18-سبتمبر-2021

تشهد ألمانيا أكثر الانتخابات تقلبًا (Getty)

يتوجه الألمان في يوم الـ26 من أيلول/سبتمبر الجاري إلى صناديق الاقتراع لاخيتار خليفة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد 16 عامًا قضتها في حكم الدولة المصنفة على أنها أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية، في وقت يشهد الاتحاد الأوروبي انقسامًا حادًا حول قضية اللاجئين، فضلًا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل أقل من عام من عودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض مع الرئيس جو بايدن.

يتوجه الألمان في يوم الـ26 من أيلول/سبتمبر الجاري إلى صناديق الاقتراع لاخيتار خليفة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد 16 عامًا قضتها في حكم الدولة المصنفة على أنها أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية

ألمانيا أمام خيارين لا ثالث لهما

عكست كلمة ميركل في البوندستاغ (المجلس التشريعي) في أخر اجتماع يعقد قبل أقل من 20 يومًا على موعد الانتخابات التشريعية مدى التراجع الذي تشهده شعبية خلفيتها أرمين لاشيت عن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم مع شقيقه الأصغر الحزب الاجتماعي المسيحي (يمين الوسط)، أمام تقدم أولاف شولز مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي في استطلاعات الرأي.

اقرأ/ي أيضًا: استطلاعات الرأي في ألمانيا تتوقع تراجعًا كبيرًا لحزب ميركل

في كلمتها الأخيرة أمام البوندستاغ بصفتها المستشارة الألمانية جددت ميركل دعمها لخليفتها المحتمل في المستشارية، وحذرت من تشكيل ائتلاف حاكم مؤلف من الاشتراكي الديمقراطي إلى جانب حزب الخضر والأحزاب اليسارية (يسار الوسط)، في خطوة إن حدثت سيكون لها تداعياتها على مستوى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) قبل المستوى المحلي في ألمانيا الاتحادية.

فقد خيّرت ميركل الناخبات والناخبين الألمان بين حكومتين لا ثالث لهما، إما حكومة من الاشتراكيين والخضر يقودها شولز، وهو ائتلاف أعلن أنه لن يرفض دعم الأحزاب اليسارية، أول على أقل تقدير لم يستبعد الائتلاف المحسوب على يسار الوسط مثل هذا الدعم، أو حكومة يقودها التحالف المسيحي بزعامة لاشيت، وهو ما يبدو صعبًا نظرًا لاستطلاعات الرأي، على عكس الانتخابات السابقة التي ضمنت فيها ميركل منصب المستشارية منذ عام 2005.

واعتبرت ميركل في كلمتها التي قوبلت بصيحات استهجان داخل البوندستاغ أن "أفضل طريق لبلدنا هي حكومة اتحادية يقودها الحزب المسيحي الديمقراطي/الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري مع أرمين لاشيت في منصب المستشار الاتحادي"، مضيفة أن مثل هذه الحكومة ستضمن الاستقرار والموثوقية والاعتدال والوسطية، وقالت: "هذا هو بالضبط ما تحتاجه ألمانيا".

على الطرف المقابل كان شولز الذي يشغل منصب وزير المالية في حكومة ميركل أكثر هدوءًا ودبلوماسية، بعدما شكر المستشارة الألمانية على تعاونهما معًا واصفًا إياه بـ"الجيد"، قبل أن يضيف مشددًا على أن أولويات الحكومة الاتحادية في حال تسلّمه منصب المستشارية ستكون حول قضايا مكافحة الفقر، والمزيد من الأموال للإسكان والمعاشات التقاعدية المستقرة التي تمثل ضمانات لتماسك المجتمع، والمعاشات التقاعدية، ومكافحة التغيير المناخي.

يمين الوسط يتراجع أمام الاشتراكي الديمقراطي في استطلاعات الرأي

وفقًا لاستطلاع الرأي الذي أجرته النسخة الأوروبية من مجلة بوليتيكو، فإن الاشتراكي الديمقراطي يتصدّر قائمة الأحزاب بـ25 بالمائة من النقاط، فيما تراجع  تحالف المسيحي الديمقراطي/الاجتماعي المسيحي إلى 21 بالمائة، وجاء ثالثًا حزب الخضر بـ17 بالمائة، وبالتالي فإن حكومة سيقوم شولز بتشكيلها يتوّجب عليها الحصول على دعم أحزاب اليسار أو الديمقراطيين الليبراليببن إلى جانب الخضر طبعًا.

