28-نوفمبر-2017

أكد ترامب لأردوغان إيقاف واشنطن دعمها لأكراد سوريا بانتهاء عملية الرقة (إمرا يورولماز/ الأناضول)

في الوقت الذي أصبحت فيه الجهات الدولية الراعية لمؤتمر أستانا، شبه متفقة على ملامح نقاط تحدد شكل الفترة الانتقالية للسلطة في سوريا، رغم أنها لا تزال غير واضحة المعالم؛ تبدو مدينة عفرين على مقربة من عملية عسكرية يظهر أن تأجيلها مرتبط بما ستؤول إليه اجتماعات مؤتمر سوتشي المرتقبة، إلى جانب عدم وجود دلائل على حضور حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني المؤتمر، بسبب معارضة أنقرة لذلك.

يبدو أن عفرين التابعة لحلب، على مقربة من عملية عسكرية، يرتبط تأجيلها بما سيؤول إليه مؤتمر سوتشي المزمع عقده الشهر القادم

عفرين على خط التوتر في الشمال السوري

منتصف الأسبوع الماضي، نشرت وحدات حماية الشعب الكردية مقطعًا مصورًا عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك تم حذفه لاحقًا، لعرضٍ عسكري في شمال سوريا، بعنوان "التضامن مع مدينة عفرين في شمال سوريا"، وتعمّدت وحدات الحماية في المقطع العسكري استعراض قوتها العسكرية، حيثُ تضمن عشرات الآليات العسكرية التي حصلت عليها من الولايات المتحدة إبان عملية الرقة الأخيرة، كما أن الآليات العسكرية رفع عليها أعلام وحدات حماية الشعب. وفي 19 من الشهر الجاري، نُشر على يوتيوب عرض عسكري أصغر لوحدات حماية الشعب في مدينة الحسكة، يُرجح أنه يأتي في نفس السياق.

اقرأ/ي أيضًا: القوات الكردية.. حليف أمريكا الجديد في سوريا

وتُعتبر وحدات حماية الشعب الكردي، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. وظهرت الوحدات لأول مرة عام 2004، غداة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا، وتعرضت للقمع من قبل النظام السوري، ثم ظهرت مرة أُخرى في الساحة السورية عام 2012، عندما بدأ النظام السوري الانسحاب من مناطق شمال شرق سوريا، وترك أمور إدارتها أمنيًا للوحدات التي منعت فصائل المعارضة من الدخول إليها.

وسجلت الوحدات وجودها كقوة عسكرية منظمة على الساحة السورية منتصف عام 2015، حين طردت مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من مدينة عين العرب (كوباني)، والقرى المحيطة بها، بدعم من الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي ضد التنظيم المتشدد. وفي تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام، أُعلن عن تشكيل تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من قوى مختلفة، غير أن وحدات حماية الشعب تُشكل عماده الأساسي، وترجع إليها كافة القرارات الصادرة عن قسد في الخطط العسكرية والمعارك.

هل أصبح أكراد سوريا بمفردهم؟

وخلال مقطع الفيديو المذكور، وجّه عدد من قياديي وحدات حماية الشعب رسائل مباشرة إلى أنقرة، قالوا فيها إنه يجب عدم التفكير بأن "عفرين لوحدها شمال سوريا"، مشددين على أن وحدات حماية الشعب والمرأة "ستقف ضد تركيا في حربها على مدينة عفرين، وستنتصر"، وفق ما ورد على لسانهم في الفيديو ويحيط عفرين والقرى بها من الشمال والغرب تركيا، ومن الشرق فصائل المعارضة المنضوية ضمن عملية "درع الفرات"، ومن الجنوب النظام السوري وفصائل المعارضة حيثُ يتقاسم الطرفان السيطرة على ريف حلب.

ولم تمضِ بضعة أيام على الاستعراض العسكري للوحدات الكردية، حتى نشر الحساب الرسمي على تويتر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صورةً تجمعه مع مسؤولين أتراك خلال محادثات هاتفية أجراها مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب. ووفق تقارير صحفية أمريكية، فإن ترامب أبلغ أردوغان خلال الاتصال الهاتفي أنّ الولايات المتحدة ستوقف الدعم المقدم للأكراد لأن عملية الرقة انتهت، وأن ترامب أعطى الأمر بشكل مباشر بإيقاف توريد الأسلحة لقسد التي تقودها الوحدات الكردية.

ويبدو أن تخلي واشنطن عن تقديم الدعم العسكري للأكراد، يحمل في مضمونه نوعًا من الخذلان، بعدما فشلت قسد في منع وصول النظام السوري مصحوبًا بالميليشيات الإيرانية إلى الحدود العراقية، وبعدما التقت قوات النظام المتواجدة في مدينة البوكمال مع مقاتلي الحشد الشعبي العراقي في مدينة القائم العراقية المتاخمة للحدود السورية، ما يعني أن إيران باتت قريبة من تحقيق طموحها بالسيطرة على طريق "بغداد – دمشق" السريع وصولًا إلى جنوب لبنان المعقل الأكبر لحزب الله اللبناني.

