24-أكتوبر-2019

انتقل ملف شمال سوريا من التفاهمات التركية الأمريكية إلى التركية الروسية (Getty)

قبل ساعات من انتهاء المدة التي منحتها تركيا لميليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) للانسحاب بعمق 30 كم من شمالي شرقي سوريا، انتقل ملف الشمال السوري من يد الولايات المتحدة الأمريكية إلى يد روسيا، في تطبيق لمقولة ترامب عن الخروج من الحروب التي لا نهاية لها، وذلك بعد أن أبرمت أنقرة وموسكو اتفاقًا يوم الثلاثاء يقضي بنشر قوات لنظام الأسد وروسيا شمالي شرقي سوريا لإبعاد عناصر قسد وأسلحتها الثقيلة عن الحدود مع تركيا. وقد أشادت موسكو وأنقرة بالاتفاق بوصفه انتصارًا، حسب وكالة رويترز.

يشارك العديد من الأمريكيين، بمن فيهم العديد من مؤيدي ترامب الأساسيين، اقتناعه بأن الوقت قد حان للتوقف عن الانخراط في ما يسميه الرئيس "حروب لا نهاية لها"

ويمدد الاتفاق هدنة توسطت فيها واشنطن وكان من المقرر أن ينتهي سريانها في وقت متأخر يوم الثلاثاء، كما يسلط الضوء على التغيرات الميدانية في سوريا منذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انسحاب قوات بلاده قبل أسبوعين من عملية نبع السلام التي شنتها القوات التركية بمشاركة الجيش الوطني السوري.

اقرأ/ي أيضًا: تعليق "نبع السلام".. تركيا قاتلت وأمريكا انسحبت وأسئلة عَمَّن انتصر

دوريات روسية – تركية مشتركة

سيّرت القوات الأمريكية والتركية دوريات مشتركة في الشمال السوري تحضيرًا لإقامة المنطقة الآمنة، لكن ذلك لن يعود قائما لتحل مكان القوات الأمريكية قوات روسية، إذ ينص الاتفاق التركي - الروسي على عودة قوات النظام السوري وقوات روسية إلى الحدود الشمالية لتملأ الفراغ الذي أحدثه انسحاب الأمريكيين.

وبموجب الاتفاق الذي أبرم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان قالت الدولتان إن الشرطة العسكرية الروسية ستشرع مع قوات حرس الحدود التابعة للأسد  في إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية مسافة 30 كيلومترا من الحدود التركية يوم الأربعاء.

وستقوم القوات الروسية والتركية بعد ذلك بستة أيام بالبدء في تسيير دوريات مشتركة في نطاق عشرة كيلومترات في "المنطقة الآمنة" التي تسعى أنقرة منذ فترة طويلة لإقامتها في شمال شرق سوريا.

وبعد محادثات استغرقت ست ساعات مع أردوغان في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود عبر بوتين عن رضاه عن القرارات التي وصفها بأنها "مهمة جدًا إن لم تكن بالغة الأهمية لإنهاء وضع متوتر جدًا على الحدود السورية التركية". وقالت وزارة الدفاع التركية إنه لم يعد هناك داع لتنفيذ عملية عسكرية جديدة في هذه المرحلة خارج نطاق العملية الحالية في إطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع موسكو.

روسيا تهدد بالانسحاب

بدا واضحًا الاختلاف بين علاقة واشنطن بقوات قسد وعلاقة موسكو كوسيط عقب الاتفاق مع أنقرة، إذ هدد المتحدث باسم الكرملين الروسي ديمتري بيسكوف بأن حرس الحدود السوري والشرطة العسكرية الروسية سيضطران للانسحاب من شمالي سوريا إذا لم تنسحب ميليشيا قسد من تلك المنطقة. وأضاف في إشارة إلى قسد: "نتيجة لذلك الولايات المتحدة تخلت عنهم وخانتهم بطريقة ما، والآن يفضلون تركهم على الحدود ومحاربة الأتراك".

وأكد بيسكوف ضرورة انسحاب قسد من الحدود في إطار الاتفاق، قائلًا إنه "إذا لم ينسحبوا سيضطر حرس الحدود السوري والشرطة العسكرية الروسية للانسحاب". ولفت إلى أنه في حال عدم انسحاب قسد في إطار الاتفاق بين روسيا وتركيا فإنهم سيواجهون ضربات الجيش التركي.

عين ترامب على النفط

سبقت الولايات المتحدة الاتفاق الروسي – التركي بالإعلان عن بقاء عدد من قواتها في شرقي سوريا، وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبير يوم الإثنين إن الولايات المتحدة قد تترك بعض القوات في سوريا لتأمين حقول النفط والتأكد من أنها لن تقع في أيدي "دولة إسلامية ناشئة"، على الرغم من أن الرئيس دونالد ترامب أصر على سحب قواته من البلاد والخروج من "الحروب التي لا نهاية لها"، حسب صحيفة واشنطن بوست.