ومع ذلك فإنه وفقًا لتقرير من إعداد مجلة ذي إيكونوميست الأسبوعية فإن شولز الاشتراكي الديمقراطي الذي كان شريكًا في الحكم خلال الأعوام الثمانية الماضية بصفته وزيرًا للمالية، كان ضعيفًا في استطلاعات الرأي حتى ما قبل آب/أغسطس الماضي، على الرغم من عمله على زيادة الحد الأدنى من الأجور، والتغييرات التي أدخلها على قانون العمل، بينما كان حزب الخضر الذي يُعرف بالتزامه اتجاه التغيير المناخي يتأرجح في استطلاعات الرأي، على الرغم من ارتفاع شعبيته منذ انتخابات 2017.

أما على صعيد باقي الأحزاب يوجد لدينا الحزب الديمقراطي الحر الذي تبلغ نسبة شعبيته في استطلاع الرأي 13 بالمائة، وهو من الأحزاب التي تضم خليطًا من الليبراليين والشعبويين الذين يطالبون بإصلاحات اقتصادية واجتماعية، بينما سيعتمد حزب البديل من أجل ألمانيا المتطرف ببرنامجه الانتخابي على الشعبية التي حققها في الانتخابات الأخيرة، بعدما حصل على نسبة 11 بالمائة من تأييد الألمان، معظمهم في شرق ألمانيا.

وتأتي لدينا أخيرًا أحزاب اليسار التي تتمتع بنسبة ستة بالمائة من التأييد في ظل برنامجها الانتخابي الذي يركز أن تكون الحكومة الألمانية هي المسيطرة على الاقتصاد، فضلًا على دعواتها للانسحاب من حلف الناتو، وفي حال فشل اليسار الألماني بالحصول على 5 بالمائة في الانتخابات، فإنه لن يتمكن من دخول البوندستاغ، مما سيشكل أزمة لشولز الذي يعول على دعمهم في تشكيل ائتلاف حكومي.

في تعليقها على أحدث استطلاعات الرأي المرتبطة بالانتخابات الأخيرة، أشارت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية إلى أن ألمانيا ستحتاج في هذه الانتخابات إلى ثلاثة أحزاب بدلًا من حزبين لتشكيل الحكومة، واختيار الاسم الفائز بمنصب المستشارية الجديد، وهو ما قد يؤدي إلى بقاء ميركل في منصب المستشارية لعدة أشهر، مرجعة ذلك إلى صعوبة المفاوضات بين الأحزاب السياسية في ظل صعود الاشتراكي الديمقراطي من المركز الثالث إلى المركز الأول في استطلاعات الرأي خلال شهر واحد فقط.

بماذا تختلف انتخابات العام الجاري عن انتخابات 2017؟

من الواضح أن الانتخابات الألمانية الحالية تشهد تبدلًا في آراء الناخبات والناخبين الألمان كما تظهر استطلاعات الرأي عند مقارنتها مع نسبة تأييد الأحزاب في عام 2017، والتي حظي فيها تحالف ميركل الحاكم بنسبة 32.9 بالمائة من التأييد، أمام حصول الاشتراكي الديمقراطي على نسبة 20 بالمائة، فيما كان حزب الخضر في أدنى مستوى بنسبة 8.9 بالمائة مقابل صعود البديل من أجل ألمانيا إلى 10.7 بالمائة.

في تقرير الصحيفة البريطانية عينه تشير إلى أن المحللين الأوروبيين أثنوا على أداء شولز في المناظرة التلفزيونية، إذ أنه بينما تبادل المرشحون والمرشحات لمنصب المستشارية الهجوم فيما بينهم، كان شولز "هادئًا" الأمر الذي يجعله "المرشح الأكثر خبرة" لشغل منصب المستشارية. ومع ذلك فإن المحللين ينظرون إلى الانتخابات الحالية على أنها "الأكثر تقلبًا" في تاريخ الحياة السياسية الألمانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكنهم يشيرون كذلك إلى أن ميزان القوى بين الأحزاب السياسية بدأ يتغير أيضًا.

وعلى عكس شولز يظهر أن أحد الأسباب التي أدت إلى تراجع مرشح يمين الوسط لاشيت كان ظهوره في أحد المقاطع يضحك خلال الزيارة التي أجراها إلى المناطق الألمانية التي تأثرت بموجة الفيضانات الأخيرة، وترى تلغراف أن الانتخابات الحالية قد تسجل أسوأ نتيجة للمسيحي الديمقراطي بعد انخفاض نسبة شعبيته من 40 بالمائة إلى 20 بالمائة، لذا فإنه من غير المستبعد أن يعمل على تأسيس تحالفات جديدة من أجل الحفاظ على السلطة.

