18-يوليو-2018

تؤمن مادلين أولرايت بأن الديمقراطية لا بد وأن تكون ليبرالية في نهاية المطاف (Getty)

بلغة مأخوذة من "كليشيهات" النظريات الديمقراطية الأولى، وبكثير من الثقة بالانتصار الحتمي لليبرالية في نهاية المطاف، تتحدث وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والسياسية المعروفة، مادلين أولبرايت، عن خطر الشعبوية الذي يجتاح الولايات المتحدة وأوروبا. تهدد أولبرايت، مما آلت إليه الأمور في السياسة الأمريكية مع صعود اليمين البديل، وتشبهه بصعود الفاشية، لكنها مع ذلك، متفائلة جدًا، بسبب إيمانها كما تقول، أن الديمقراطية لا يمكن إلا أن تكون ليبرالية، لأنها قائمة على مفهوم التوافق السحري، وبأن الدولة في بلادها أعمق من نزوة عابرة.

 تختار أولبرايت أن تغرس رأسها في الرمل إذن، وتتجاهل أن الأمريكيين "توافقوا" بالفعل على إيصال "الفاشي الجديد" إلى البيت الأبيض

ولعله من الصادم، أن يكون هذا اليقين صادرًا عن وزيرة سابقة، في نظام سياسي لا تغيب الشعبوية عنه كثيرًا، وتصعد من وقت إلى آخر بأشكال وصور مختلفة. تختار أولبرايت أن تغرس رأسها في الرمل إذًا، وتتجاهل أن الأمريكيين "توافقوا" بالفعل على إيصال "الفاشي الجديد" إلى البيت الأبيض، وأن دونالد ترامب، كان نتيجة ليست بعيدة كثيرًا، عن النظام السياسي "العميق" نفسه.

في هذه المقابلة مع مادلين أولبرايت، المترجمة عن صحيفة دير شبيغل الألمانية، مثال واضح، على الاصطفافات التي خلفها صعود اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة، وعلى النخبة الأمريكية التي ما زالت مصدومة من التغيرات الجديدة، والتي ما زالت تؤمن بأن "الخلاص الليبرالي" المنتظر، سيحل جميع المشاكل.


كان يمكنها أن تتوقف عن العمل منذ فترة طويلة. ففي سن الحادية والثمانين، كان يمكن أن تفتخر بالحياة المهنية الناجحة التي صنعتها في السلك الدبلوماسي، بالإضافة إلى العديد من المؤلفات القيمة، والشركة الاستشارية المزدهرة التي أسستها. غير أن مادلين أولبرايت لم تكن من النوع الذي يمكن أن يتوارى عن الأنظار  ويخلد لحياة التقاعد. فهي لا تزال سيدة السياسة الخارجية الأمريكية التي يكن لها الجميع التقدير والاحترام، تلك المهنة التي بدأتها بعملها سفيرةً للأمم المتحدة في نيويورك منذ عام 1997 حتى عام 2001 قبل أن تصبح وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون.

اقرأ/ي أيضًا: ما وراء خطوط الشعبوية.. هل هو عصر إذابة الدولة القومية الحديثة؟

ركزت أولبرايت على العديد من القضايا مثل الصراع في الشرق الأوسط، وتطور روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والبرنامج النووي لكوريا الشمالية، وجميعها لا تزال قضايا شائكة لم تختف بعد عن المشهد الدولي. وحتى يومنا هذا، لا تزال تتمتع بالقدرة على الملاحظة المتبصرة للأحداث العالمية، وتكوين رؤية شاملة للاتجاهات السائدة والتطورات التي تشهدها الساحة الدولية. من إحدى أهم القضايا التي تشغل أولبرايت حاليًا هي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ألحق ضررًا بالغًا بالعلاقات عبر المحيط الأطلسي، وتداعيات ذلك على النظام السياسي الغربي، الذي ساعدت أولبرايت في إنشائه. في منتصف شهر تموز/يوليو، سيظهر كتابها الأخير باللغة الألمانية، وعنوانه هو "الفاشية: تحذير".

