13-نوفمبر-2019

(Getty) حقل العمر

حسمت الولايات المتحدة موقفها؛ البقاء أو الانسحاب من سوريا، حيث أوجدت واشنطن مهمة جديدة لقواتها التي انتقلت من شمالي سوريا إلى شرقها وتتمثل المهمة الجديدة بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، حماية حقول النفط الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ما يقطع الطريق على نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس في الوصول إلى أكثر المناطق السورية غنىً بالنفط. وتتمركز القوات الأمريكية في منطقة جغرافية تعج بالقوات العسكرية الإقليمية والدولية، ما قد يهدد بصراع جديد شمالي شرقي سوريا.

النفط مصدر تمويل لـ قسد

قالت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) إن إيرادات حقول النفط في شمال شرق سوريا ستذهب إلى قسد المدعومة من واشنطن وليس للولايات المتحدة. وأكد المتحدث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان للصحفيين "لن تذهب العائدات للولايات المتحدة بل لقوات سوريا الديمقراطية".

قالت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) إن إيرادات حقول النفط في شمال شرق سوريا ستذهب إلى قسد المدعومة من واشنطن وليس للولايات المتحدة

اقرأ/ي أيضًا: ملف الشمال ينتقل إلى موسكو.. ما مستقبل التواجد الأمريكي في سوريا؟

وأضاف هوفمان أنّ "الولايات المتحدة لا تنتفع من كل ذلك. إنّ المنافع تعود على قوات سوريا الديموقراطية" التي شاركت إلى جانب القوى الغربية في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية. وأوضح خلال مؤتمر صحافي أنّ الهدف يتمثل في "منح أكراد المنطقة، قوات سوريا الديموقراطية، مصدر إيرادات وإمكانية تعزيز حملتهم العسكرية على الدولة الإسلامية". وأضاف: "بالتالي (نسعى) إلى منع الدولة الإسلامية من الوصول إلى حقول النفط وأيضًا إلى إتاحة السيطرة للأكراد وقوات سوريا الديموقراطية".

كان تنظيم الدولة الإسلامية يضخ 45 ألف برميل يوميًا خلال سيطرته على حقول النفط في 2015، ما منحه مليون ونصف مليون دولار من العائدات يوميًا وسمح له بتمويل اعتداءات في سوريا وفي الخارج، وفق ما قال عضو هيئة الأركان الأمريكية ويليام بيرن.

ونقلت وكالة فرانس برس عن مسؤول أمريكي (لم تكشف اسمه) أن عدد قوات بلاده المتواجدة في سوريا لا يزال مستقرًا تقريبًا عند أقل من ألف عنصر بقليل بعد ثلاثة أسابيع من إعلان الرئيس دونالد ترامب انسحابها.

وتقول وكالة بلومبيرغ الأمريكية، إن سوريا ضخت سوريا 24 ألف برميل فقط من النفط يوميًا في العام الماضي و تبلغ قيمتها نحو 1.5 مليون دولار بالأسعار الحالية  بعد انخفاض الإنتاج بأكثر من 90 %، معظمها ذهب لصالح قسد.

وبعد قرار"حماية النفط" الذي أصدره ترامب توجهت قافلة مدرعات أمريكية شرقًا، باتجاه  حقول نفط الرميلان في أقصى الشمال الشرقي لسوريا.

تتوزع أهم حقول النفط والغاز في سوريا في الحسكة ودير الزور، إضافة إلى شرق مدينة حمص، وبعض آبار النفط والغاز التي تم اكتشافها أخيرًا في ريف العاصمة السورية دمشق، أو ما يعرف بجبال القلون "قارة ودير عطية".

كان تنظيم الدولة الإسلامية يضخ 45 ألف برميل يوميًا خلال سيطرته على حقول النفط في 2015، ما منحه مليون ونصف مليون دولار من العائدات يوميًا

وتحتوي محافظة دير الزور على أكبر الحقول النفطية في سوريا، وهو "حقل العمر" الذي يقع على بعد 15 كيلومترا شرقي بلدة البصيرة بريف دير الزور، وهو الحقل الذي أعلنت قوات قسد المدعومة من قبل الولايات المتحدة يوم 22 من تشرين الأول 2017 سيطرتها عليه.

اقرأ/ي أيضًا: موسكو وواشنطن ترفضان إدانة عملية "نبع السلام" التركية والأسد يتهم قسد بالخيانة

كما تسيطر "قسد" على "حقل التنك"، وهو من أكبر الحقول في سوريا بعد "حقل العمر"، ويقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي. وتحوي محافظة دير الزور حقل الورد، والتيم، والجفرة، وكونيكو، ومحطة الـ تي تو "T2"، وهي محطة تقع على خط النفط العراقي السوري. وتأتي محافظة الحسكة بالمرتبة الثانية لجهة احتوائها على آبار النفط والغاز والتي خرجت حقولها من سيطرة "داعش" إلى سيطرة "قسد" اليوم، وأهم مواقع إنتاج النفط والغاز في حقول ومصفاة رميلان في أقصى شمال شرق سوريا.

