22-سبتمبر-2019

ما زال مصير دير الزور مجهولًا وسط ما يشبه حربًا إقليمية (Getty)

غارات جوية سعودية على مواقع للميليشيات الإيرانية في مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، تشير إلى أن سوريا لن تكون بمعزل عن الصراع بين واشنطن وحلفائها في الخليج من جهة وطهران من جهة أخرى، بسبب التمركز الإيراني في الأراضي السورية، وسعي الولايات المتحدة وحلفائها لضرب المصالح والمشاريع الإيرانية في المنطقة.

تسعى واشنطن التي تقود التحالف الدولي ضد "داعش" لتفكيك العلاقة البينية بين قسد والنظام السوري من خلال إيقاف إمدادات النفط المهرّب من قسد

تنتشر في محافظة دير الزور شرقي سوريا أكبر حقول النفط، كما كانت المنطقة الحدودية مع العراق آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، قبل اقتسام السيطرة عليها من قبل الأسد وقسد

في هذا السياق، كشفت صحيفة إندبندنت البريطانية أن السعودية شاركت في قصف مواقع لميليشيات إيرانية في مدينة البوكمال الخاضعة لسيطرة النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، في رسالة تحذيرية بعد "هجوم أرامكو".

اقرأ/ي أيضًا: مصير نقاط المراقبة التركية.. هل يكشف صراعًا بين أنقرة وموسكو؟

وتأتي الغارات السعودية بعد ضربة جوية نفذتها طائرات مسيّرة مجهولة الشهر الجاري ضد الميليشيات الإيرانية في البوكمال، أدت لمقتل وجرح العشرات، في حين اتهمت ميليشيا الحشد الشعبي إسرائيل بتنفيذها.

قسد تخرق العقوبات على النظام

 تنتشر في محافظة دير الزور شرقي سوريا أكبر حقول النفط، كما كانت المنطقة الحدودية مع العراق آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، قبل اقتسام السيطرة عليها من قبل نظام الأسد والقوات الروسية والميليشيات الإيرانية من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أمريكيًا من جهة أخرى، ما يجعل دير الزور منطقة مهيئة لصراع بين هذه القوى خاصة في حال تم التوصل لحل في إدلب.

وتسعى واشنطن التي تقود التحالف الدولي ضد "داعش" لتفكيك العلاقة البينية بين قسد والنظام السوري من خلال إيقاف إمدادات النفط المهرّب من مناطق سيطرة قسد إلى مناطق سيطرة النظام، رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على الأسد.

وأغلقت ميليشيا قسد الكردية في الأيام الماضية معظم المعابر الواصلة بين مناطقها  ومناطق النظام السوري، وذلك بأمر من التحالف الدولي، حسب صحيفة العربي الجديد، ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من قسد أن إغلاق المعابر جاء عقب أوامر تلقاها مجلس دير الزور المدني من قيادة التحالف الدولي وذلك تحت ذريعة إيقاف عمليات تهريب النفط من مناطق سيطرة قسد إلى مناطق سيطرة النظام السوري.

وفي السياق قام وفد روسي بزيارة حقل العمر النفطي في دير الزور، والذي يعد أكبر حقول النفط في البلاد وتسيطر عليه قسد بحسب وكالة الأناضول. وتسيطر ميليشيا قسد بدعم التحالف الدولي على معظم حقول النفط والغاز في ريف دير الزور، وذلك منذ الاستيلاء عليها عقب عمليات عسكرية جرت ضد "داعش".

وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا قالت فيه إن قوات سوريا الديمقراطية تخرق العقوبات الأمريكية والأوروبية وتدعم نظام الأسد بالنفط والغاز. وأشار التقرير الذي استمر العمل عليه لأكثر من أربعة أشهر ويغطي حتى تاريخ 14 من أيلول/سبتمبر الجاري، إلى أن أي عملية دعم اقتصادية أو عسكرية لصالح النظام سوف تساهم في تخفيف الضغط عنه وفي دعم قدراته العسكرية وأجهزته الأمنية.

وبحسب التقرير فإن حقول النفط الخاضعة لسيطرة قسد يمكن أن تنتج ما يقارب الـ 14000 برميل نفط يوميًا وقدر التقرير بأن قسد تبيع برميل النفط الخام للنظام بقرابة 30 دولارًا، أي بعائد يومي يقدر بـ 420 ألف دولار، وبعائد شهري يقدر بـ 12 مليون و600 ألف دولار، وبعائد سنوي يقدر بـ 378 مليون دولار، هذا غير عوائد الغاز.

ورجح التقرير أن تكون قسد قد حولت قسمًا من تلك الأموال إلى حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" المصنف على قوائم الإرهاب الأمريكية والتركية.

دير الزور.. مصالح دولية متشابكة

وأشارت مصادر غربية لعدة وسائل إعلام، إنه تم رصد الطائرات المقاتلة السعودية إلى جانب المقاتلات الأخرى التي هاجمت المنشآت والمواقع التابعة للميليشيات الإيرانية"، في إشارة إلى الغارات الجوية على الميليشيات التي تدعمها إيران في منطقة البوكمال شرق سوريا مساء الإثنين الماضي، وكانت هناك تقارير عن مقتل مسلحين عراقيين في الهجوم، لكن السعودية نفت ذلك لاحقًا.

