06-يناير-2017

الرئيس الروسي بوتين مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (سيان جالوب-Getty)

لم يكن من المفاجئ أن تقابل روسيا طرد الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدبلوماسييها، والذي أعلنه يوم الثلاثاء ردًا على جهود الكرملين للتلاعب بانتخابات عام 2016، بلامبالاةٍ تامة. تبدو موسكو راضية بمشاهدة العد التنازلي، حيث تعلم أنه في العشرين من كانون الثاني/يناير سوف يُستبدل أوباما بمعجبٍ بروسيا في البيت الأبيض (ترامب) وصديقٍ قديم في وزارة الخارجية الأمريكية. هكذا بدأ جوشن بتنر، الصحفي الألماني وكاتب الرأي بصحيفة نيويورك تايمز والمختص بالشؤون الألمانية والأوروبية، مقاله بالصحيفة الأمريكية.

مع صعود السياسيين المتعاطفين مع موسكو في العالم، قد تكون ميركل هي الزعيم الأوروبي الوحيد المستعد للوقوف في وجه موسكو

لكن التحول لن يخلو من مساوئ، يتابع بتنر، فقد خسر الرئيس فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين أيضًا بعبعًا محبوبًا. خلال المستقبل القريب، لن يكون بإمكان الولايات المتحدة أن تخدم كعدو الدولة الروسية. لذا خمن من سيتأهل ليصبح البعبع الجديد؟ إنها أنجيلا ميركل.

اقرأ/ي أيضًا: نهاية نهاية الحرب الباردة

يوضح بتنر أن المستشارة الألمانية هي هدفٌ مثالي. تعقد ألمانيا انتخاباتٍ عامة في الخريف المقبل، ومع صعود السياسيين المتعاطفين مع موسكو، قد تكون ميركل المرشحة لولايتها الرابعة هي الزعيم الأوروبي الوحيد المستعد للوقوف في وجه موسكو.

منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، كانت ميركل هي الأكثر تأييدًا لمعاقبة روسيا. في العام التالي، رحبت ميركل بمليون لاجئ إلى ألمانيا، ودفعت بقية أوروبا إلى القيام بالمثل – وبالتالي، في تصور القوميين الروس، إضعاف الثقافة الأوروبية. وهي لا تزال تعتقد في اتحادٍ أوروبي متحدٍ ومندمج، يدعم القيم الليبرالية، ويكون حصنًا سياسيًا واقتصاديًا، على الأقل ضمنيًا، ضد روسيا.

يبدو أن روسيا تخطط لفعل ما فعلته مع هيلاري كلينتون وبقية الديمقراطيين في الولايات المتحدة عام 2016 مع ميركل وحلفائها عام 2017.

ففي النهاية، يشير بتنر، كان القراصنة الذين اخترقوا حواسيب الحزب الديمقراطي، المعروفين باسم مجموعة الدب البارع، هم ذاتهم الذين هاجموا شبكة البرلمان الألماني، وهم متهمون أيضًا بسرقة وثائق من أعضاء بالبرلمان. كل كشف بشأن كيف تدخلت روسيا في الانتخابات الأمريكية يعطي ألمانيًا نذيرًا بما يبدو أنها سوف تكون الانتخابات الأقذر والأصعب والأكثر إرهاقًا في التاريخ الألماني الحديث.

لكن ذلك النذير هو أيضًا الميزة التي تمتلكها ألمانيا. نحن نعلم شيئًا عن قدرات الروس وأساليبهم التقنية، وهو الأهم، "لدينا إدراك لتوجهاتهم الأيديولوجية، وكيف سيوجه ذلك هجماتهم". هنا يمكننا استخلاص دروس قيمة من الحرب الباردة. يقول بتنر إن ما تفعله روسيا اليوم يكاد يكون بالضبط النسخة الرقمية لما كان يسميه الألمان، قبل عام 1989، تسيرزتسونج Zersetzung. يصعب ترجمة المصطلح لكن أفضل وصف له هو أنه المكافئ السياسي لما يحدث عندما تصب حامضًا على مادة عضوية: التحلل والتفكك.