وعلى الرغم من الخلافات الواضحة في برنامج الأحزاب الانتخابية، فإنها تتفق جميعها في سياستها الاقتصادية التي تتأرجح بين إنفاق المزيد من الأموال أو خفض الضرائب، وهو الأمر الذي كان سببه التداعيات السلبية التي فرضتها الجائحة العالمية، والمتوقع أن تؤدي إلى تحول كبير في السياسات الاقتصادية على المستوى المحلي في ألمانيا، بل ستمتد إلى الاتحاد الأوروبي.

في العموم تتوضح أكثر خطة الاشتراكي الديمقراطي الاقتصادية في حال وصول شولز إلى منصب المستشارية من خلال تركيزها على تعزيز المستويات المنخفضة من الاستثمار العام، فضلًا عن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 12 يورو بدلًا عن 9.50 يورو في الساعة، يضاف إليها بناء أربعة آلاف وحدة سكنية في السنة، مع إدخال زيادة ضريبة على أصحاب الدخل المرتفع إلى جانب ضريبة على الثروة، مما يدخله في محادثات معقدة مع الأحزاب التي يرغب بتشكل ائتلاف حاكم معها.

أهم الملفات التي ستواجه الفائز بمنصب المستشارية؟

في تقرير منفصل من إعداد نيويورك تايمز تقول إن أهم النقاط التي سيركز الشخص الفائز في منصب المستشارية عليها، تدور حول تعافي ألمانيا من التداعيات السلبية للجائحة العالمية من خلال التركيز على إنعاش الاقتصاد المحلي، وكذلك الأمر مع الأزمة المناخية بعد الفيضانات الأخيرة، والتي ترى بأن هاتين القضيتين من القضايا الأكثر إلحاحًا، فضلًا عن نقاشات الرقمنة وضمان المساواة الاجتماعية.

ويندرج ذلك على السياسة الخارجية حيث تتوقع الصحيفة أن يسعى كلا المعسكرين يمين الوسط ويسار الوسط إلى الاستمرار في التعاون التجاري مع الصين، وكذلك الأمر مع روسيا بما يتضمن بدء العمل بمشروع خط أنابيب السيل الشمالي-2 الذي يورد الغاز الطبيعي إلى ألمانيا مرورًا بأوكرانيا، وذلك رغم المعارضة الشديدة للمشروع من حلفاء ألمانيا في كتلة الدول الشرقية، فيما يسجل هنا رفض حزب الخضر للمشروع، الذي يتفق مع جميع الأحزاب على انتماء ألمانيا إلى الاتحاد الأوروبي، باستثناء حزب البديل الذي يرفض الفكرة.

وفي هذا الخصوص يبرز موقف حزب الخضر الذي يطالب باتخاذ إجراءات أكثر صرامة اتجاه الدول الأعضاء في دول الاتحاد الأوروبي الذين لا يؤيدون دعم المبادئ الديمقراطية التي يقوم عليها الاتحاد، في إشارة إلى هنغاريا وبولندا، وفيما تفاوتت آراء الأحزاب بشأن أزمة اللاجئين الأفغان لكنها اتفقت بالمجمل على استقبالهم على أساس نظام المحاصصة الأوروبي، على عكس حزب البديل الذي فشل في استثمار قضية اللاجئين الأفغان لصالحه في الانتخابات على غرار أزمة اللاجئين السوريين في عام 2017.

 أهمية الانتخابات الألمانية تبرز من ناحية أنها أكبر اقتصاد في أوروبا، كما أنها تمثل رابع أكبر اقتصاد في العالم، وهي من الدول الأعضاء في مجموعة السبع

وترى الصحيفة أن أهمية الانتخابات الألمانية تبرز من ناحية أنها أكبر اقتصاد في أوروبا، كما أنها تمثل رابع أكبر اقتصاد في العالم، وهي من الدول الأعضاء في مجموعة السبع، الأمر الذي ساعد على التوجه للسياسات الداعمة لمواجهة الأزمة المناخية بتأييدها لها، وكانت من الدول التي ضغطت نحو فرض عقوبات اقتصادية مشددة على روسيا بعد إعلانها ضم شبه جزيرة القرم، وهي ملفات ستكون إشكالية بالنسبة لخليفة ميركل في منصب الاستشارية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

كيف يبدو مستقبل ألمانيا وأوروبا بعد رحيل أنجيلا ميركل؟