزاعات بين الشريكين يتم الفصل فيه عبرها، وتثبيت المواليد والوفيات وأحكام الردة والزنا، جميعها عبر المحكمة الجعفرية الدينية، والتي تعتبر الممثل الديني الرسمي لحزب الله وللثقافة الأصولية التي يعمل على نشرها. وبذلك يتم تطويق يوميات المواطن بتكنولوجيا جنسية يعود ريعها لخدمة الحزب السياسي المتمثل في حزب الله والتي تنتج بدورها الكبت والمنع خارج قنواتها.

تقوم سياسة حزب الله في توظيف الجنس لخدمة الكبت وإعادة إنتاج الكبت وتوظيفه في السياسة في حلقة مفرغة

ناهيك عن جيش من الشيوخ والمساجد، بالتالي الحاجة إلى موارد مالية ضخمة، بينما تؤدي عملية التحرر الجنسي إلى سحب البساط وفك الارتباط المصلحي العلائقي ما بين المؤسسات الدينية وما بين المواطنين والتي يدفع المواطن مبالغ مالية لقاء تلك الخدمات.

إن العدو اللدود لهذه التكنولوجيا، هو الحرية، لأن الحرية الجنسية تلغي الفوارق الطائفية والعرقية والطبقية، وتسمح بالاختلاط دون عوائق، ما يسبب اختلاط الدماء بين المكونات الاجتماعية المختلفة، ويهدد بذوبان سلطة حزب الله، وأي حزب أصولي آخر.

لذلك فإن الحزب ينشر القيم المتعلقة بتحديد مفاهيم الشرف والعفة والطهارة والعذرية والعرض والحلال والحرام والعيب والاحتشام ومنع الإثارة والاستعراض والانحلال والاباحة والتحرر وتقييد الحرية الفردية، ويحيط كل تلك المفاهيم بحساسية شديدة.

يهدف هذا المنع والقمع والتقييد للجنس، إلى تغييبه قبل الزواج، وإلغائه في حال سلك طرقًا تحررية. ولكن فجأة، يصبح العمل الجنسي مشروعًا، لا بل مقدسًا، ويجري الاحتفال به فقط حين يمر عبر القنوات المعتمدة، حيث يكون هناك إمكانية لتوظيف هذا الجنس في استدامة السلفية السياسية والطبقية. ويتم توظيف هذا الكبت وحصد ثماره في التقديس والولاء الأعمى لحزب الله وعقائده، والحشد للحروب والعمليات العسكرية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الجنس الموظف" يبحث عن عمل

عن الموت وممارسة الجنس في زمن الحروب