1. ثقافة
  2. أدب

أمبرتو إيكو وتجديد روح المثقف

30 أغسطس 2017
أمبرتو إيكو
خالد بن الشريفخالد بن الشريف

قال الكاتب والمفكر الإيطالي أمبرتو إيكو ذات يوم في حوار له مع الغارديان: "أجد أن إحدى سمات الإنسان هي القدرة على الكذب، فالكلب لا يكذب والحيوانات لا تكذب ولكن الإنسان يفعل ذلك"، وهو يحث على الكذب إذعانًا للسلطة. كان إيكو مثقفًا لا يشبه المثقفين في شيء، لا يحب التقوقع في البرج العاجي للأكاديمي، ولا يحابي السلطة أو المجتمع، كما أنه لا يلتزم بنمط الحياة المتجهم ككثير من الكتاب، بل كان رجلًا متفائلًا ونشيطًا وساخرًا، ويحب الاستمتاع بكل شيء، وينتقد الكل.

 أمبرتو إيكو: بين الحادية عشرة والثالثة عشر من عمري كنت أتمرن على تجنّب الرصاص

أمبرتو إيكو الذي رحل عن الحياة العام الماضي، عن عمر يناهز 84 سنة، خلّف وراءه قائمة طويلة من الأعمال، بين روايات وترجمات ومؤلفات أكاديمية ومقالات فذة، حققت له شهرة عالمية، لقد "كان نموذجًا استثنائيًا للمثقفين" كما وصفه رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي.

أمبرتو إيكو والسلطة

ترعرع أمبرتو إيكو في خضم الحرب العالمية الثانية، حيث شهد الحملة النازية التوسعية، كما عاش عصر الدكتاتورية في إيطاليا، عبّر مرة عن ذلك قائلًا: "بين الحادية عشرة والثالثة عشر من عمري كنت أتمرن على تجنّب الرصاص"، ومنه شاهد عن كثب كل مساوئ النزعات السياسية المتسلطة.

اقرأ/ي أيضًا: اكتشاف الدهماء

ولذلك كان أمبرتو إيكو على الدوام من المؤيدين لليسار السياسي والكارهين للدكتاتوريات في أنحاء العالم، فعارض سياسة رئيس الوزراء الإيطالي السابق بيرلسكوني منذ أن دخل البرلمان، ووجه له انتقادات لاذعة باعتباره ضد المثقفين، وهو السياسي الذي تفاخر بعدم قراءته أي رواية خلال 20 سنة. ويعد إيكو أحد المثقفين القلائل، الذين وضعوا تعريفًا دقيقا للفاشية، حيث نشر مقالًا له عام 1995، ذكر فيه 14 خاصية تميِّز الحركة الفاشية سواء كدولة أو كمجتمع، منها إعلاء التقاليد، وتخوين المخالفين، والخوف من الاختلاف، والذكورية، واحتقار الطبقات الكادحة، والشعبوية الانتقائية، بالإضافة إلى خصائص أخرى.

يرى أمبرتو إيكو أن الدكتاتوريين يلجؤون بكثرة إلى استخدام استراتيجية ترويج "المؤامرة العالمية" كسلاح للتأثير نفسيًا على الشعوب، وحشدها من أجل تلبية طموحات الدكتاتور الكبير، حيث يجد الناس في هذه الفكرة كبش فداء للتهرب من مسؤوليات الحقيقية في تردي أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

بجانب ذلك، يعتقد صاحب "اسم الوردة"، كما يذكر في كتابه "دروس في الأخلاق"، أن الفاشية تولد من المتضادات التبسيطية من نوع: نحن والآخرون، أو نحن الأخيار والآخرون الأشرار، أو نحن البيض وهم السود، وغيرها من الثنائيات الاستقطابية المتطرفة، المسؤولة عن تأجيج الأحقاد الطائفية وإشعال الحروب الدينية والقومية.

ورغم أن أمبرتو إيكو كان يصر على توجيه النقد للسلطة، إلا أنه في نفس الوقت لم يكن يحابي المجتمع، فقد قال في كتابه السالف، أنه "على المثقف ألا يكون بوقًا للثورة، لا لأنه يتهرب من اختيار الاصطفاف، بل لأن وظيفة المثقف تكمن في الكشف عن الالتباسات في الدولة والمجتمع".

بهذا المعنى، يكون أمبرتو إيكو مثقفًا عضويًا، بتعبير مواطنه الإيطالي أنطونيو غرامشي، إذ سعى إلى زعزعة الفكر السائد والبائد والشعارات المزيفة داخل المجتمع بهدف تجديد قيمه، وعارض السياسيين الدكتاتوريين، دون أن يستجيب لترغيب أو ترهيب من هم في السلطة، كما أنه لم يكن مثقفًا نخبويًا يتعالى على هموم الفئات الشعبية.