وقال رئيس البنتاغون إن الخطة لا تزال في مرحلة النقاش ولم يتم تقديمها بعد إلى ترامب، الذي قال مرارًا إن الدولة الإسلامية قد هُزمت. وأكد إسبر أن اقتراح ترك عدد صغير من القوات في شرقي سوريا كان يهدف إلى إعطاء الرئيس ترامب "مساحة مناورة" ولم يكن نهائيًا، مضيفًا في مؤتمر صحفي في أفغانستان قبل التوجه إلى المملكة العربية السعودية، إنه "كان هناك نقاش حول احتمال القيام بذلك". "لم يتخذ أي قرار فيما يتعلق بالأرقام أو أي شيء من هذا القبيل".

ومع ذلك، فإن حقيقة أن مثل هذه الخطة كانت قيد النظر هي علامة أخرى على أن الإدارة لا تزال تحاول تسوية استراتيجيتها الشاملة وسط انتقادات حادة من حلفاء الرئيس الجمهوريين لقراره المفاجئ بسحب القوات الأمريكية، مما يمهد الطريق أمام الجيش التركي بشكل أساسي لدخول المنطقة الحدودية لصد الميليشيات الكردية المتحالفة مع أمريكا.

وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام أثار مسألة إبقاء القوات الأمريكية في شرق سوريا لحماية حقول النفط وأن ترامب أيد الفكرة. وكان ترامب قد أعلن يوم الاثنين في البيت الأبيض أنه لا يزال يرغب في إخراج جميع القوات الأمريكية من سوريا، وأردف "نحن بحاجة لتأمين النفط" في جزء من البلاد بينما طلبت إسرائيل والأردن منه الاحتفاظ ببعض القوات في جزء آخر. وتابع أنه "بخلاف ذلك، ليس هناك سبب لذلك، في رأينا".

من حهته شدد إسبر على أن الهدف الرئيسي من ترك بعض القوات حول حقول النفط هو التأكد من عدم سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الإيرادات التي تدرها. وحول "عين العرب" أوضح أن القوات الأمريكية تنسحب وأن الولايات المتحدة تحتفظ بدوريات جوية قتالية في سوريا مع استمرار الانسحاب. ولفت إلى أنها تستخدم مراقبة النفقات العامة لمحاولة مراقبة وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه مؤخرًا "بأفضل ما نستطيع".

تفكيك الميليشا الكردية ينعش إيران

قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إنه ينبغي دمج "أكراد سوريا" في الهيكل القانوني للبلاد حتى لا يشكلوا تهديدًا لتركيا. وتابع أن "هدف روسيا هو خلق وضع يتم فيه إشراك جميع التنظيمات الكردية في سوريا في الإطار القانوني والدستوري للبلاد، بحيث لا توجد وحدات مسلحة غير قانونية في سوريا".

وإن لم يشهد تاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية، عزم أي رئيس أمريكي على جعل الحياة صعبة على إيران كما فعل الرئيس ترامب، حيث مارس الضغوط الاقتصادية والضغط الدبلوماسي وحتى الضغط العسكري غير المباشر. إلا أن المفارقة الكبرى في هذه اللحظة، هي أن قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية في سوريا يجعل الحياة أسهل لإيران بمجموعة من الطرق. و"كما كان الحال في كثير من الأحيان في التعامل مع إيران، تصطدم الدوافع الأمريكية مع القانون القاسي في الشرق الأوسط من عواقب غير مقصودة"، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنال.

اقرأ/ي أيضًا: القوات التركية على أبواب منبج.. انسحاب أمريكي واتفاق روسي

حيث لا يزال التراجع الأمريكي يمثل أخبارًا سارة لإيران. فبالنسبة لقادة طهران أصبحت سوريا المكان الأكثر أهمية في سعيهم لتوسيع نفوذهم في الشرق الأوسط حسب الصحيفة، وبشار الأسد أهم حلفائهم في هذا المسعى. كما يقلص رحيل القوات الأمريكية من دور واشنطن ويقلل من العوائق أمام كل من النفوذ الإيراني واستمرار الأسد في السلطة.

 يقلص انسحاب القوات الأمريكية من سوريا دور واشنطن ويقلل من العوائق أمام كل من النفوذ الإيراني واستمرار الأسد في السلطة

يشارك العديد من الأمريكيين، بمن فيهم العديد من مؤيدي ترامب الأساسيين، اقتناعه بأن الوقت قد حان للتوقف عن الانخراط في ما يسميه الرئيس "حروب لا نهاية لها" في المنطقة. في هذا الرأي، كان السبب الرئيسي وراء انخراط الولايات المتحدة في سوريا هو هزيمة الدولة الإسلامية، وليس احتواء إيران. وإذا تم إنجاز هذه المهمة الأساسية، كما يبدو أن ترامب مقتنع بالفعل، فقد حان الوقت للخروج.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

موسكو وواشنطن ترفضان إدانة عملية "نبع السلام" التركية والأسد يتهم قسد بالخيانة