03-يوليو-2016

الرئيس الأمريكي أوباما مصافحًا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (Getty)

عرضت إدارة أوباما اتفاقية جديدة بشأن سوريا على الحكومة الروسية سوف تعمق التعاون العسكري بين البلدين ضد بعض "الإرهابيين" مقابل أن تجعل روسيا نظام الأسد يتوقف عن قصف المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة، حسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

 جوهر الصفقة الأمريكية الجديدة لروسيا، هو وعد أمريكي بتوحيد القوى مع القوات الجوية الروسية لاستهداف جبهة النصرة، مقابل ضغط روسي على الأسد

وأوردت الصحيفة أن الولايات المتحدة قد نقلت نص الاتفاقية المقترحة إلى الحكومة الروسية يوم الاثنين بعد أسابيع من المفاوضات والمداولات الداخلية بإدارة أوباما، حسبما أخبر أحد مسؤولي الإدارة جوش روجين الكاتب بالصحيفة. جوهر الصفقة هو وعدٌ أمريكي بتوحيد القوى مع القوات الجوية الروسية لمشاركة استهداف وتنسيق حملة موسعة ضد جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، والتي تحارب بالأساس حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.

اقرأ/ي أيضًا: المصالحة مع إسرائيل..تركيا تراجع موقفها الإقليمي

حسب المقترح، والذي أقره الرئيس أوباما شخصيًا ودعمه بشدة وزير الخارجية جون كيري، فإن الجيشين الروسي والأمريكي سوف يتعاونان على مستوى غير مسبوق، وهو شيء يسعى إليه الروس منذ وقتٍ طويل.

في المقابل، سوف يوافق الروس على الضغط على نظام الأسد لإيقاف قصف بعض جماعات المتمردين التي لا تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية. لن تعطي الولايات المتحدة روسيا المواقع الدقيقة لتلك الجماعات، حسب العرض، لكنها سوف تحدد المناطق الجغرافية التي سوف تكون آمنة من هجمات نظام الأسد الجوية.

وحسب روجين فإن وزير الدفاع أشتون كارتر كان معارضًا لتلك الخطة، لكنه اضطر في النهاية إلى التماشي مع قرار الرئيس. بالنسبة لكثيرين داخل وخارج الإدارة الذين خيب آمالهم اتخاذ البيت الأبيض للقرارات بشأن سوريا فإن الخطة الجديدة بها أوجه خلل قاتلة لأسبابٍ عديدة.

"أحد أوجه الخلل الكبيرة هو أنه من الواضح أن الروس ليس لديهم نية للضغط بقوة على الأسد"، حسب السفير الأمريكي السابق لدى سوريا روبرت فورد، وأردف أنه "وفي تلك الحالات عندما ضغط الروس عليه فإنهم لم يحصلوا على نتائج جيدة من السوريين".

ليس هناك الكثير من الاستخبارات الموثوقة للتمييز بين جبهة النصرة ومجموعات المتمردين الأخرى الذين يعيشون عادةً بجوارها، حسب فورد. وحتى إذا وافق السوريون على عدم قصف مناطق معينة، فإنه لن يكون هناك طريقة لمنع جبهة النصرة والآخرين من التحرك إلى مكانٍ آخر. علاوةً على ذلك فإن زيادة قصف جبهة النصرة سوف يسبب على الأرجح أضرارًا جانبية من بينها سقوط قتلى مدنيين، ما سيؤدي إلى زيادة الدعم المحلي لها.

"إنها لا تبدو منطقية بالنسبة لي"، قال فورد. "إذا كانوا يحاولون تدمير القاعدة في سوريا، فهل يعتقدون أن قصفها هو ما سيحقق ذلك؟ طائرات الإف-16 لا تحل مشكلات التجنيد مع الجماعات المتطرفة".

اقرأ/ي أيضًا: ماهي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

إن زيادة قصف جبهة النصرة سوف يسبب على الأرجح أضرارًا جانبية من بينها سقوط قتلى مدنيين، ما سيؤدي إلى زيادة الدعم المحلي لها

اشتكى أحد مسؤولي الإدارة من أن الخطة لا تتضمن تبعات بالنسبة للروس أو نظام الأسد إذا لم يفوا بالتزاماتهم في الصفقة. وقّع 51 دبلوماسيًا أمريكيًا خطاب احتجاج هذا الشهر داعين البيت الأبيض إلى استخدام قوة عسكرية محدودة ضد نظام الأسد كوسيلةٍ لزيادة الضغط على الأسد ومنح الولايات المتحدة نفوذًا حقيقيًا.

هدد كيري لأشهر أنه إذا لم يحترم الأسد وقف إطلاق النار الحالي، المعروف باسم "وقف الأعمال العدائية"، فإن هناك "خطة ب" تقضي بزيادة الأسلحة إلى المتمردين السوريين. لكن البيت الأبيض قد تخلى الآن عن تلك الخطة لصالح صفقة روسيا المقترحة، والتي في الواقع قد تترك المتمردين في وضعٍ أسوأ بكثير.

