04-يوليو-2023
gettyimages

الصورة الأبرز من اليوم الثاني للعدوان على جنين هي تهجير أهالي المخيم من منازلهم (Getty)

في أول تصريح منذ بداية العدوان الإسرائيلي على مدينة جنين، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الإثنين، إن "العملية ستتواصل في جنين حسب الضرورة"، متحدثًا عن القيام بتغيير "المعادلة" و"ردع" جنين.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية، نقلًا عن مسؤول أمني: "هناك عدة أهداف نحتاج الوصول إليها، وإجماع في المستوى السياسي والأمني ​​على استمرار العملية" في جنين.

يدخل العدوان الإسرائيلي على مدينة جنين، يومه الثاني، والصورة الأبرز منه، هي مشاهد تهجير اللاجئين من مخيمهم، في محاولة لكسر الحالة النضالية في مخيم جنين

ومنذ اللحظات الأولى للعدوان الإسرائيلي على جنين، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية، بالإضافة إلى المصادر الأمنية في جيش الاحتلال، تتحدث عن عملية محدودة من ناحية زمنية، مع تأكيد المتحدث باسم جيش الاحتلال على عدم نيتهم "إعادة احتلال" المنطقة.

وما يشير إلى حدود ومدى العدوان الإسرائيلي على جنين، هو التراجع الإسرائيلي عن وصفها بـ"العملية"، بالتزامن مع تعميم حزب الليكود على أعضاء الحزب، بوصف ما يحصل بـ"نشاط عسكري وليس عملية"، مع التأكيد على أن "بيت وحديقة" هو اسم الأمر العسكري، وليس العملية التي لا يشترط تطابقها مع اسم الأمر.

من

وقللت تحليلات إسرائيلية عدة من قدرة العدوان في جنين، علة "تغيير المعادلة" أو خلق "واقع جديد" في جنين ومخيمها أو الضفة الغربية في العموم، متحدثة عن انعكاسات تكتيكية، ومؤكدةً على الفرق بين العدوان الحالي و"السور الواقي" الذي شمل إعادة احتلال الضفة الغربية.

وفي هذا السياق، وصف المعلق العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل، الهدف من العدوان على جنين، باعتبارها محاولةً لـ"ضبط الحالة في جنين، التي اكتسبت بالفعل زخمًا في الأشهر الثمانية عشر الماضية"، وأضاف هارئيل "تأمل [إسرائيل] في تحقيق ذلك من خلال توجيه ضربة ستجعل من الصعب على المنظمات التي تعمل من داخل مخيم جنين الاستمرار في مهاجمة الإسرائيليين لبعض الوقت"، ويوضح هارئيل ذلك، بالقول: "الرتب المهنية في جهاز الدفاع ليس لديهم أوهام العملية ستحدث تغييرًا جوهريًا في الواقع الأمني".

وأضاف هارئيل عن العملية، قائلًا: "سيستمر الوضع الراهن على كلا الجانبين بعد انسحاب الجيش من جنين، ويبدو أن هذا الخروج سيحدث بشكل أسرع بكثير مما يتخيله اليمين. سيظل الفلسطينيون المسلحون متحمسين بشدة للانخراط في مواجهة مسلحة مع القوات الإسرائيلية، مع استمرار عدم رغبة السلطة الفلسطينية في كبح جماحهم أو حتى انعدام قدرتها على ذلك. وستواصل حكومة رئيس الوزراء نتنياهو المتشددة للغاية سياستها الشاملة في توسيع مناطق المستوطنات والبؤر الاستيطانية في المناطق".

وكرر هارئيل الحديث عن موقف جيش الاحتلال الذي لم يرغب في عملية واسعة شمالي الضفة الغربية، لكنه يشير إلى ازدياد ضغط قيادات الاستيطان على الجيش الإسرائيلي، مع الارتفاع في عمليات إطلاق النار وإلقاء الحجارة بالضفة الغربية، مشيرًا إلى أن هذه العمليات ضغطت على الحكومة للتحرك، خاصةً أنها حكومة يمينية متطرفة، قدمت عدة وعود بتغيير الوضع الأمني عندما كانت في المعارضة.

getty

وفي هذا السياق، يشير هارئيل، إلى شخصية استيطانية معروفة بالضفة الغربية، كانت وراء الضغوط على حكومة اليمين المتطرف وداخل الليكود، بهدف الوصول إلى عملية عسكرية، وهو يوسي داغان، رئيس المجلس الاستيطاني في شمال الضفة الغربية المحتلة.

إلى جانب ضغوط قادة الاستيطان، فإن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، حذر من تحسن جودة العبوات في جنين، وكذلك محاولة إطلاق صواريخ، مع شكوك في إمكانية استخدام مُسيّرة انتحارية.

ورغم ذلك، يقول هارئيل: "إن ما يخطط الجيش لخ، لا يتناسب مع خيالات داغان وآخرين"، أي الحديث عن عملية "سور واقي" تشابه الاجتياح في الانتفاضة الثانية.