تستقبل أولبرايت الزائرين في مكتبها في واشنطن العاصمة. وتوجد في زاويته دمية على شكل نمر مع حزمة ضخمة من شوكولاتة توبليرون، وهي هدية من طلابها في جامعة جورج تاون. تشير أولبرايت إلى صورة بإطار مُعلقة على الحائط لمقتطف من قائمة المسافرين على متن السفينة إس إس أمريكا SS America، التي سافرت على متنها من أوروبا إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

أولبرايت: يمكنك أن ترى اسمي مكتوبًا هنا، ماري كوربيلوفا، السن 11 عامًا. كوربيلوفا هو اسمي قبل الزواج، فقد جئتُ إلى الولايات المتحدة في الـ 11 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1948، على متن السفينة إس إس أمريكا، مع أشقائي الثلاثة ووالديّ. إلى جانب قائمة الركاب، يمكنك أن ترى قرار تعييني من الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ووسام الحرية الذي منحني إياه الرئيس السابق باراك أوباما. تلك هي قصة حياتي إن صح التعبير.

دير شبيغل: لقد وُلدت في براغ، وهربت من النازيين خلال الحرب العالمية الثانية إلى لندن، ثم هربت بعد ذلك من الشيوعية إلى الولايات المتحدة. كيف ساعدت هذه التجربة على تشكيل شخصيتك في الحياة في وقتٍ لاحق؟

أولبرايت: لقد رأيتُ الفرق الذي يُمكن أن تحدثه الولايات المتحدة عندما تتدخل في الشؤون العالمية، وعندما تفضل ألا تتدخل. يعتبر مؤتمر ميونيخ الذي عُقد عام 1938 بمثابة نقطة التحول. فقد انطوى على اتفاق بين الفرنسيين والبريطانيين مع الألمان والإيطاليين، دون أن يشمل تشيكوسلوفاكيا، وفي غياب الولايات المتحدة عن طاولة الحوار. مما سمح لهتلر باحتلال جزء من تشيكوسلوفاكيا، وعندما تدخلت أمريكا، شكل ذلك فرقًا جوهريًا في المفاوضات. بعد عام 1945، ونتيجةً للاتفاقيات التي أُبرمت خلال الحرب، انقسمت أوروبا إلى نصفين، ووقع البلد الذي وُلدتُ فيه وراء الستار الحديدي لمدة 40 عامًا. لذا في حالتي الخاصة، يمكنني القول بأنه عندما لا تشارك الولايات المتحدة، تحدث أمورًا سيئة. وعلى ذلك ينبغي دائمًا أن تكون الولايات المتحدة جزءًا من المفاوضات.

دير شبيغل: إذا نظرتِ إلى حالة الغرب اليوم، هل أنت متفائلة أم متشائمة؟

 أولبرايت: حسنًا، أنا اتمتع بشخصية متفائلة ينتابها الكثير من القلق.

 دير شبيغل: تقولين في كتابك أنك تخشين العودة إلى المناخ الدولي الذي ساد في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. ماذا تقصدين بذلك؟

أولبرايت: عندما كتبتُ هذا الكتاب، قررت أنني بحاجة إلى القيام بفعل شيء تاريخي، وليس عاطفي. إذ إن هناك أوجه تشابه مذهلة بين ذلك الوقت والوقت الحالي فيما يتعلق بالانقسامات التي يعاني منها المجتمع، إلى جانب الشعور بوجود فائزين وخاسرين فيما يتعلق بالنواحي الاقتصادية، ولا سيما السياسيين الذين يستغلون هذه الانقسامات، والذين يفعلون كل ما في وسعهم لزيادة حدة تلك الانقسامات بدلًا من البحث عن أرضية مشتركة. أنا أؤمن بالروح الوطنية، لكن القلق يساورني إزاء القومية. لقد استفدنا جميعًا من العولمة في نواح عديدة، ولكن لا يمكن إغفال أنها سيف ذو حدين، لأن الناس على ما يبدو فقدوا هويتهم، وشعورهم بالانتماء.

دير شبيغل: عنوان كتابك هو "الفاشية: تحذير". ألا ينطوي هذا العنوان على القليل من المبالغة؟ هل هناك فعلًا تهديد حقيقي بالسقوط في براثن الفاشية؟

أولبرايت: كان من المفترض أن يكون ذلك بمثابة تحذير. لكنني أوضحت على وجه التحديد أنني لا أعتقد أن الرئيس دونالد ترامب فاشي. فهو معاد للديمقراطية، ولا يحترم المؤسسات الديمقراطية مثل الصحافة الحرة التي يصفها بأنها "عدو الشعب". أقول في نهاية الكتاب "إذا ظن الناس أنني أبالغ في القلق، فالسبب في ذلك يُعزى إلى الأوقات التي نعيش فيها".

