15-فبراير-2020

يزيد البرد القارس من معاناة النازحين في شمال سوريا (أ.ب)

الموت بردًا أو بصواريخ نظام الأسد وروسيا، هو المشهد الذي يحكم حياة النازحين من ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي، مع ازدياد حدة العمليات العسكرية للنظام والمليشيات الموالية له بدعم جوي روسي.

الموت بردًا أو بصواريخ نظام الأسد وروسيا، هو المشهد الذي يحكم حياة النازحين من ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي

قرب الحدود مع تركيا، تشن العواصف الجوية هجماتها على مخيمات النازحين والمهجّرين قسريًا، حيث وصلت درجة الحرارة في الأيام الماضية إلى ست درجات مئوية تحت الصفر، ما أدى لوفاة عدد من السكان بينهم أطفال، وسط ضعف في المساعدات الإنسانية التي أعلنت الأمم المتحدة أنها غير قادرة على تأمينها لجميع النازحين الذين تجاوزوا المليون نازح، ليبدو أن العمل على وقف هجمات النظام السوري والقوات الروسية، هو الحل الأنسب لوقف معاناة المدنيين.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب في وجه المأساة

البرد أيضًا يقتل السوريين

يقطن معظم النازحون في مبان غير مكتملة وخيام غير مجهزة لمواجهة صقيع الشتاء، ليبرز البرد تهديدًا حقيقيًا لحياة السوريين التي تتسم بعدم الاستقرار، إذ وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها، وفاة 167 سوريًا بسبب البرد منذ بداية الثورة السورية في آذار/مارس عام 2011 وحتى 31 كانون الثاني/يناير 2020

وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن من بين ضحايا البرد خلال نفس الفترة، 77 طفلًا و18 امرأة. ومن بينهم أيضًا 25 مدنيًا قضوا بالبرد في أقبية سجون النظام السوري.

ويتوزع ضحايا البرد بحسب مناطق السيطرة على النحو التالي: 

  • 146 في مناطق سيطرة قوات نظام الأسد.
  • 11 في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
  • 5 في مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). 
  • 5 خارج سوريا، أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوروبا.

أما بالنسبة لتوزع الضحايا على المحافظات، فكان كالآتي: 

  • 60 في حلب.
  • 33 في حمص.
  • 15 في ريف دمشق.
  • 12 في إدلب.
  • 11 في حماة.
  • 10 في دير الزور.
  • 9 في الحسكة.
  • 8 في درعا.
  • 4 في دمشق.
  • 3 في الرقة.
  • 1 في اللاذقية.
مخيمات النازحين السوريين
الثلج يغطي مخيمات النازحين في شمال غرب سوريا

ومؤخرًا تسبب البرد القارس في وفاة أكثر من 10 سوريين، قضوا اختناقًا بسبب إغلاق جميع منافذ خيمتهم خوفًا من الموت بردًا، بينهم ستة أطفال وعائلة مكونة من أربعة أشخاص.

وفي ظل ذلك الوضع، يتواصل نزوح المدنيين هربًا من صواريخ النظام والغارات الروسية ومختلف الأعمال العسكرية في كل من إدلب وريف حلب الغربي، حيث ينزح المدنيون ليلًا من مدينتي الأتارب ودارة عزة والقرى المجاورة، مشيًا على الأقدام، تجنبًا لغارات النظام وروسيا.

وخلال اليومين الماضيين، وثّق "منسقو استجابة سوريا"، نزوح أكثر من 36 ألف مدني من شمال غرب سوريا، لترتفع أعداد النازحين منذ 16 كانون الثاني/يناير الماضي إلى 80 ألفًا و922 ألف عائلة بواقع 462 ألفًا و747 نازح، فيما وصل إجمالي عدد النازحين منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2019 إلى 845 ألفًا و213 نازح.

وتعاني المخيمات من الاكتظاظ، وكذا المساجد والمدارس، كما أصبح العثور على مبنى مكتمل يمكن استخدامه للإيواء، أمرًا صعبًا، ليؤدي النزوح إلى زيادة عدد المخيمات خلال الشهرين الماضيين إلى 1259 مخيمًا، يقطنها أكثر من مليون نسمة. من بين هذه المخيمات، ثمة 348 مخيمًا عشوائيًا يقطنها أكثر من 181 ألف نازح. وبحسب "منسقو الاستجابة"، فإن الغالبية العظمى من النازحين هم من النساء ومن الأطفال المتوقفون عن التعليم بسبب الأوضاع الحالية.

سوريا قد تتحول إلى مقبرة جماعية

خلال الأسابيع العشرة الماضية، وبعد انهيار وقف إطلاق النار الذي لم يدم طويلًا، نزح حوالي 700 ألف سوري، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة. ووصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، النزوح الأخير بأنه الأكبر خلال فترة واحدة منذ أن بدأت الأعمال العسكرية في عام 2011.

