01-أكتوبر-2017

جان ميشال باسكيات/ أمريكا

آن الاوان لأكتب عنك، فسامحني...

لقد هبط الليلة حذاء من أعلى. كان هبوطًا خاطفًا لم أتبين معه أيًا من صفاته، ولا من صفات "الأعلى" هذا من حيث هبط. لا يمكن أن لا يكون لهذا الهبوط دلالة. خاصة وأنه تزامن مع ظهور عنكبوتين في سقف غرفتي، أبيض ثم أسود، صغيرين مشعرين بشكل لافت. ورغم اعتيادي على الظهور المفاجئ للعناكب فوق رأسي، لم يحدث أبدًا أن اجتمع عنكبوتان أبيض ثم أسود في ليلة واحدة.

كما أن لا أبواب مشت باتجاهي الليلة! لم ينحن عليّ أو يقبل جبيني أي منها. أنا نائمة على سريري تمامًا. على سريري بالضبط. لست أعلى الدرج ولا أسفله. لست كذلك على العتبة الخارجية. هذا يعني أنني لم أحاول رد حضنها المفتوح. بحلقت في سيجارة اللف، زنخة الرائحة، بين أصابعي. لم يتبق منها الكثير. "الله لا يوفقك يا خليل شو عملت براسي؟". غير أن السؤال الأخبث: "من خليل هذا؟".

من أنت الليلة يا خليل؟
خدامك يا ستي. الصبي الكندرجي خليل.
وماذا تفعل في حياتك أيها الصبي الكندرجي خليل؟
بصلّح كنادر
وما هي موهبتك؟
بعرف نوع الكندرة من ريحتها!

أحشر حذائي البلاستيكي الرخيص في فتحتي أنفه وأساله عن نوعه فيعجز. خليل لا يعرف إلا أحذية الماركات. يقبل قاع الحذاء كعنكبوت خبيث ومشعر.

كندرتك من السما يا ستي وانا ما بعرف إلا كنادر هالبلد
وما تلك بيمينك أيها الصبي الكندرجي خليل؟
علبة إسبيرتو، اصطلاحًا "بيرة"، ثمن هذه

ويشير إلى خلفيته المنتفخة التي تشبه عجيزة امرأة سمينة ذات باع واضطلاع.

نضحك طويلًا... نضحك حتى يصير أحدنا دخانًا ويتلاشى...

*

الساعة الآن الثانية وأربع عشرة دقيقة.

الحر خانق.

نجري أنا وأنت من زقاق إلى زقاق. نخلع ثيابنا كلها. يهيجنا الحر فنصرخ. أمامنا عين البلد. لنختبئ تحتها، كان هذا اقتراحك.

توقف عن إصدار هذه الأصوات وأنت تشرب. لماذا تمج الماء مجًا؟ وأغلق سطوح العين، لا تتركها تنقط في رأسي هكذا، أكاد أجن. ثم تعال هنا! لماذا تريد أن تزيل الطحلب الذي علق بأسنانك؟ ها؟ ما حاجة الغرقى للأسنان السليمة!

ابنة سميحة، يا ابنة سميحة... قومي بحول الله...

أعرف هذه المرأة، هذه امرأة تعرفني، أعرف صوتها.

خرجت أنا، هم أخرجوني. كنت منتفخة قليلًا، مبللة جدًا. أما أنت فظللت هناك، مشغولًا بالطحلب الذي علق عرضًا بين أسنانك، كما أنك، كما ستقول لي لاحقًا، لا تحب رائحة البخور.

*

بالأمس صدفة التقيت بامرأة تعرفني.

عرفت أنها تعرفني حين نظرت إلي نظرة العارف الموقن.

قالت أنا أعرفك. أنت ابنة سميحة...

قلت نعم رغم أن اسم أمي ليس سميحة.

قالت لديك وحمة أسفل كتفك اليمين.

قلت بلى وفوقها شامتان.

فصفعتني بأصابعها الغلاظ الشداد حتى دارت راسي قليلًا. ثم انهالت عليّ ضربًا بعصى خيزران رفيعة.

دار البخور وتعالت التمتمات وذُكِرت أشياء غريبة وكثيرة عن أرواح خبيثة وعن اأجساد طاهرة.

أمي كانت فوق رأسي تبكي... أكان اسمها سميحة؟!

تعال يا خليل...

*

الساعة الآن الثالثة وست دقائق.

الحر ما زال خانقًا.

زِد على ذلك أنفاسك النتنة.

أنت خائف. أعلم ذلك. أنت خائف من خوف الآخرين، أليس كذلك؟

تخاف ألا يتقبل الناس حقيقتك. ولكن يا عزيزي حقيقتك تثير الألم لا الخوف. من يعرفك حقًا يتوجع. إنه الألم الصادق الصافي الذي يبتدئ من الرأس ويزحف باتجاه الأسفل جارفًا في طريقه كل معنى للذة سواه. هذه الحمى في نخاع العظم. هذه الرجفة التي تعرفني، التي تعرفنا.

لا أنتظر منك شيئًا لكني أنتظرك رغم أني أعرف يقينًا أنك لا تغيب.

وأعرف يقينًا أيضًا أنني مللت من كل الأشياء حولي ومللت من الاستيقاظ على أمل الاحتمالات الرائعة لهذه الحياة. أن وجودك هنا ترف يبدو أنك لا تدركه...

نحن نتقاسم هذا الشيء المريح الذي يدعى "لا فرق". لا نطالب بَعضنا بالبقاء ولا بالرحيل. أنت لا تقول مثلًا أنت امرأة ذكية وأنا لا أقول أنت مستمع جيد. أفهمت الآن؟

والآن أخرج أصابعك من رأسي أرجوك. أنت تدغدغني.

وقل لي من أنت الليلة يا خليل؟

*

فلنسلك هذه الطريق سويًا ما رأيك؟

الكل نيام. نحن نائمان أيضًا. لكننا، معًا، نرغب بالمشي. هذه الطريق إلى أعلى مغرية، وقد نصادف بعض الأحذية.

ما المشكلة؟ لماذا لا تحدثني؟

فقدتَ صوتك؟ لا بأس بإمكاني أن أعيرك صوتي.

لا تريد؟ حسنًا.. على راحتك

تريد أن تلعب؟ ما زال لدينا ثلاث سجائر لف، بإمكاننا دائمًا أن نحصل على المزيد.

ممتاز!! اسمع، سأقول شيئًا فتصير أنت ما يوحي إليك قولي. يعني حين أقول قط بإمكانك أن تصير كرة صوف، وحين أقول قدم بإمكانك أن تصير بابًا وهكذا... لا!! بإمكانك أيضًا أن تصير حذاءً! لا أيضًا!

حسنٌ إن كان لا بد! تعال ارفعني إلى أعلى واهبط إلى سريري. ولكني أحذرك من أشيائي، إنها تمشي وتهبط وتظهر فجأة. كما أنني أحذرك جادة من أن يخطر ببالك سؤال خبيث على شاكلة "من هبة هذه؟".

*

ملاحظة: خليل حقيقي وموجود. لا أحد يعرف ذلك، ولا حتى خليل نفسه، إن كان اسمه حتى خليل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نبوءة حنا

علّمته الأسماء كلها