دير شبيغل: يعتقد غالبية الأمريكيين أن ترامب لا يقوم بعمل جيد، ولا تمثل قاعدته الأساسية سوى حوالي ثلث الناخبين. ألستِ تبالغين في تقدير قوة الشعوبيين؟

أولبرايت: من الأفضل المبالغة في التقدير عن الاعتقاد بأن الأمور على ما يرام بينما هي ليست كذلك. والحقيقة هي أن نسبة تأييد ترامب آخذة في الارتفاع وليس العكس. كما أن السياسيين الجمهوريين خائفين من معارضته. وأسبوع تلو الآخر، يغير ترامب طبيعة الحوار السياسي، ونحن بحاجة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لهذا الأمر. أعتقد أن أفضل اقتباس في الكتاب هو قول موسوليني، "إذا نتفت ريش الدجاجة واحدة تلو الأخرى، لن يلاحظ الناس".

دير شبيغل: هل تعتقدين أن الديمقراطية آخذة في التلاشي باعتبارها إحدى الأفكار العظيمة؟

أولبرايت: لا أعتقد ذلك. وكوني أرى علامات على الفاشية، فإن هذا لا يجعلها بالضرورة الفاشية ذاتها التي شاهدناها في القرن العشرين. الرايخ الثالث لن يعود إلى الظهور مجددًا. يرجع تاريخ الديمقراطية إلى اليونانيين القدماء وهناك طرق مختلفة مورست بها الديمقراطية عبر التاريخ. وفي النهاية، سادت الديمقراطية الليبرالية. يُمكن القول إن السر وراء ذلك هو "التوافق"، فهي كلمة جيدة، تُمثل إحدى ركائز الديمقراطية. ولكن يوجد هؤلاء القادة الذين يستغلون تفاقم الانقسامات في المجتمع لمصلحتهم الخاصة. وهم بذلك يدمرون إمكانية العثور على أرضية مشتركة.

دير شبيغل: لماذا تعتقدين أن الكثير من الناس لا يثقون في حكوماتهم المنتخبة؟

أولبرايت: هناك دائمًا هذا الجدال الدائر بشأن ما المفروض أن يكون له الأولية؛ التطور السياسي أم التنمية الاقتصادية. لأن الناس تريد التصويت لممثليهم وفي نفس الوقت يريدون الحصول على الطعام. خلاصة القول هو أن الديمقراطية يجب أن تحقق المطلوب. وهناك شعور، في بعض الأماكن، بأن الديمقراطية لم تعالج بشكل فعال ذلك الانقسام المتزايد بين الأغنياء والفقراء. يرغب المواطنون في الحصول على وظائف، والتمتع بنظام رعاية صحية فعال، وكذلك الحصول على التعليم.  وعلى ما يبدو أن الشعبويين يقدمون حلولًا سهلة، فهم يقولون "لديّ حل سهل لك"، وهذا ما نشاهده الآن.

دير شبيغل: يواجه حزبكِ الديمقراطي صعوبة في التعامل مع سياسيين مثل دونالد ترامب. فلِم ذلك؟

أولبرايت: أعتقد أن العقد الاجتماعي الذي كان يُبقي مجتمعاتنا متماسكة قد انهار. تخلى الناس عن بعض حقوقهم الفردية مقابل الحصول على حماية الدولة، وأيضًا كي توفر لهم الدولة عددًا معينًا من الخدمات. لكن ما حدث على مر السنين هو أن أيًا من الطرفين لم يؤد دوره في الصفقة. فالدولة أهملت مواطنيها، والمواطنون يتهربون من الضرائب ومستعدون لأن يغويهم الشعبويون. أظن أن علينا الآن الوصول إلى طريقة لجعل ذلك العقد الاجتماعي عقدًا حقيقيًا من جديد حيث الطرفان يعرفان ما يُفترض بهما القيام به. في هذه المرحلة نحن في تلك الفترة حيث كل من أقصى اليسار وأقصى اليمين يستغلون الانقسامات والتقلبات ليزيدوا من حدتها.