وفي السنوات الأخيرة، وخاصة خلال الأشهر القليلة الماضية، زادت إسرائيل من الغارات الجوية على الميليشيات التي تدعمها إيران ومواقعها العسكرية. إذ تتهم إسرائيل والولايات المتحدة إيران باستغلال دعمها وتحالفها مع نظام الأسد لنقل الأسلحة عبر العراق مرورًا بسوريا إلى حزب الله في لبنان، ونشر قواتها ووكلائها في جميع أنحاء المنطقة من أجل ممارسة نفوذها، بحسب موقع "ميدل إيست مونيتور" الأمريكي.

ويضيف الموقع أن الكشف عن تورط السعودية عسكريًا وتعاونها مع إسرائيل هو جانب جديد في حملة البلدين لمواجهة النفوذ الإيراني. في وقت تتزايد فيه العلاقات العامة بين إسرائيل والسعودية. ويشير مراقبون إلى أن واشنطن تسعى لطرد الميليشيات الإيرانية المتمركزة في مدينة البوكمال، وذلك بمشاركة الفصائل الموجودة في قاعدة التنف، جنوب البوكمال، وعلى رأسهم "جيش مغاوير الثورة"، إضافة إلى قسد، المتمركزة شرقي الفرات.

وكانت الولايات المتحدة قد أعادت تدريب ودعم "جيش مغاوير الثورة" بعد توقف دام عامًا كاملًا، وقال قيادي في "مغاوير الثورة" لصحيفة العربي الجديد إنه "من المتوقع أن تكون المعركة ضد المليشيات الإيرانية كبيرة، وستشارك في المعركة إن انطلقت، الفصائل الموجودة في المنطقة إلى جانبنا، وهي جيش أسود الشرقية، وقوات الشهيد أحمد العبدو، وشهداء القريتين، وأحرار العشائر".

وأضاف أن "جيش مغاوير الثورة فتح باب التطوع في صفوفه، ومن المقرر استيعاب جميع الشبان المتقدمين للتطوع عبر فتح دورات تمتد لمدة 15 يومًا، يكون في صفوفها ما بين 50 إلى 75 متطوعًا".

ولفتت مصادر للصحيفة أن "بعض التوقعات كانت تميل إلى أن قسد تستعد لمواجهة أي عملية عسكرية قد تشنها تركيا، التي تتوعّد الأكراد وتطالب بمنطقة آمنة على الحدود السورية التركية، لكن اليوم يبدو أن وجهتها قد تكون بالاتجاه المعاكس، لطرد المليشيات الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني (المصنّف أخيرًا من واشنطن منظمة إرهابية) والتي حوّلت مدينة البوكمال موقعًا لها". وأضافت المصادر أن "مشروع قطع الطريق من إيران عبر العراق إلى سورية ولبنان، هو الذي دفع الأمريكيين للبقاء بقاعدة التنف".

وكان قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قد وجه الميليشيات التابعة لإيران في البوكمال، إلى الاستعداد لحرب محتملة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأكد عدم وجود خلاف مع النظام السوري بخصوص مواجهتها. وذكرت وكالة الأناضول أن سليماني زار معسكرات الميليشيات، وسط إجراءات أمنية مشددة، والتقى المستشارين العسكريين للحرس الثوري، وقيادات مختلف تلك المجموعات في المنطقة.

في المقابل أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب قمة أنقرة التي جمعت نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، أنه يمكن لما يصل إلى ثلاثة ملايين لاجئ سوري العودة إلى "منطقة آمنة" من المزمع إقامتها في شمال سوريا إذا تم توسيعها من الحدود التركية إلى محافظتي دير الزور والرقة.

توتر بين النظام وقسد

عزز النظام السوري من قواته في نقاط التماس مع ميليشيا قسد، وذلك بعد إغلاق المعابر الواصلة بين المنطقتين، في محافظة دير الزور، كما استهدفت قوات النظام موقعين عسكريين للميليشيات الكردية في المحافظة. وتتمركز في مدينتي البوكمال والميادين الخاضعتين لسيطرة النظام السوري العديد من المليشيات المحلية والأجنبية، من أبرزها "الحرس الثوري" الإيراني ومليشيا "فاطميون" الأفغانية.

اقرأ/ي أيضًا: حرب الناقلات.. هل فرضت طهران هيمنتها على مضيق هرمز؟

وقدم النظام السوري شكوى لمجلس الأمن الدولي حول ما وصفها بـ"الممارسات الإجرامية والقمعية" لميليشيات قسد، في حين اتهمت قسد النظام بالسعي إلى تضليل الرأي العام. وضمن استعداتها لأي تطور في المنطقة، تشن قوات النظام بشكل متكرر حملات اعتقال للشباب في دير الزور بهدف سوقهم إلى التجنيد الإجباري في صفوفها.

عزز النظام السوري من قواته في نقاط التماس مع ميليشيا قسد، وذلك بعد إغلاق المعابر الواصلة بين المنطقتين، في محافظة دير الزور، كما استهدفت قوات النظام موقعين عسكريين للميليشيات الكردية في المحافظة

ويشير مراقبون إلى أن روسيا قد تتفق مع أمريكا في مساعيها لطرد إيران من سوريا، كما أن حلفاء واشنطن في الخليج لديهم علاقات مع القبائل العربية المحلية في دير الزور ويمكن تفعيل هذه العلاقات، رغم أن مثل هذه الجهود قد تستلزم مبالغ كبيرة من المال ودعمًا عسكريًا على الأرض. ومع ذلك، فوفقًا لمقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في وقت سابق؛ ربما تكون واشنطن وموسكو قد قسّمتا بالفعل وادي الفرات؛ الرقة للولايات المتحدة ودير الزور لروسيا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 كيف غيّرت سوريا مقاربة إيران العسكرية؟