وهناك نحو 3.6 مليون مدني محاصرون في منطقة صغيرة بين الحدود التركية ومنطقة المعارك العسكرية، الأمر الذي دفع بجينس ليرك من مكتب أوتشا، لأن يصرح بأن "سوريا بها أكبر تجمع للنازحين في العالم، وهي بحاجة ماسة إلى وقف الأعمال العسكرية حتى لا تتحول إلى مقبرة".

فيما قال مارك كوتس، نائب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي بالأمم المتحدة للأزمة السورية: "نتلقى الكثير من التقارير عن موت الأطفال والأشخاص الذين يعانون بسبب انخفاض حرارة الجسم"، واصفًا الوضع بـ"المُروّع".

أما مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فقد عبّر في مقال نشرته صحيفة تيلغراف البريطانية، عن "عمق المأساة وخيبة الأمل" في شمال سوريا، قائلًا: "ما يحتاجه سكان إدلب هو الوقف الفوري للأعمال العدائية، والهجمات على المدنيين وعلى البنية التحتية المدنية. لم يبق لأبناء إدلب أي مكان للذهاب إليه، وقد انتقل كثير منهم بالفعل عدة مرات. وأينما ذهبوا تلحقهم القنابل. السوريون يعانون من صدمة، إنهم يشعرون بتخلي العالم عنهم".

لكن لا يبدو أن التحذيرات الأممية، وصيحات الاستغاثة تلقى صدى لدى المجتمع الدولي، خاصة مع مخاوف الدبلوماسيين الغربيين، من أنه في حال فتحت تركيا حدودها مرة أخرى، فإن أوروبا ستواجه موجة لجوء جديدة.

عمليات الإغاثة مهددة

من جهة أخرى، تواجه عمليات الإغاثة تهديدات مستمرًا جراء قصف النظام السوري. ومنذ نحو أسبوع قصفت قوات الأسد مستودعًا للإغاثة الإنسانية. وقد اضطرت العديد من المنظمات الإنسانية إلى نقل موظفيها ومرافقها من مناطق الشمال السوري.

وخلال الأسبوعين الماضيين قتل ثلاثة عاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، وتوقف أكثر من 70 مركز صحي ومستشفى عن العمل بسبب هجمات قوات الأسد والقوات الموالية له، الأمر الذي يهدد بتفشي الأمراض والأوبئة بين السكان والنازحين دون ردع.

النازحون السوريون
وصل إجمالي عدد النازحين في سوريا منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2019 إلى 845 ألفًا و213 نازح

ووفقًا لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فالأزمة الإنسانية الحالية غير مفاجئة، إذ سبق وحذّرت الأمم المتحدة منها قبل شهور. وعن ذلك يقول لوكوك: "لقد أطلعت مجلس الأمن الدولي شهرًا بعد شهر على عواقب التقاعس عن العمل. منذ الصيف الماضي شهدنا حالة من الجمود والانقسام"، لافتًا إلى تعطيل روسيا، باستخدام الفيتو، مقترحًا لآلية نقل المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود.

ما هي الخيارات المطروحة؟

يرى مراقبون أن تركيا تحاول كسب الوقت من خلال إبطاء وتيرة تقدم قوات النظام بالقوة وتوجيه الإنذارات العسكرية إلى دمشق، إلا أنها قد تضطر في النهاية إلى اختيار إما السماح للنازحين داخليًا بعبور الأراضي التركية باتجاه أوروبا، أو إرسالهم إلى مناطق تحت سيطرة فصيل الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا (الجيش الوطني السوري) في جرابلس وعفرين وأعزاز.

 وقد يؤدي فتح الطريق إلى دول الاتحاد الأوروبي إلى وقف مساعداته المالية إلى السوريين في تركيا، إذ إن معظم اللاجئين السوريين لا يريدون العودة إلى بلد مدمر، خاصة وأنه قد يتعرض الكثير منهم فيه للانتقام بسبب معارضتهم لنظام الأسد.

في حين أن الاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري، سيتطلب تنمية اقتصادية هائلة وأمنًا محليًا كبيرًا، وهما عنصران غير متوافرين حتى الآن.

يرى مراقبون أن تركيا قد تضطر في النهاية إلى السماح للنازحين داخليًا بعبور الأراضي التركية باتجاه أوروبا

هذا وكانت تركيا قد طرحت خطة لإنشاء منطقة آمنة على عمق 32 كيلومترًا من نهر دجلة شمال شرق سوريا وصولًا إلى إدلب، وإعادة أكبر عدد ممكن من اللاجئين السوريين إلى هناك، فهل سيختار الاتحاد الأوروبي تمويل المنطقة الآمنة بدلًا من المخاطرة في انهيار اتفاق الهجرة مع تركيا؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

إدلب في سياق التوتر التركي الروسي.. ماذا يحدث؟

حملة النظام السوري للسيطرة على الطريق الدولي.. هدف أم ذريعة؟