05-ديسمبر-2018

تنفصل الأحزاب في المغرب عن الهم العام (Getty)

باتت صورة نواب الأمة بالمغرب مرتبطة بالحلوى والسيارات الفارهة والكلام الخشبي، ففي الوقت الذي تنتظر فيه الطبقات الشعبية حلولًا عاجلة لمشاكلها المستفحلة، تشهد الأحزاب المغربية بؤسًا في العمل السياسي وفقرًا شديدًا في كفاءاتها، ولذلك فلا غرابة أنها تلتزم الصمت رغم كل الأحداث الصاخبة التي تمر على البلاد في السنوات الأخيرة، من احتجاجات وحراك مجتمعي.

لطالما كانت الأحزاب المغربية تمثل في المخيال الشعبي المغربي، ما هو مرتبط بالفساد والرفاهية والانتهازية

إفلاس حزبي

في الواقع، لطالما كانت الأحزاب المغربية تمثل في المخيال الشعبي المغربي، ما هو مرتبط بالفساد والرفاهية والانتهازية. إنها بمثابة مغارة علي بابا التي تفتح أمام الناجين من بحر الحرمان حولهم، كنوز الأجور الضخمة والتعويضات الخيالية والجاه والمكانة، وبها مفاتيح قضاء الحوائج وتوظيف الأقارب والمعارف.

وفي عصر تتزايد فيه حياة الناس تعقيدًا، وتطل الأزمات برؤوسها من كل نافذة، تزداد الحاجة الملحة إلى منتخبين لديهم تنور بالظروف المحيطة، ومعرفة بكيفية سير الأمور، وأحيانًا يتطلب الأمر خبرة متخصصة، فضلًا عن نزاهة أخلاقية عالية، ليستطيعوا إدارة الشأن العام بكفاءة وحل مشاكل المواطنين.

اقرأ/ي أيضًا: مديونية خارجية متفاقمة تنهك ميزانية المغرب

لكن عكس هذا بالتحديد ما يظهر لدى نواب الأمة في البلد، فبحسب معطيات رسمية، فإن حوالي 100 نائب من أصل 395 برلمانيًأ لا يملكون شهادة البكالوريا (شهادة إنهاء المرحلة الثانوية)، منهم 5 نواب لم يلجوا المدرسة قط في حياتهم. أما على مستوى الجماعات الترابية فهناك 4739 منتخبًا أميًا حرفيًا من أصل 30.663 مستشار جماعي. فكيف يمكن لهؤلاء تشريع القوانين والنيابة عن الأمة؟

يشير تقرير المؤشر العربي لسنة 2018 إلى أن المواطنين في المغرب لا يثقون في المجالس التشريعية المنتخبة بنسبة 58%، ولم يتجاوز من عبَّروا عن رضاهم عنها نسبة 33%. كما أن أغلبية المغاربة بنسبة 65% يصرحون بأنهم لا يثقون البتة في الأحزاب السياسية. وهي نتيجة تظهر مدى خصاص الممثلين السياسيين للنزاهة ونظافة اليد.

أحزاب بدون تأثير

حالة الضعف العميق هذه على مستوى فئة المنتخبين، تعكس مدى الترهل الذي صارت عليه الأحزاب السياسية المغربية، التي باتت تعاني إفلاسًا أخلاقيًا وسياسيا، عاجزة تمامًا عن احتضان الكفاءات، مما جعل كثيرًا من المغاربة يعزفون كليًا عن الانخراط فيها، بل والمشاركة في العملية السياسية برمتها.

ومع غياب الديموقراطية الداخلية والشفافية على مستوى الممارسة الحزبية، "ينتقل الفعل الحزبي إلى ممارسة مصلحية ترنو إلى المناصب والمراكز، وتنشد المواقع دون أن يكون لذلك أي تأثير على مستوى العمل السياسي العام" حسب الباحث السياسي يونس برادة. وهو ما يجعل الأحزاب السياسية أشبه بهيئات نخبوية مصلحية لا علاقة لها بالقاعدة الشعبية، التي يفترض أن تكون محور العمل الحزبي.

اقرأ/ي أيضًا: "طنجة تيك".. ماذا وراء تدفق الاستثمارات الصينية نحو المغرب؟

من كثرة الإهانة والتحكم والتقسيم الذي تعرضت وتتعرض له الأحزاب، كما يقول الناشط السياسي عادل بنحمزة، لم تعد هذه الأحزاب صالحة حتى لتقديمها قربانًا لما يجري في البلاد، فهي هزيلة بشكل يصدق فيه القول الدارج "الضرب في الميت حرام".

مع غياب الديمقراطية الداخلية والشفافية على مستوى الممارسة الحزبية في المغرب، ينتقل الفعل الحزبي إلى ممارسة مصلحية

وقد أظهرت بالفعل الدينامية الاجتماعية التي تشهدها الساحة المغربية في الفترة الأخيرة، من حراك الريف واحتجاجات جرادة إلى حملة المقاطعة الاقتصادية، أن الأحزاب السياسية كانت الغائب الأكبر، إذ بدت في خضم كل ذلك غير مؤثرة، ومنفصلة تمامًا عن واقع الشارع المغربي، في حين من المفترض أن تكون مرآة للتطلعات الشعبية ومكبرًا لصوت المقهورين.

وفي ظل غياب أحزاب حقيقية تنتج منتخبين نزهاء وأكفاء، لم يفقد المغاربة فقط الأمل في تحسين حياتهم وعيشهم، بل أيضًا افتقدت الدولة وسائط ذات مصداقية يمكنها تخفيف الاحتقان الاجتماعي، وبالتالي تعمقت الهوة أكثر بين السلطة والمجتمع المدني.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المغرب بعد شهرين من الانتخابات..موات سياسي

المغرب..هل يعيد تأخر تشكيل الحكومة الانتخابات؟