دير شبيغل: بصفتك وزيرة للخارجية في إدارة كلينتون، كنتِ شاهدة عن قرب على نظام فاشي عندما سافرتِ إلى كوريا الشمالية في عام 2000. قابلت والد كيم جونغ أون وتحدثت معه لمدة 12 ساعة. ماذا تعلمتِ في بيونغيانغ؟

أولبرايت: حسنًا، بدايةً، لم نكن نعرف الكثير عن هذا النظام بصراحة. قلتُ مرارًا إن أسرة كيم فاشية. ما قاموا بتطويره، قبل كل شيء، هو  قصة مفادها أنهم يتعرضون للهجوم من جميع الاتجاهات في العالم، ومن ثم، كانوا قادرين على استغلال الأشكال الدعائية لعزل وتجويع شعبهم تمامًا، بينما في نفس الوقت يعملون على تمجيد أنفسهم. كان كيم جونغ إل شخصية ذكية ورائعة. كان يملك جانبًا مفعمًا بالحيوية من حيث رغبته في أن يصبح مخرج أفلام، كان يعرف جميع الفائزين بجوائز الأوسكار.

اقرأ/ي أيضًا: الشعبوية في أوروبا.. تيار يجرف حتى الأحزاب "المعتدلة"

دير شبيغل: أراد كيم جونغ إل بشدة أن يلتقي بالرئيس كلينتون. لماذا لم يحدث ذلك أبدًا - بعكس اللقاء الذي عُقِد بين ترامب وكيم؟

أولبرايت: كان الرئيس كلينتون وقتها منهمكًا بشدة في محادثات السلام في الشرق الأوسط. لم ينجح فيها في نهاية المطاف، فقد داهمه الوقت. لكننا كنا نتعامل مع كوريا الشمالية خلال فترتين رئاسيتين، بين عامي 1993 - 2000. هددت بيونغيانغ بالتخلي عن معاهدة منع الانتشار النووي، الأمر الذي قامت به بالفعل لاحقًا. تفاوضنا على اتفاق إطاري للتعامل مع برنامج كوريا الشمالية النووي؛ وكان لدينا قنوات اتصال مفتوحة على مستويات مختلفة. وقد قال الرئيس كلينتون إنه بالتأكيد سيسافر إلى بيونغيانغ في مرحلة ما.

دير شبيغل: بعدها انتُخب جورج بوش الابن الذي أدخل كوريا الشمالية في "محور الشر". وبعد ثلاثة سنوات، قامت كوريا الشمالية باختبار أول قنبلة نووية لها.

أولبرايت: لكننا عندما تركنا مناصبنا، لم تكن هناك أسلحة نووية. كانت هناك بعض المواد الانشطارية – واعتقدنا أنه يكفي صناعة قنبلة واحدة أو اثنتين - وليس صورايخًا باليستية عابرة للقارات.

دير شبيغل: تعهد كيم جونغ أون أثناء اجتماعه مع الرئيس ترامب بإنهاء برنامجه النووي. هل تعتقدين أن كوريا الشمالية جديرة بالثقة؟

أولبرايت: يجب أن يكون هناك نظام تحقيق مستقل، بغض النظر عن أي شيء. يجب أن نضع تعريفًا لـ "نزع السلاح النووي"، وما هي المعايير التي يجب وضعها في عملية التحقق. من هذا المُنطلق كان أمرًا جنونيًا أن يمزق الرئيس ترامب الصفقة النووية الإيرانية، التي كانت عملية التحقيق النووي فيها صارمة للغاية.

 كان كيم جونغ إل شخصية ذكية ورائعة. كان يملك جانبًا مفعمًا بالحيوية من حيث رغبته في أن يصبح مخرج أفلام، كان يعرف جميع الفائزين بجوائز الأوسكار

دير شبيغل: هل ترين أي فرصة لإنقاذ الصفقة النووية مع إيران؟

أولبرايت: آمل أن يكون بالإمكان إنقاذها. لقد أوضحت تمامًا أنني كنت مؤيدة للصفقة عندما جرى التفاوض عليها، على الرغم من أنني كنت أعلم أنه من غير الممكن التعامل مع كل شيء في وقت واحد.

دير شبيغل: لكن هذه الصفقة لم تمنع إيران من توسيع نطاق نفوذها في الشرق الأوسط. هل كان ترامب محقًا عندما يقول إننا نحن الأوروبيون كنا ساذجين عندما تعلق الأمر بنوايا طهران؟

أولبرايت: لن أقول ساذجين. تمد إيران مخالبها في اتجاهات متعددة؛ إلى حماس في فلسطين، وإلى حزب الله في لبنان، وإلى اليمن. هناك بعض المخاوف المُبررة فيما يتعلق بذلك. لكن انسحابنا من الاتفاقية يجعل التعامل مع تلك المخالب أكثر صعوبة وتعقيدًا.

