09-فبراير-2017

صورة تعبيرية للعالم العربي (Getty)

كانت الحافلة الصغيرة التابعة لـ"أمانة المهرجان الوطني للمسرح المحترف" تنهب الطريق السيّار، متوجهة إلى تلمسان من الجزائر العاصمة، في أيّار/مايو 2011، وكانت بقايا الربيع التي عزّزها مطر رحيم تلفت انتباه رفاق الرحلة إلى أن هناك جمالًا خاصًا في هذه البلاد، عليهم أن يكفوا عن الكلام حتى لا يفوتهم، هناك نوع من الجمال علينا أن نتعاطاه صامتين، وإلا فاتتنا أسرارُه، "فالصّمتُ في حضرة الجمال جمالُ".

هناك نوع من الجمال علينا أن نتعاطاه صامتين، وإلا فاتتنا أسرارُه

كنا ستة: كاتب هذه السّطور ـ الشّاعرة التونسية راضية الشهايبي ـ الشاعر المصري المقيم في إسبانيا أحمد يماني ـ القاص والإعلامي الفلسطيني الأردني المقيم في قطر محمد هديب ـ الباحث المسرحي والإعلامي السوري أنور محمد، وعمّي علاوة السائق، ما أروع هذا الرجل، يوزع ابتسماته في كل لحظة، ولا يزيد عليها إلا إذا سئل.

من أبغض البشر إلى نفسي السائق الثرثار، خاصة إذا كنت في مزاج خاص، هناك سائق ينسى أنه ـ رغم كونه صاحب المركبة ـ ضيف عند زبونه حتى يهبط، فيغمرك بحكاياه ومشاكله وتعليقاته واهتماماته في عز حاجتك إلى الصمت، وعمي علاوة ليس من هذا النوع، لذلك تمنيت أن يلفّ بنا الدنيا كلها.

اقرأ/ي أيضًا: تداع حر في عالم يتهاوى

كان كل واحد منا يتحدث عن حلمه بأن يخرج وطنه من تخلفاته، ويعبّر عن تخوّفه من إجهاضٍ ما، قد يمسّ روح التغيير التي غمرته في المرحلة الأخيرة، فالتونسية تحلم بتونس ديمقراطية، لكنها خائفة من الثورة المضادة التي قد تجعل التونسي يندم على إزاحة بن علي، والمصري كذلك، رغم كونه يقيم في إسبانيا منذ تسع سنوات، وقد قاسمهما السوري الحلمَ نفسَه، لكن تخوفه كان مختلفًا، لم يكن خائفًا من المستقبل بل من الحاضر، بالنظر إلى تداعيات المشهد السوري، إلا الفلسطيني فقد كان صامتًا يلتقط أحاديثنا، وفي عينيه دمعتان مكبوتتان.

متى يدرك الحاكم العربي أنه بات عبئًا على شعبه، وأن صبر الشعوب لا يستمر إلى آخر الدهور؟

قال لنا: أحلم بأن يكون لي وطن أصلًا، له شرطة تضربني بالهراوات إذا خرجتُ محتجًا، تصلني فيه فواتيرُ مضخمة للماء والغاز والكهرباء، ويزوّر فيه المزورون صوتي في الانتخابات، وأهرب منه إلى بلاد أخرى إذا تسنى لي الهربُ، أصحو صباحًا فأجد صورة رئيسه غير المنتخب مزروعة في جرائده كالفطر، وأفتح الراديو أو التلفاز علني أجد مطربًا أحبه، فيلاقيني "صوتُ الريّس" هادرًا بخُطبٍ أعرف مسبقًا أن وعودَها هواءُ.

أنا يا أصدقائي لم أعشْ حتى هذا الواقع الذي ثرتم عليه في أوطانكم، فقد غادرت فلسطين قبل أربع وأربعين سنة وعمري عامان، ليصبح وطني حلمًا توارثه عني أولادي الذين لم يروه إلا في الأفلام والأحلام.

لم أعد أذكر عدد زياراتي إلى ضريح سيدي أبي مدين شعيب لكثرتها، وكان فضولي يلتقط طبيعة الأدعية التي يبثها زوّارُه، فكانت في معظمها تتعلق بالإنسان، لكنني هذه المرة سمعت أدعية تتعلق بالأوطان، كان رفاقي في الرحلة يدعون بمستقبل أفضل لأوطانهم بحرارة لا تختلف عن حرارة ميدان التحرير، متى يدرك الحاكم العربي أنه بات عبئًا على شعبه، وأن صبر الشعوب لا يستمر إلى آخر الدهور؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

صديقي المجنون

لماذا نكتب؟