أشارت تقارير صحفية إلى أن محادثات هاتفية بين أردوغان وترامب، أكد فيها الأخير إيقاف واشنطن دعمها لقسد لانتهاء عملية الرقة

كما يشير ذلك أيضًا إلى أن واشنطن ترى في تركيا حليفًا استراتيجيًا مهمًا على المدى البعيد، بدلًا من الاعتماد على حلفاء محليين. وتأتي التحضيرات لمؤتمر سوتشي في ذات الإطار، حيثُ رفضت أنقرة بشكل قاطع أن يكون حزب الاتحاد الديمقراطي طرفًا من الأطراف السورية الحاضرة للاجتماع، بسبب صلات قيادييه المرتبطة بحزب العمال الكردستاني المدرج في تركيا ودول أخرى على لائحة المنظمات الإرهابية.

هل يفشل حلم الأكراد في الحصول على إقليم ذاتي؟

بالاستناد لمُجمل التقارير التي صدرت مؤخرًا بخصوص توحيد المعارضة السورية، أو الزيارة التي أجراها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى سوتشي، وما إلى ذلك من تقارير مرتبطة بذات الشأن؛ نقرأ بين السطور أن احتفاظ الأسد بالسلطة بات ضعيفًا، بالأخص أن التقارير تشير لاحتمالية تسمية نائب الأسد السابق فاروق الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية، ما يعطي إشارة أن موقف الأسد أصبح ضعيفًا أكثر من السابق، وأن توافقًا روسيًا تركيًا على شخصه بحاجة أن يلقى دعمًا إيرانيًا، التي ترفض بدورها تنحي الأسد عن السلطة.

اقرأ/ي أيضًا: استقالات بالهيئة العليا السورية للمفاوضات تضع الرياض في مأزق

وعليه فإن أي اتفاق للأكراد مع النظام السوري حاليًا، ما لم يلقَ قبولًا من الجهات الراعية لمؤتمر سوتشي، فسيكون مصيره الفشل. وكان أردوغان قد أكد في أكثر من مناسبة رفضه مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في أي مشاورات سياسية تجمع الأطراف السورية، مشددًا على أن أنقرة "لن تكون موجودة على الطاولة التي يتواجد عليها إرهابيون".

وقبل يومين أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، أن المرحلة الثانية من الانتخابات التي يشارك فيها 30 حزبًا، ستجري في الأول من الشهر المقبل كانون الأول/ديسمبر، على أن يتم انتخاب برلمان للأكراد في شمال سوريا مطلع العام الجديد، بعدما أجرت في أيلول/سبتمبر الماضي انتخابات لاختيار رؤساء ما يقارب 3700 بلدية، ما يدل على أنهم ماضون في اتجاه الضغط بشكل أكثر على الأطراف الدولية لمنحهم حكمًا ذاتيًا، رغم معارضة النظام السوري الذي طالبهم أن يستفيدوا من درس إقليم كردستان العراق.

كما أن وحدات الحماية تلقت ضربة موجعة بإعلان المتحدث الرسمي باسم قسد، طلال سلو، انشقاقه عنها، بعد التنسيق مع قوات المعارضة المدعومة من تركيا في مناطق درع الفرات، وبحسب ما نُقل، فإن سلو كان مستاءً من سيطرة الأكراد على مفاصل القرار في قسد، وتعمدهم تهميش المكون العربي والتركماني فيها، وهو الانشقاق الأول من نوعه على هذا المستوى في صفوف قسد.

في سياق إعادة ترتيب حساباتها في المنطقة، فعلى الأرجح ستتخلى واشنطن عن دعم قسد لتبحث عن شركاء أكثر فاعلية وتأثيرًا

وعلى هذا فإن مسألة عملية عفرين العسكرية التي يشهد محيطها تعزيزات عسكرية تركية، لا يزال موضع نقاش، كون جميع الأطراف لم تتفق على صورة واضحة قد تنجي المنطقة، غير أن وحدات الحماية، وكما يظهر من خلال استعراضها العسكري، تمضي حتى الآن في إطار توتير الأجواء المحيطة في محاولة منها لجر أحد الأطراف الدولية إلى المعركة، والظاهر أكثر أن واشنطن بدأت تعيد حساباتها في المنطقة ما يحتم عليها الاستغناء عن دعمها لقسد، والبحث عن شركاء أكثر فاعلية يمكنهم التأثير على باقي الأطراف الراعية لعملية الانتقال السياسي في سوريا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مؤتمرات صناعة العقدة السورية

20 معلومة لا بد من معرفتها عن سوريا