يُقر هارئيل باستخدام قوة كبيرة من جيش الاحتلال في العدوان على جنين، وهي أكبر من المعتاد في الضفة الغربية، بالإضافة إلى استخدام الطيران الحربي، وقصف غرفة عمليات في مخيم جنين، لكنه يتوقف مشيرًا إلى أن الغارة محدودة وتستهدف شقة تواجد فيها ثلاثة أشخاص، ولا تشبه ما يحصل من استهدافات في قطاع غزة.

ويعود المعلق العسكري، لحديث المتحدث باسم جيش الاحتلال الذي أكد على الاستيلاء على عدة منازل بشكلٍ مؤقت، قائلًا: "إن العمل داخل منطقة حضرية مزدحمة وتبادل إطلاق النار على مسافات قصيرة نسبيًا يقلل من المزايا التكتيكية للجيش الإسرائيلي ويزيد من مخاطر الخسائر فيه".

ورغم تفاخر قادة اليمين في الهجوم على جنين، إلّا أن قادة الجيش يسعون إلى إنهاء العملية بشكلٍ سريع، خوفًا من تفجير الأحداث في ساحات أخرى، وفق هارئيل.

getty

يضيف هارئيل عناصر أخرى، مثل الخبرة المحدودة لجيش الاحتلال بالقتال في مناطق حضرية، مثلما حصل في الانتفاضة الثانية، بالإضافة إلى استمرار الاحتجاجات على خطة "التعديلات القضائية" في إسرائيل.

ويتابع هارئيل، قائلًا: "الغريب أن الجيش الإسرائيلي رفض إعطاء اسم للعملية، أو حتى تسميتها عملية. هذا ليس مثل سفسطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي حتى يومنا هذا يقلل من أهمية القتال في أوكرانيا من خلال اعتباره "عملية عسكرية خاصة" وليس حربًا. ومع ذلك، فإن جهود الجيش الإسرائيلي للتقليل من أهمية العملية غير مقنعة. الحقائق تشير إلى أن قوة بحجم لواء تحيط بجنين. جزء منها يعمل داخل المنطقة الحضرية. ويشارك كبار مسؤولي الدفاع والحكومة بشكل مكثف في العملية منذ اجتماعات الأحد التي سبقتها".

وحول العدوان على جنين، يقول مراسل صحيفة هآرتس أنشيل فيفر "الفروق الدقيقة بين المستويين السياسي والعسكري في وصف العملية في جنين، ليست مصادفة. في الأساس، هذه العملية هي حل وسط بين تفضيل الجيش الإسرائيلي لمواصلة الاستراتيجية الحالية المتمثلة في غارات صغيرة نسبيًا على جنين، والتي عادة ما تنتهي في غضون ساعات قليلة، ومطالبة العناصر اليمينية المتطرفة في حكومة بنيامين نتنياهو بما يلي: "عملية عسكرية لهدم مبان وإبادة ’إرهابيين’، ليست واحدة أو اثنتين، بل عشرات ومئات، إذا لزم الأمر الآلاف"، كما وصفها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير".

من جانبه، يقول اللواء احتياط في جيش الاحتلال والمدير العام لمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب تامير هايمان: "لنرتب الأمور، هذه ليست عملية الدرع الواقي 2. أقترح أيضًا أن نتوقف عن استخدام عبارات مثل "حملة لاستعادة الردع": استعادة الردع ليست هدفًا عمليًا، لأنه لا يمكن قياسه".

ويضيف الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال: "لا، جنين ليست عاصمة ’الإرهاب’، لأن ’الإرهاب’ لا عاصمة له، ’الإرهاب’ متجذر في قلوب وعقول الناس، ولا يتعلق بموقع مادي واحد يحل تفكيكه المشكلة، الواقع أكثر تعقيدًا. كما أنها ليست عملية ضد السلطة الفلسطينية، التي يعتبر الحفاظ عليها مصلحة إسرائيلية، على الرغم من التصريحات التحريضية من قبل بعض الأطراف. السلطة الفلسطينية بكل ما تفتقر إليه هي جزء من الحل وليست جزء من المشكلة"، وفق قوله.

getty

ويتابع هايمان في تحليله، قائلًا: "من المهم أيضًا ملاحظة أن هذه عملية تكتيكية. بعبارة أخرى، بدون بنية تحتية استراتيجية سياسية شاملة، لن تغير العملية الواقع بمرور الوقت. يمكن أن يساعد العمل العسكري في إحباط الهجمات، وتمكين واقع عملي أفضل، لكن العمل السياسي وحده هو الذي يضمن الاستقرار على المدى الطويل".