 من يشتري النفط من قسد؟

يحافظ قرار ترامب على مصادر تمويل قسد التي تستخدمها في ترسيخ قوتها وإدارتها لمناطق سيطرتها شمالي شرقي سوريا، إلا أنه قد يعرقل حصول النظام السوري على بعض احتياجاته من النفط من خلال شرائه من الميليشيا الكردية.

وتقول صحيفة لوس أنجلوس تايمز، إن ما يتم إنتاجه يتم استخدامه للاستهلاك المحلي في مناطق قسد أو يُباع للتجار الذين يعيدون بيع جزء منه إلى حكومة الأسد المتعطشة للطاقة. وتشير الصحيفة إلى أن عائدات النفط أصبحت شريان الحياة لشبه الدولة التي أنشأتها "الإدارة الذاتية" في شمالي شرقي سوريا.

وكان النظام السوري قد عقد اتفاقًا مع قسد العام الماضي، برعاية عضو "مجلس الشعب" حسام القاطرجي، مالك "مجموعة القاطرجي" لنقل النفط. وهي المسؤولة عن نقل  النفط من مناطق سيطرة قسد إلى مناطق سيطرة النظام.

وفي السادس من الشهر الجاري، أعلن تنظيم الدولة استهداف قافلة صهاريج تنقل النفط من مناطق سيطرة "قسد" إلى مناطق سيطرة النظام، وحرق عدد منها قرب مدينة الرقة.

وأوضحت وكالة أعماق أن عناصر التنظيم أحرقوا عددًا من الصهاريج التي تعود ملكيتها لـ"القاطرجي"، المخصصة لنقل الوقود إلى مناطق سيطرة النظام.

لكن هذا الاتفاق يبدو مهددًا اليوم، حيث دخلت وحدات من القوات الأمريكية مناطق اﻵبار النفطية في محيط ديرالزور، وطردت المستثمرين المحليين المتعاقدين مع "قوات سوريا الديموقراطية"، من المُتهمين ببيع النفط للنظام عبر شركة القاطرجي، بحسب صحيفة المدن الإلكترونية.

يحافظ قرار ترامب على مصادر تمويل قسد التي تستخدمها في ترسيخ قوتها وإدارتها لمناطق سيطرتها شمالي شرقي سوريا

وقالت "المدن" إن القوات الأمريكية طردت المستثمرين المحليين من آبار الحمادة والريس والعلقة، بالإضافة إلى مجموعة آبار في منطقة جديد عكيدات. وفرضت القوات الأمريكية سيطرتها الكاملة على تلك المواقع، ووضعتها تحت حراسة مشددة. كما داهمت القوات الأمريكية بيوت بعض تجار النفط في المنطقة، في محاولة لضبط تجارته وحركة نقله منعًا لتسربه إلى النظام.

اقرأ/ي أيضًا: نفط سوريا النعمة.. النقمة

كما يصل النفط إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري المعارض، عبر معبر "أم جلود"، غربي منبج، بين مناطق سيطرة قسد" وبين الجيش الوطني في مناطق "درع الفرات".

ومؤخرًا سيطرت قوات الأسد على حقل للنفط في محافظة الحسكة، كان خاضعًا لسيطرة "قسد"، رغم تعهّد الولايات المتحدة بحماية حقول النفط من نظام الأسد وإيران وتنظيم الدولة.

وأظهرت صور نشرتها وكالة أنباء النظام "سانا" انتشار قوات الأسد في حقل "ملا عباس" التابع لحقول نفط رميلان شمالي الحسكة.

وتعلق الصحيفة على إعلان ترامب عن أن شركات أمريكية قد تشغل حقول النفط في مناطق قسد بالقول "إن المشكلة التي ستواجه ترامب هي أنه لا يوجد الكثير من النفط الذي يجب الحفاظ عليه، لأن سوريا لم تكن أبدًا منتجًا رئيسيًا للنفط على المستوى الدولي، حيث بلغت 385 ألف برميل يوميًا من النفط الخام، أو 0.5٪ من الإنتاج العالمي في عام 2010، وفقًا لتقرير صادر عن British Petroleum Review of World Energy Report.

هدف آخر لأمريكا من البقاء في سوريا

قرار "حماية النفط" يبقي القوات الأمريكية في وسط الجغرافيا السياسية المعقدة في شرق سوريا، منطقة غنية بالنفط والغاز ومليئة بالقوات التركية والكردية والروسية وقوات النظام وإيران، كما ترى صحيفة ديلي ميل البريطانية.

وتعرقل المهمة الأمريكية الجديدة خطط نظام الأسد لاستعادة شرقي البلاد وجهود إيران لإكمال ممر بري عبر العراق وسوريا ولبنان. إذ لطالما كانت قدرة إيران على نقل الأسلحة المتطورة على طول الطريق إلى عتبة إسرائيل مصدر قلق رئيسي للولايات المتحدة، بحسب الصحيفة.