اقرأ/ي أيضًا: ألمانيا..ميركل تسعى نحو ولايتها الرابعة

أساليب تلك العملية هي إلقاء ظلالٍ من الشك على القواعد الأساسية للنظام الليبرالي الغربي ومؤسساته، وتشويه وبالتالي التشكيك في أهداف الاتحاد الأوروبي والناتو واقتصاد السوق الحر، وإضعاف مصداقية الصحافة والانتخابات الحرة. تتضمن وسائل القيام بذلك الاغتيال المعنوي وخلق منطقة رمادية من الشك، من خلال الأكاذيب والأخبار المفبركة، تكافح الحقائق كي تبقى فيها.

ليس هناك شك في أن تعليمات من روسيا قد أعطيت للقراصنة الذين هاجموا الحزب الديمقراطي الأمريكي، والذين يخططون الآن لهجمات ضد ألمانيا

لقد رأينا ذلك كله من قبل، موظفًا من قبل الكي جي بي والستاسي التابع لألمانيا الشرقية: الحرب النفسية، نشر الشائعات، مخططات رشوة السياسيين ثم فضحهم كمجرمين. لقد استخدموها داخليًا ضد المعارضين وخارجيًا ضد الأعداء الغربيين. ينبغي أن يعلم بوتين وزملاؤه السابقون من الكي جي بي أننا، هذه المرة، لدينا إدراك أفضل لألاعيبهم القذرة، وكيف قاموا بتحديث تسيرزتسونج ليصلح للإنترنت.

لدى الحكومة دور لتلعبه، لكن الصحفيين ومجموعات المجتمع المدني ينطبق عليهم نفس الشيء. نحن الصحفيين، يتابع بتنر، سوف نضغط على شركات مثل فيسبوك وتويتر كي تصبح يقظة تجاه الأخبار المزيفة، سوف نكشف أنماط البروباجندا السياسية الروسية أينما نراها.  

لكن على نفس قدر من الأهمية يأتي الوضوح بشأن الأيديولوجية التي تدفع تلك الهجمات. في سبتمبر، يقول بتنر، انضمت صحيفة دي تسايت مع إذاعة ZDF لكشف تفاصيل حملة التضليل شديدة التعقيد التي تقوم بها موسكو.  لقد اطلعنا على 10,000 رسالة بريد الكتروني أظهرت كيف قدم منظرون على صلةٍ وثيقة بإدارة بوتين النصيحة لحكومة المتمردين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا.

من بين رسائل البريد الإلكتروني كانت هناك وثيقة تضع "مبادئ توجيهية" يجب على الإعلام الموالي للمتمردين اتباعها، عبر تشويه الحقائق وفبركة الأخبار إذا استلزم الأمر. "روسيا اليوم لم تعد روسيا التسعينيات، لكنها تعمل بلا هوادة لإعادة تأسيس قوة الاتحاد السوفياتي. روسيا اليوم على قدم المساواة مع الغرب"، وتتابع الوثيقة: "إن هناك حربًا دبلوماسية تجري، لكن الغرب يعاني أيضًا في هذه الحرب، ومن غير الواضح من الذي سوف ينتصر".

يرى بتنبر أنه ليس هناك شك في أن تعليماتٍ مشابهة قد أعطيت للقراصنة الذين هاجموا الحزب الديمقراطي، والذين يخططون الآن لهجماتٍ ضد ألمانيا. ويختتم بتنر مقاله أنه من السهل رؤية من سوف ينهزم، ويتابع أن على بوتين ومزيفيه المستهترين أن يكونوا مدركين أن الشيء الوحيد الذي سوف يجنونه من هذا الاعتياد للكذب هو جيلٌ ضائع آخر من الروس، الذين كان من الممكن أن يخدموا بلادهم على نحوٍ أفضل عبر إعطائهم الفرصة لمواجهة التحديات الفكرية الصادقة والبناءة. إن حكومةً تسيء إلى العالم الخارجي كي تجعل روسيا تشعر بأنها عظيمة مجددًا لابد أن تفشل، كما فشلت من قبل.

اقرأ/ي أيضًا: