24-يونيو-2016

عمت دعوات الانفصال والدعوات المضادة بالبقاء عموم القارة الأوروبية (Getty)

استيقظ العالم اليوم على خبر تصويت البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، فما هي أسباب وتبعات ذلك القرار؟، المقال التالي ترجمة لتقرير "فوكس" يتحدث عن هذه التبعات.

قدّرت الحكومة البريطانية أن الخروج من الاتحاد الأوروبي قد يجعل الاقتصاد البريطاني أصغر بما يتراوح بين 3.8 و7.5 بالمئة بحلول عام 2030

____

صوت البريطانيون لصالح ما بات يعرف بالبريكسيت: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يعني هذا أنه في الأشهر القادمة سوف يبدأ القادة البريطانيون والأوروبيون في التفاوض على ترتيبات مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي.

سوف يؤثر خروج بريطانيا على الاقتصاد البريطاني وسياسة الهجرة والكثير بخلاف ذلك. سيستغرق الأمر أعوامًا كي تصبح العواقب الكاملة واضحة. لكن فيما يلي بعض أكثر التغيرات أهمية التي يمكننا توقعها في الأشهر المقبلة.

اقرأ/ي أيضًا: مصر..أحاديث المصالحة مرة أخرى

تستغرق عملية مغادرة الاتحاد الأوروبي أعوامًا

التصويت لصالح خروج بريطانيا ليس ملزمًا من الناحية القانونية، حيث أن هناك بعض الطرق يمكن من خلالها نظريًا تجاهله أو إبطاله. لكن، وكما تشير هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، "سوف يُعتبر تحدي إرادة الشعب كما عبر عنها في الاستفتاء، انتحارًا سياسيًا".

تقرر المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي إجراءات انسحاب دولة عضو من الاتحاد الأوروبي. تتطلب المادة من الدولة العضو أن تقوم بإشعار الاتحاد الأوروبي بانسحابها وتلزم الاتحاد الأوروبي حينئذ بمحاولة التفاوض على اتفاقية انسحاب مع تلك الدولة.

لكن التصويت لصالح البريكسيت لا يمثل إشعارًا رسميًا. قد يحدث الإشعار خلال أيام – على سبيل المثال، عندما تلتقي الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في قمةٍ من المخطط أن تُقام في الثامن أو التاسع والعشرين من يونيو الجاري. أو قد ينتظر المسؤولون البريطانيون بضعة أشهر قبل سحب الزناد.

بمجرد تفعيل بريطانيا للمادة 50، سوف يكون لديها مدة عامين تتفاوض خلالها على معاهدةٍ جديدة تحل محل ترتيبات عضوية الاتحاد الأوروبي. سوف يكون على قادة بريطانيا والاتحاد الأوروبي التفاوض حول تفاصيل قضايا مثل التعريفات الجمركية والهجرة والقواعد المنظمة لكل شيء من السيارات حتى الزراعة.

في أفضل الأحوال، قد تستطيع بريطانيا التفاوض على نفاذٍ إلى السوق الأوروبية لا يختلف كثيرًا عما لديها الآن. النرويج ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، لكنها وافقت على الالتزام بعددٍ من قواعد الاتحاد الأوروبي في مقابل نفاذٍ تنافسي إلى السوق الأوروبية المشتركة.

اقرأ/ي أيضًا: بحكم المحكمة..تيران وصنافير مصريتان

قد تسقط نتيجة التصويت الحكومة البريطانية

لم يكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يرغب في إقامة استفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي على الإطلاق. لكن في العام 2014، واجه كاميرون ضغطًا قويًا من اليمين الشعبوي حول الهجرة وعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. لتهدئة المعارضين في حزبه وإيقاف صعود حزب استقلال المملكة المتحدة اليميني المتطرف، وعد كاميرون بإقامة استفتاء على مغادرة الاتحاد الأوروبي إذا فاز حزب المحافظين بانتخابات عام 2015.

فاجأ المحافظون القائمين على استطلاعات الرأي بفوزهم بأغلبية مطلقة في البرلمان، وأوفى كاميرون بوعده. لكنه لم يكن مؤيدًا للخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث شارك بنشاط في الحملة الداعية إلى البقاء. في نفس الوقت، سمح كاميرون لأعضاء آخرين في حكومته بالمشاركة في حملات الطرف الآخر. خلق هذا مشهدًا لأعضاءٍ كبار في الحكومة البريطانية، من نفس الحزب، يشاركون في حملات طرفي نقيض أحد أكبر القضايا في السياسة البريطانية منذ عقود.

قد يضعف فوز الحملة الداعية إلى الخروج بشدة وضع كاميرون داخل الحزب. تعهد كاميرون بالاستمرار في منصبه حتى إذا رفض المصوتون موقفه بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي. لكن ذلك الموقف قد يثبت كونه غير قابل للدفاع عنه، حيث يمكن لتمردٍ بين أعضاء البرلمان من حزب المحافظين الإطاحة به من منصبه. قد يقود هذا إلى حكومةٍ جديدة يشكلها حزب المحافظين يقودها رئيس وزراء أكثر تشددًا تجاه الاتحاد الأوروبي، أو قد يقود إلى انتخاباتٍ جديدة.

ملحوظة: أعلن ديفيد كاميرون استقالته بعد ساعاتٍ من نشر المقال.

سوف يسبب البريكسيت مشكلاتٍ للاقتصاد البريطاني

على المدى القصير، يمكن للضبابية حول مستقبل علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، أكبر شريكٍ تجاريٍ لها، أن تدفع بالمملكة المتحدة إلى ركودٍ اقتصادي. يتوقع مراقبو السوق "انفجارًا للتطاير" صباح يوم الجمعة بينما تواجه الأسواق تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يتوقع الكثير من الاقتصاديين أن تفتتح البورصة البريطانية والجنيه الاسترليني التعاملات على انخفاضٍ صباح يوم الجمعة، حتى أن وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن قد ألمح إلى أنه قد يعلق التداول في سوق الأسهم إذا صوّت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.

على المدى القصير، يمكن للضبابية حول مستقبل علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لها، أن تدفع بالمملكة المتحدة إلى ركود اقتصادي

على المدى الطويل، قد يصبح الوضع أسوأ. إذا سقطت حكومة كاميرون فإن ذلك قد يضعف فرص بريطانيا في التفاوض على اتفاقٍ جيد مع الاتحاد الأوروبي. قد يقرر الاتحاد الأوروبي أن يبرم اتفاقًا قاسيًا حتى يثني بقية البلدان عن ترك الاتحاد. أو قد لا يكون زعيم المملكة المتحدة الجديد مستعدًا لقبول نوع القيود التي تأتي مع اتفاقٍ على الطراز النرويجي.

وهذا بدوره قد يخلق مشكلاتٍ جدية للشركات التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها.

"إذا كنت نيسان أو منتج سيارات آخر يملك خط إنتاجٍ كبير في المملكة المتحدة، اليوم، تسمح لك نفس المعايير البيئية ومعايير الأمن والسلامة بالبيع في كل مكانٍ في السوق الأوروبية"، حسبما أخبرني جاكوب فنك كيركجارد، وهو اقتصادي بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي. لكن إذا تركت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، "فلن تعود قادرًا على البيع في أسواقٍ أوروبية أخرى، ليس لأنك ستواجه تعريفة جمركية صغيرة وإنما لأنه سوف يكون عليك الحصول على مجموعة أخرى من شهادات الأمن والسلامة. سوف يتكرر هذا الأمر في جميع الصناعات التي يمكنك تخليها".

يقول النقاد إن الآثار الاقتصادية قد تكون هائلة. قدّرت الحكومة البريطانية أن الخروج من الاتحاد الأوروبي قد يجعل الاقتصاد البريطاني أصغر بما يتراوح بين 3.8 و7.5 بالمئة بحلول عام 2030، حيث يتوقف الأمر على ما سوف ينتهي إليه سير مفاوضات النفاذ إلى السوق الأوروبي. وجدت تقارير أخرى تبعاتٍ أصغر لكنها تظل كبيرة.

يعني البريكسيت ضبابية كبيرة بالنسبة للمهاجرين

أحد أكثر إنجازات الاتحاد الأوروبي أهميةً وجدلًا هو تأسيس مبدأ حرية الحركة بين بلدان الاتحاد. لدى مواطن بلدان الاتحاد الأوروبي حقٌ غير مقيد في العيش والعمل في أي مكانٍ داخل الاتحاد الأوروبي. استغل كلٌ من البريطانيون والأجانب تلك الفرصة.

