20-أغسطس-2017

ماغدالينا أباكانوويز/ بولندا

لا أعرف على وجه التدقيق من اخترع مصطلح "الجنس الموظف" داخل العمل الفني/الأدبي وبدأ يشيعه في الحياة، حتى أصبحت لدينا قاعدة غريبة تقول إنه "إذا كان الجنس موظفًا في العمل الفني فلا بأس به، وإذا لم يكن موظفًا فهو مرفوض وقلة أدب".

هناك قاعدة غريبة تقول: "إذا كان الجنس موظفًا في العمل الفني فلا بأس، وإذا لم يكن موظفًا فهو مرفوض وقلة أدب"

وجدت هذه القاعدة المستحدثة صدى لها في كل الفنون تقريبًا على المستوى العربي بدءًا من الأدب وحتى السينما والمسرح، مرورًا بالفن التشكيلي وحتى قصص الكوميكس، لدرجة أن أي مبدع يحاصره فريق "الحفاظ على الفضيلة المفقودة"، ويرفعون في وجهه اتهامات بوجود الجنس في أعماله ينبري مدافعًا، ويقول: "والله أنا الجنس كلّه عندي موظف". أحيانًا يقتنع المهاجمون، وكثيرًا لا يقتنعون، رغم أن "المعركة" كلها مبنية على قاعدة فاسدة، لا محل لها من الإبداع.

اقرأ/ي أيضًا: أطفال الأنابيب.. شعراء الأنابيب

إذا كنا نتحدث عن عمل إبداعي فالطبيعي أن يكون كل شيء فيه فنيًا ومستخدَمًا في مكانه بطريقة فنية حتى يؤدي مع غيره إلى رسم الصورة الجمالية الكلية التي يريدها المبدع، فلماذا نشترط هذ "التوظيف" في الجنس تحديدًا ولا نذكره نهائيًا في أي تفصيلة أخرى؟ ولماذا نتعمل مع غريزة أساسية ومحورية مثل الجنس، تدور الحياة كلها حولها، بهذا الخجل الساذج الذي كانوا يشبّهونه قديمًا بخجل العذارى؟

المبدع ليس متهمًا حتى يدافع عن نفسه بأنه لا يتعمد الإثارة وتحريك مكامن الشهوة الراكدة في عمله، وهو ليس وزيرًا للموارد البشرية تصبح مهمته توظيف الجنس العاطل عن العمل. ثم إن الإثارة نفسها ليست سُبّة أصلًا، وإذا رأى المبدع أن هناك مشهدًا يستدعي الإثارة، فتعمّدها بشكل فني، فقد أخلص لعمله وأجاد فيه.

العمل الإبداعي حتى لو كان قصة من سطر واحد، أو مشهدًا في فيلم أو مسرحية، أو تفصيلة في لوحة... هو حياة كاملة، والحياة كما نعرف جميعًا فيها أحوال كثيرة، قيام ونوم وأكل وشرب وجنس وحزن وفرح وإثارة وتشويق وغضب وجنون، وعلى من يطالب بحذف جزء أساسي من الحياة لأنه يخجل من التعامل معه، أن يهدم غرفة نومه وأن يتخلّى عن أعضائه التناسلية قبل أن يطالب الإبداع بذلك.

العمل الإبداعي حتى لو كان قصة من سطر واحد، أو مشهدًا في فيلم أو مسرحية... هو حياة كاملة

وإذا كان ثمة مشكلة هنا فهي بالأساس عائدة إلى المراهقة الفكرية والانفصام الحقيقي الذي نعيش فيه، فالمجتمع "المهذّب" الذي ينصب المشانق لمشهد يراه جنسيًا في رواية، أو نهد عابر في قصة مصوّرة، هو نفسه الذي يستهلك سنويًا أقراص المنشطات الجنسية بمليارات الدولارات، وهو الذي يمزح أفراده مع بعضهم البعض في الشارع بذكر أعضاء الأمهات بأسمائها الحقيقية، وهو الذي يتصدر قوائم البحث عالميًا عن الجنس على الإنترنت، وهو نفسه الذي يقيم مهرجانات التحرش الجماعي في الأعياد والمواسم، وهو الذي يضع الإعلانات الجنسية على أبواب صيدلياته تتحدث بطريقة فجّة ومباشرة عن طول وعرض العضو الذكري وسمك وصلابة العضو الذكري، وهو الذي تتصدّر صفحات حوادثه يوميًا جرائم الشرف والخيانات الزوجية وزنا المحارم.

اقرأ/ي أيضًا: "أجمل نساء المدينة": فانتازية بوكوفسكي

هؤلاء لا يشبهون إلا فتيات الحجاب المودرن، ترتدي الواحدة منهن إشاربًا صغيرًا على رأسها لتغطي شعرها وهو غير مثير بالأساس، وتلبس من أسفل بنطلونًا جينز بوسط ساقط لتظهر تفاصيل مؤخرتها. فإلى كل من يعادي الجنس الفني في الإبداع بحجة التوظيف وعدم التوظيف: من فضلكم دعوا المبدع يكتب الجنس كيفما شاء، يرحكمم الله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ستيفان زفايغ.. تعرية النفس البشرية على رقعة شطرنج

تشارلز بوكوفسكي.. الكتابة بالجسد