01-أغسطس-2018

تصل نسبة زواج القاصرات في الريف السوداني إلى 40% (pinterest)

لم تعرف نور معنى الخضوع المُذل إلا حين حُملت إلى زوجها وهي دون العاشرة من عمرها، لتصبح بين ليلة وضحاها "ربة منزل" في كامل الطفولة المُجهضة. كان زواجها أشبه بكابوس فظيع، ومن رجل يكبرها بأربعة عقود تقريباً، أراد فض براءتها بقسوة، وانتهى بها الحال غارقة في دمها بمستشفى الحوادث في الخرطوم، قبيل أن تعود هاربة إلى أسرتها، ولسان حالها يردد "دعوني أكبر".

دوافع غالبية الأسر في زواج القاصرات تتمثل في التخفف من عبء المسؤولية الاقتصادية إلى جانب الرغبة في الحصول على المهور العالية

مؤخراً أصبحت قضية زواج القاصرات في السودان تؤرق العديد المنظمات العاملة في مجال حماية الطفولة، وبعض الأسر التي أدركت خطورة الزج ببناتهم في أتون تجارب قاسية، تجلب لهم المتاعب. وغالباً تنتهي تلك الزيجات بالطلاق، لكنها تخلف شعوراً بالمرار وتشوهات لا تُمحى من الذاكرة بسهولة. ولعل دوافع زواج القاصرات بالنسبة لغالبية الأسر، تتمثل في التخفف من عبء المسؤولية الاقتصادية، والحماية المبكرة من التعرض للجنس خارج إطار الزوجية، بجانب الرغبة في الحصول على مهور عالية. 

اقرأ/ي أيضًا: القاصرات في مصر.. قشة في مهب الريح

ويبدو أن الطفلة اشتياق هي الأشهر حيث تزوجت في عمر صغير جداً، وأنجبت طفلتها الأولى تحت رعب شديد. وبدعم من منظمات حقوقية حصلت على الطلاق وعادت إلى أسرتها، لتقوم والدتها برعايتها هي وطفلتها معاً، قبل أن تعود اشتياق إلى المدرسة كأصغر أم في السودان، وتلحق بها طفلة سودانية آخرى تسمى أشجان، تزوجت في الخامسة من عمرها، وتعتبر قصتها أكثر غرابة، حيث اختطفها خالها وأخفاها عن زوجها ووالدها، ليعيدها في الثامنة، بعد حصولها على الطلاق .

آخر مسح حول نسبة زواج القاصرات كان قبل نحو ستة أعوام، وفقاً لتقارير المجلس القومي لرعاية الطفولة. وقد كشفت دراسة في عام 2010، عن بلوغ زواج القاصرات في الريف نسبة 40%، أما في المناطق الحضرية فكانت نسبته 28%.

وبعد ثلاثة أعوام، أي في العام 2013، قامت اليونسيف بالتعاون مع مجلس رعاية الطفولة، بمسح جديد هدف إلى "معرفة السلوك المتعلق بالزواج المُبكر". وتوصل المسح إلى حقيقة مؤلمة، وهي ارتفاع كبير جداً في نسبة زواج القاصرات، وتحديداً في مناطق جنوب وغرب السودان. كما أن الجدل الفقهي والقانوني بين بعض رجال الدين الذين يؤيدون ذلك الزواج باعتباره من السنة، وبين منظمات حماية المرأة والطفولة، لم ينتهي، وأصبح نوع من السجال المعتاد في الشارع السوداني، كما هو الحال أيضاً بالنسبة لختان الإناث.

وبلغت نسبة زواج القاصرات في ولاية غرب دارفور 58%، وشرق دارفور 45%، والقضارف 48% ، وجنوب دارفور 53.8% ، والعاصمة الخرطوم 27%. وتوصلت الدراسة إلى أن 15% من الفتيات القُصّر اللواتي يتزوجن، تتراوح أعمارهن ما بين 10 إلى 14 عاماً، دون أن يبلغن سن الرشد، وهي ممارسة معتادة وسط العديد من القبائل، كما أنها مدعاة لتفاخر الأسر ومباهاة الأزواج، تحديداً في المناطق النائية والتي تفتقر للتعليم.

وقبل أيام، أسدلت محكمة سودانية الستار على قضية شغلت الرأي العام المحلي والخارجي، وهي قضية الطفلة رحمة ذات الـ11 عامًا، حيث أًجبرت على الزواج من رجل في عمر أبيها، ما اعتبره القاضي زواجًا غير قانوني وغير شرعي. وأمرت محكمة "الشجرة للأحوال الشخصية"، جنوب الخرطوم، بالتحقيق مع المأذون الذي أكمل إجراءات العقد، فضلاً على أن يتعهد والدها بحسن رعايتها.

وقال محامي الادعاء الفاتح حسين، إن المحكمة أمرت الزوج بعدم التعرض لطليقته الطفلة، وأوضح أن موكلته قاصر وتم تزويجها دون إذن المحكمة كما تنص المادة 40 الفقرة الثالثة من قانون الأحوال الشخصية. وأقر والدها بأن الزواج تم بالفعل دون إذن المحكمة. وأوضحت الطفلة ردًا على سؤال المحكمة، أنها لم تكن ترغب في الزواج وأنها تعرضت للضرب من قبل الزوج، وأوضحت كذلك انها هربت ولجأت لمركز الأسرة والطفل طلباً للحماية.

من جهته دعا المحامي الفاتح الحسين، إلى تعديل وثيقة الزواج بإضافة عمر الزوجين بموجب المستندات الرسمية، وتفاصيل وثائقهم الثبوتية، مشددًا على ضرورة أن يتم ذلك في إطار القانون الحالي. 

وبعد أن لجأت الفتاة إلى وحدة حماية الطفل التابعة للشرطة، حررت شكوى ضد زوجها الذي يقوم بضربها بعد توثيقها، حتى أنها أجهضت في وقت لاحق.

يسمح القانون السوداني بزواج الفتيات بعد بلوغهن العاشرة فقط، شرط أن يتم في المحكمة، وهي الثغرة التي نفذت منها عديد حالات زواج القاصرات!

المثير في الأمر أن قانون الأحوال الشخصية في السودان يسمح بزواج الفتيات بعد بلوغهن سن العاشرة، بشرط أن يتم في المحكمة. وهي الثغرة التي نفذت منها العديد من الحالات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

زواج القاصرات في الجزائر.. تزايد مقلق

قاصرات اليمن على مائدة الزواج المبكر