إذا تركت المملكة المتحدة الاتحاد رغم اعتراضات المصوتين في اسكتلندا، فإن ذلك سيقوي موقف الانفصاليين هناك، وقد يؤدي هذا إلى اسكتلندا مستقلة

يعيش اليوم 1.2 مليون بريطاني في بلدانٍ أخرى بالاتحاد الأوروبي، بينما يعيش 3 مليون شخص من غير حاملي الجنسية البريطانية في بريطانيا. بفضل قواعد الاتحاد الأوروبي، كان هؤلاء قادرين على التنقل عبر القنال الانجليزي بالحد الأدنى من الأعمال الورقية. يمكن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن يغير ذلك إلى حدٍ بعيد.

من الممكن، بالطبع، أن تستطيع بريطانيا التفاوض على معاهدةٍ جديدة مع الاتحاد الأوروبي تستمر في السماح بحرية الحركة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن السخط على المهاجرين القادمين من الاتحاد الأوروبي – خاصةً القادمين من البلدان الأفقر التي تعاني اقتصاديًا مثل بولندا وليتوانيا – كان قوةً رئيسية تقود الدعم للخروج من الاتحاد الأوروبي. لذا فإن الحكومة البريطانية سوف تكون تحت ضغطٍ كبير لرفض استمرار الترتيبات الحالية.

في الحد الأدنى، سوف يعني ذلك أن الأشخاص المسافرين من وإلى بريطانيا سيصبح عليهم القلق بشأن قواعد جوازات السفر والإقامة. وقد يعني أن بعض المهاجرين في بريطانيا قد يفقدون حقهم في الاستمرار في العيش والعمل في المملكة المتحدة ويتم ترحيلهم.

"إن عملية الانسحاب غير مسبوقة"، قال متحدثٌ باسم الحكومة البريطانية منذ بضعة أسابيع. وأضاف: "هناك قدرٌ كبير من الضبابية بشأن كيف سيسير الأمر".

 البريكسيت قد يتسبب في تفكك المملكة المتحدة

أخبرني كيركجارد الأسبوع الماضي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يغير أيضًا المملكة المتحدة على نحوٍ أكثر جذرية. إنها تدعى المملكة "المتحدة" لأنها تتكون من أربع "بلدان" – إنجلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية. لكن إذا صوتت المملكة المتحدة لصالح ترك الاتحاد الأوروبي، فإنها قد لا تظل متحدةً لوقتٍ طويل.

أظهرت استطلاعات الرأي أن المقيمين في اسكتلندا يدعمون البقاء في الاتحاد الأوروبي على نطاقٍ واسع. لم يكن الاسكتلنديين تحديدًا راضين تمامًا عن الهيمنة الإنجليزية في أي وقت، كما أظهر تصويت 44 بالمئة منهم لصالح جعل اسكتلندا دولةً مستقلة في العام 2014. إنهم يفضلون بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي جزئيًا لأن ذلك يوفر ثقلًا موازنًا للسلطة الإنجليزية داخل المملكة المتحدة.

يتوقع كيركجارد أنه إذا تركت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي رغم اعتراضات المصوتين في اسكتلندا، فإن ذلك سيقوي موقف الانفصاليين هناك. قد يؤدي هذا إلى اسكتلندا مستقلة، والتي يرجح أن تتقدم بطلبٍ بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحدها.

لكن مؤيدي البريكسيت يشككون في هذا التحليل، حيث يشيرون إلى أن الدعم الاسكتلندي للانفصال قد تتضاءل في العامين الماضيين منذ التصويت الاسكتلندي – جزئيًا بسبب انخفاض أسعار النفط ما خفّض قيمة حقول النفط البحرية الاسكتلندية. كما أخبرني الاقتصادي البريطاني أندرو ليليكو، وهو مؤيدٌ لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي أن البريكسيت قد يقوي في الواقع ولاء الاسكتلنديين للمملكة المتحدة.

"تنمو الهوية الاسكتلندية مع ذبول الهوية البريطانية"، يجادل ليليكو، متابعًا: "إذا كانت الحكومة البريطانية وسيطًا بين أدنبرة وبروكسل فإنه بإمكانهم التخلي عنه. إذا أعادت بريطانيا تأسيس نفسها فإن الاسكتلنديين سوف يرون أنفسهم مجددًا كجزءٍ من الهوية البريطانية على نحوٍ متزايد".

اقرأ/ي أيضًا:

 مصر.. ثعابين في زنازين المعتقلات