كما أثارت المهمة الأمريكية الجديدة آمالًا بين العشائر العربية في المنطقة بأن تلعب دورًا أكبر في القوة العسكرية التي يقودها الأكراد.

وقال القائد العام لميليشيا قسد في مقابلة بثت يوم الأربعاء الفائت: "السبب الرئيسي وراء الوجود الأمريكي هو ليس النفط بالتأكيد. الجميع يعلم أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى النفط".

بحسب التصريحات الأمريكية فإن القوات ستحمي النفط من (داعش) والنظام السوري وحلفائه، ولكن أحد الأسئلة الرئيسية هو ما إذا كانت القوات الأمريكية ستتمتع بالسلطة القانونية للإشتباك مع القوات الروسية أو الإيرانية أو قوات الأسد التي قد تحاول الاستيلاء على حقول النفط.

قرار "حماية النفط" يبقي القوات الأمريكية في وسط الجغرافيا السياسية المعقدة في شرق سوريا

وتوضح صحيفة فورين بوليسي أن لا تفويض AUMF لعام 2001 لا يمنح القوات الأمريكية الإذن بإطلاق النار على الجهات الحكومية مثل القوات الروسية أو الإيرانية، أو التابعة للنظام، ما لم تكن تتصرف دفاعًا عن النفس.

اقرأ/ي أيضًا: مأزق أكراد سوريا.. هل تتخلى الولايات المتحدة عنهم؟

وقال المتحدث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان "يعرف الجميع في المنطقة أين توجد القوات الأمريكية ، ونحن واضحون للغاية مع أي شخص في المنطقة في العمل على حل النزاعات بين قواتنا". "نحن نعمل لضمان ألا يقترب أحد أو يبدى نوايا عدائية لقواتنا، وإذا فعلوا ذلك فإن قادتنا يحتفظون بحق الدفاع عن النفس".

وبحسب الصحيفة، يقاتل الجيش الأمريكي في سوريا تحت رعاية تفويض AUMF عام 2001 لاستخدام القوة العسكرية، الذي يسمح بمكافحة الجماعات المسلحة غير الحكومية مثل تنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة. ولكن بعد تعهده مبدئيًا بسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا على أساس أن داعش قد هُزمت، وافق ترامب في الأيام الأخيرة رسميًا على توسيع نطاق المهمة العسكرية في البلاد، وأقفل الباب على مئات القوات الإضافية في عملية ذات أهداف غامضة، مثل العديد من اللاعبين الآخرين  الذين يتنافسون على السلطة في المنطقة.

عين روسيا على النفط

قالت روسيا إنها لن تتعاون مع الولايات المتحدة في السيطرة على حقول النفط في سوريا واستغلالها ، لأنها تخص البلد وشعبها. وأضاف نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين لوكالة أنباء تاس الروسية "لن نتعاون مع الأمريكيين بشأن النفط السوري". "هذا يتعلق بالنفط السوري، وهو تراث الشعب السوري. نحن مقتنعون بأن الأمر متروك للشعب السوري لإدارة موارده الطبيعية ، بما في ذلك النفط".

ويواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحديًا ماليًا جديدًا غير مرحب به في سوريا بعد أن مكّن الانسحاب الأمريكي حليفه بشار الأسد من استعادة أكبر مساحة في البلاد. بحسب وكالة بلومبيرغ.

قرار الولايات المتحدة بإبقاء القوات لحراسة حقول النفط يحرم نظام الأسد من الوصول إلى الأموال التي يحتاج إليها لإعادة الإعمار، وهو ما تحاول روسيا الحصول عليه لجذب الأموال الأوروبية والخليجية بعد إنجاز العملية السياسية التي تجري حاليا في جنيف.

قرار الولايات المتحدة بإبقاء القوات لحراسة حقول النفط يحرم نظام الأسد من الوصول إلى الأموال التي يحتاج إليها لإعادة الإعمار

وتقدر الأمم المتحدة تكاليف إعادة الإعمار في سوريا بنحو 250 مليار دولار، ولا يمكن للنظام الاعتماد على روسيا وإيران، للحصول على أي تمويل.

اقرأ/ي أيضًا: تهريب نفط العراق.. أهلًا في "مزرعة" الحشد الشعبي!

من جهتها انتقدت صحيفة "إندبندنت" القرار الأمريكي بالقول: "قضى السيد ترامب سنوات يرثي حقيقة أن الولايات المتحدة لم "تأخذ النفط" خلال سنوات احتلالها للعراق. لقد كانت الفرصة لفعل ذلك في سوريا هي التي دفعته إلى عكس قراره بسحب القوات الأمريكية".

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

دير الزور.. مصالح دولية متضاربة أم اتفاق ضد إيران؟

اللجنة الدستورية.. مأزق النظام في مواجهة راعيه