لأن أغلب مقاتلي جبهة النصرة يحاربون الأسد، فإن الأسد سيكون في وضعٍ أفضل كثيرًا إذا نجحت الخطة. بالإضافة إلى ذلك، سوف تصبح الجماعات العربية السنية التي مازالت تحارب الأسد في وضعٍ أضعف كثيرًا، حسب أندرو تابلر، وهو زميلٌ بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. قد تسمح تلك الاستراتيجية للأسد بالسيطرة على حلب، وهو ما سيكون انتصارًا ضخمًا له في الحرب الأهلية التي تدور رحاها في البلاد.

"إذا فتحت روسيا والولايات المتحدة النيران على جبهة النصرة، فسوف يغير هذا الديناميكيات على الأرض في حلب وإدلب"، قال تابلر. "سوف يفيد ذلك بالقطع نظام الأسد وربما يفيد الأكراد وداعش".

بالنسبة لروسيا، فإن الصفقة لا تتعلق فقط بسوريا. يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيادة التعاون العسكري كاعترافٍ بالأهمية الروسية وكوسيلةٍ لفك عزلة روسيا التي أعقبت التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا. لهذا كان كارتر معارضًا في البداية للخطة، حسب مسؤولين.

"كان الروس واضحين تمامًا في أنهم يرغبون في تعاونٍ عسكري مع الولايات المتحدة، ليس فقط لمكافحة الإرهاب، ولكن لتحسين وضعهم العالمي"، قال تابلر. "إنها طريقة للترحيب بهم مجددًا في الحظيرة".

رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي التعليق على تفاصيل العرض لكنه دافع عن مبادئه الأساسية.

يرغب البيت الأبيض في وقف إطلاق النار في سوريا لأطول مدة ممكنة، رغم الانتهاكات، كما يرغب في استمرار العملية السياسية، رغم عدم وجود تقدم

"لقد كنا واضحين بشأن التزامات روسيا لضمان التزام النظام بوقف الأعمال العدائية. لقد كنا أيضًا واضحين بشأن الخطر الذي تشكله القاعدة في سوريا لأمننا القومي"، قال كيربي. "نحن ندرس عددًا من التدابير لمعالجة هاتين المسألتين".

بالنسبة للبيت الأبيض فإن الأولوية في سوريا ليست إنهاء الحرب الأهلية السورية، وهو الأمر الذي يعتبره أغلب مسؤولي البيت الأبيض مستعصيًا، أو الإطاحة بالأسد. يعترف كبار مسؤولي الإدارة أن روسيا والأسد ينتهكون وقف إطلاق النار وأنهما فشلا في البرهنة على رغبتهما في المضي قدمًا في العملية السياسية. لكن البيت الأبيض قرر عدم العودة إلى خطة زيادة الضغط على نظام الأسد.

"من الناحية التحليلية فإنه من المستبعد أن يقود مسار التصعيد العسكري من قِبل أحد الطرفين أو الآخر إلى حلٍ نهائي في سوريا"، صرّح أحد كبار مسؤولي الإدارة، وأضاف "إنه طريقٌ مسدود بالأساس".

يرغب البيت الأبيض في الحفاظ على وقف إطلاق النار قائمًا لأطول مدة ممكنة، رغم الانتهاكات، كما يرغب في استمرار العملية السياسية، رغم عدم وجود تقدم.

"نريد الإبقاء على العنف عند أدنى مستوىً ممكن لأطول مدة ممكنة"، قال المسؤول، وأضاف "الأمر الذي علينا التفكير به هو ما هو البديل؟ البديل هو إما مستوياتٍ من العنف شهدناها منذ أشهرٍ مضت ... أو قد نشهد ازدياد العنف سوءًا".

أولوية البيت الأبيض في سوريا ليست إنهاء الحرب الأهلية

قال مدير المخابرات المركزية الأمريكية جون برينان يوم الأربعاء في كلمةٍ له أمام مجلس العلاقات الخارجية أن روسيا "تحاول سحق" القوى المعادية للأسد وأن موسكو لم تفِ بالتزاماتها فيما يتعلق بوقف إطلاق النار أو العملية السياسية في سوريا. رغم ذلك، قال برينان، فإن الولايات المتحدة في حاجةٍ للعمل مع روسيا.

"لن يكون هناك تقدم على الصعيد السياسي بدون تعاون روسي فعّال ورغبة روسية حقيقية في المضي قدمًا"، قال برينان.

يقول روجين إنه إذا كان ثمن ضم روسيا إلى العملية السياسية السورية هو التخلي عن المتمردين السوريين وتسليم الأسد مساحاتٍ شاسعة من الأرض، فإنها صفقةٌ سيئة. إنها صفقةٌ أسوأ إذا قبلت روسيا عرض الولايات المتحدة ثم لم تفِ بالتزاماتها.

واختتم روجين بأن إدارة أوباما تحاول على نحوٍ مفهوم إيجاد طريقةٍ مبتكرة لإنقاذ سياستها بشأن سوريا في أشهرها الأخيرة. لكن العرض الذي عرضه أوباما على بوتين سوف يكون له تكلفةٌ كبيرة على وضع الولايات المتحدة في مواجهة روسيا وأيضًا على الأزمة السورية بعد أن يغادر أوباما منصبه.

اقرأ/ي أيضًا:

الجوع.. سلاح داعش للسيطرة على سكان الفلوجة

دبلوماسيون أمريكيون يطرحون رؤية أخرى للحرب السورية