ويختتم مقاله، بالقول: "طالما أن ما يجري هو عمل عسكري بحت دون إطار سياسي، فإن الصبر الدولي سيكون أقصر. السؤال هو ما هو هدف إسرائيل السياسي؟ هل هي تهيئ ظروفًا أفضل لعودة قوات الأمن الفلسطينية إلى شمال الضفة الغربية (ليس من خلال قوة الجيش الإسرائيلي ولكن من خلال تهيئة الظروف المطلوبة)، أم أنها تؤدي إلى إزاحة السلطة الفلسطينية وتوليها المسؤولية وإعادة السيطرة الأمنية على المنطقة. طالما ظل هذا السؤال غامضًا وغير محسوم، ستؤدي العملية إلى تحسين أمني على المستوى التكتيكي، لكن ليس من المؤكد أن هذا سيستمر طويلًا".

وعلى نسق التحليلات السابقة، يؤكد المعلق العسكري لصحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور: إن جيش الاحتلال يسعى "إلى أن تكون العملية قصيرة قدر الإمكان. هذه ليست نسخة حديثة من "السور الواقي"، ولكنها عملية محدودة"، مشيرًا إلى أن عملية أطول يمكن أن تزيد من خطر الخسائر في صفوف جيش الاحتلال، وارتقاء المزيد من الضحايا الفلسطينيين، كما أنها سترفع من حدة النقد الدولي لدولة الاحتلال.

ويتابع ليمور، قائلًا: "السيناريو الأكثر تفاؤلاً للعملية هو تدمير البنية ’التحتية الإرهابية’ في مخيم جنين بشكل يسمح للأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية باستعادة السيطرة على المكان. احتمالية هذا السيناريو منخفضة، ومن المحتمل أنه حتى بعد اكتمال العملية، سيُطلب من الجيش الإسرائيلي تعزيز الردع ومكافحة ’الإرهاب’ في مخيم اللاجئين - كما فعل في الماضي"، وفق قوله.

ويختتم ليمور تحليله، بالقول: "السيناريو الواقعي هو أن العملية ستلحق ضررًا كبيرًا بالبنية التحتية للإرهاب في مخيم اللاجئين، وسيستغرق ترميمها وقتًا. خلال العملية (وربما بعدها أيضًا) ستكون هناك محاولات لإلحاق الأذى بالقوات وكذلك المستوطنين، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من اليقظة الأمنية والمدنية".

getty

وتحدث العميد احتياط في جيش الاحتلال أورن أبمان، القائد السابق للواء منشيه [اللواء المسؤول عن منطقة جنين في جيش الاحتلال]، عن العدوان الإسرائيلي على جنين، مشيرًا إلى أن الخيار الأفضل حاليًا هو إجراء عملية "دقيقة ولا تخلق تحديًا في الساحات الأخرى".

وقال معلق الشؤون العربية على القناة 13 الإسرائيلية تسفي يحزكيلي: "هذه العملية لن تغير رأي اللاجئين.. ولن تغير أي شيء في المعادلة، بل ستمنحنا القليل من الوقت".

بدوره، يقول كبير المراسلين العسكريين في صحيفة "جيروزاليم بوست" يونا جيريمي بوب: "بما يتعلق بالنتيجة النهائية [للعدوان]، فمن المرجح أن تسفر عن إنجازات تكتيكية مؤقتة جدًا لإسرائيل- وهو شيء يشبه قص العشب، والذي يحتاج بعد ذلك إلى القص مرة أخرى بعد فترة وجيزة".

ويضيف بوب، قائلًا: "يمكن للجيش الإسرائيلي مصادرة مئات القنابل والبنادق، لكن يمكن صنع قنابل جديدة وشراء بنادق في غضون أشهر. يمكن قتل أو اعتقال مجموعة من الشبان، لكن يمكن لمجموعة أخرى بسهولة أن تحل محلهم".

وينقل المراسل العسكري تصريحات سابقة لقادة جيش الاحتلال، تحدثوا عن أن الفشل في قمع الحالة النضالية يعود لكون المجموعات الحالية "لم تعايش عملية السور الواقي، وبالتالي لا رادع لهم لمواجهة الجيش الإسرائيلي".

وصف المعلق العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل، الهدف من العدوان على جنين، باعتبارها محاولةً لـ"ضبط الحالة في جنين، التي اكتسبت بالفعل زخمًا في الأشهر الثمانية عشر الماضية"

يدخل العدوان الإسرائيلي على مدينة جنين، يومه الثاني، والصورة الأبرز منه، هي مشاهد تهجير اللاجئين من مخيمهم، في محاولة لكسر الحالة النضالية في مخيم جنين، ومع حديث التحليلات الإسرائيلية، باللغة العسكرية والمجردة عن العدوان على جنين، فإن الواقع يقول إن جيش الاحتلال يحول منازل المخيم لقواعد عسكرية، وسط تحليق طيران جيش الاحتلال وغارات مستمرة.

ومع حديث معظم التحليلات الإسرائيلية عن "تدمير البنية التحتية للإرهاب"، وفق وصفها، فإن جيش الاحتلال يدمر البنية التحتية للحياة في مخيم جنين، في محاولة تدفيع سكان المخيم ثمن مقاومتهم الاحتلال على مدار 18 شهرًا الماضية.