إيكو المثقف الموسوعي المرح

في عصر التخصص، قلة من المثقفين من هم موسوعيون، إيكو واحد منهم، ألّف في الرواية والنقد، وكتب في السياسة والمجتمع والسينما وحتى كرة القدم، فضلا عن أنه خط في الفكر والفلسفة، كان مثقفًا شاملًا يتدخل في كل المجالات، ويدلي بدلوه في كل القضايا، بعين ثاقبة وأسلوب مبدع، جمع بين صرامة الأكاديمي وذوق الفنان والحس والشعبي.

 أمبرتو إيكو: اليوم، المثقف تقال لكل شخص يشتغل قليلًا، أو للشخص الذي لا يشتغل

الروائي الإيطالي، الذي كان يحلم أبوه بأن يصبح محاميًا، اشتغل أيضًا في الصحافة لسنوات، حيث كان يكتب أمبرتو إيكو لمجلات إيطالية بشكل دوري، كما أنه عمل محررًا تلفزيونيًا في الخمسينات، مثلما درّس الهندسة المعمارية في جامعة فلورنسا وميلانو، وكان محاضرًا للسيميائيات في كليات عدة، ناهيك عن أنه كان يجيد العزف على الكلارينيت.

اقرأ/ي أيضًا: مدونة أمبرتو إيكو.. حدود المعرفة وفضاء الخيال

ما يميز أمبرتو إيكو أنه كان خاليًا من التضخم الذاتي والنرجسية التي تطبع عادة بعض المثقفين، وإنما كان كاتبًا رائقًا يسخر من كل شيء، ولا يتخلى عن حسه الفكاهي في حواراته الصحفية، إيكو يفضل أن يفتخر كونه روائيًا شعبيًا وليس أكاديميًا متزمتًا، حيث قال في حوار له: "في الواقع إن للروائي حياة أطول من الأكاديمي، ما عدا إن كنت ايمانويل كانت أو جون لوك، انظر معظم المفكرين اللامعين قبل 50 سنة قد أصبحوا اليوم في غياهب النسيان".

وسألته صحيفة "آ بي سي" الإسبانية في إحدى الأوقات عن مفهوم المثقف فأجابها قائلًا، "أنا لا أُعرفُه، لأنه مفهوم أبله. إذا كان المرء يشتغل برأسه ويفكر بطريقة إبداعية فإنه مثقف، فالفلاح الذي يفكر بطريقة جديدة ثورية لمزروعه أيضًا هو مثقف، أما اليوم فالمثقف يقال لكل شخص يشتغل قليلًا، أو للشخص الذي لا يشتغل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف يحفظ الأدب أرواحنا؟

بودريار: المثقف لا مستقبل له

كلمات مفتاحية
لوحة ضياء العزاوي Invaluable.com

دليلك إلى المجلات الثقافية العربية.. 5 كتب لا غنى عنها حول تاريخها ومستقبلها

حول تاريخ الصحف والدوريات الثقافية العربية

من اليمين: شيوا أرسطوئي - فروغ فرخزاد - بارنيا عبّاسي (شبكات تواصل اجتماعي)

شاعرات إيران: بارنيا وشيوا وفروغ.. تعددت الأجيال والقتل واحد

ثلاث شاعرات إيرانيات واجهن الظُلم عبر أنظمة مختلفة

من تصميم Isabel Seliger (نقلًا عن النيويوركر)

القراءة داخل السجون: حين يكون الأدب ضرورة وجودية

عن نزلاء السجون ومجتمع القراءة وإعادة اكتشاف الذات

العقوبات
سياق متصل

عقوبات أوروبية جديدة على روسيا.. هل تدفع بوتين نحو وقف إطلاق النار؟

فرَض الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة على روسيا، هي الثامنة عشر من نوعها، منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية شباط/فبراير 2022

الحرب السودانية
حقوق وحريات

بسبب ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.. عقوبات أوروبية جديدة على أطراف الحرب في السودان

فرَض الاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات الجديدة على شخصيات وكيانات سودانية ضالعة حسب الاتحاد في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتضطلع بأدوار تهدد السلام والاستقرار في السودان الذي يعاني من الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين

كوني فرانسيس - Getty
فنون

وفاة كوني فرانسيس.. أول مغنية أميركية منفردة تتصدر قائمة بيلبورد

رحيل الفنانة الشهيرة كوني فرانيسس عن عمر ناهز 87 عامًا

تظاهرة طلابية
حقوق وحريات

ملاحقة بسبب المواقف السياسية.. انتقاد إسرائيل يُهدد إقامة الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة

كشف مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية، أمس الجمعة، أن وزارته تأخذ بعين الاعتبار التصريحات "المعادية لإسرائيل" عند النظر في منح أو إلغاء تأشيرات الدراسة للطلبة الأجانب، حتى في غياب تعريف رسمي لـ"معاداة السامية" داخل الوزارة، وهو ما أثار مخاوف المدافعين عن حرية التعبير في الأوساط الأكاديمية