دير شبيغل: لا يعتبر الصراع الدائر حول اتفاقية إيران هو الوحيد بين إدارة ترامب وأوروبا، إِذْ يشن ترامب حربًا تجارية ضد الاتحاد الأوروبي، ويتحدث عن الأصدقاء وكأنهم أعداء، ولا يبدو أن هناك شيئًا يساعد على تهدئة غضبه. فهل نشهد نهاية للدبلوماسية؟

أولبرايت: لا، لا أظن ذلك. نحن جميعًا دول ديمقراطية، وفي الأيام والأسابيع الأخيرة فقط، تقدم بعض أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ لاتخاذ إجراءات والحد من صلاحيات الرئيس المتعلقة ببعض السياسات التجارية. لا يزال لدينا ضوابط وموازين، ولكن ما يقلقني هو أن الناس ستنجرف مع هذه الصراعات السطحية عن محاولة حل المشاكل الأساسية.

دير شبيغل: يهاجم ترامب ألمانيا والحكومة الألمانية بشكل منتظم. في قمة الدول الصناعية السبع التي عُقِدت في كندا، هاجم ميركل قائلًا "لا تقولي إنني لم أعطك شيئًا". فما هي الإستراتيجية الملائمة للتعامل مع رجل كهذا؟

أولبرايت: العلاقات الفردية بين رؤساء الدول والحكومات تحدث فارقًا بالطبع، لكن لا يجب أن تعتمد السياسة الخارجية على الشخصية. حتى أثناء الحرب الباردة، كان هناك بالفعل أناس يتحدثون عن حقيقة أهمية إقامة علاقات مع الاتحاد السوفييتي على مستويات أخرى. تسود العالم حالة من الفوضى، لكنني أعتقد أن هناك آليات تساعد على تعزيز مجموعة متنوعة من المناقشات على المستويين التقني والدبلوماسي.

دير شبيغل: لكن ما الذي يمكن فعله مع رئيس يزدري المؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية أو حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟

أولبرايت: لا يزال يعتقد الكثيرون أن السياسة الخارجية الأمريكية تأتي على فترات من أربع سنوات، ولكن هذا غير صحيح. لقد عشنا 70 عامًا من العلاقات الجيدة مع أوروبا، لم تكن دومًا متشابهة تمامًا؛ مررنا بنجاحات وبانتكاسات، وهذه هي الطريقة التي يجب أن ننظر بها إلى الإدارة الحالية. تحت حكم هذا الرئيس، تمر العلاقات عبر الأطلسية بفترة عصيبة، لكنني لا أعتقد أن علينا أن نفقد الأمل فيها. ستظل قائمة.

دير شبيغل: دائمًا ما يطالب الرئيس دونالد حلفاءه الأوروبين بمزيد من التعهدات والمساعدات، وفي الوقت ذاته، يتقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهل تخشى أن يفقد الناتو أهميته بالنسبة للأمن الأوروبي ؟

أولبرايت: على الرغم من الجدل المثار، لا يزال حلف الناتو هو أقوى مؤسسة من نوعها والأكثر تنوعًا في العالم، سبق وأن وافق جميع الدول الأعضاء بالحلف على تخصيص نسبة 2% من إجمالي الناتج المحلي للنفقات الدفاعية للحلف. في ظل حرصه على تقديم الدعم لهذا الجانب، يكرر الرئيس ترمب ببساطة ما فعله سابقوه من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وقادة الناتو. ليس هنالك ما يلفت النظر في اجتماعات رؤساء الحكومات الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية مع الرئيس الروسي. إنها لقاءات حيوية ولكن قادة ساحلي الأطلسي أكدوا على الالتزام بشراكة مثمرة. وبالتأكيد فإن قوة التحالف تُقدر فقط بقوة روابط الصداقة والثقة التي تربط مختلف الدول الأعضاء.

اقرأ/ي أيضًا: ديمقراطية الثالوث الاشتراكي تحاكم الشعبوية.. وزيرة عدل النرويج في فخ العنصرية

دير شبيغل: توجد العديد من الجبهات التي تهدد أمن واستقرار أوروبا مثل روسيا وأزمة الهجرة بالإضافة إلى الحرب السورية والعديد من الأشياء الأخرى. فهل يوجد دور لحلف الناتو في هذا السيناريو؟

أولبرايت: تهدف عقيدة الناتو في الأساس إلى الدفاع عن أمن الدول الأعضاء من التهديدات سواء مباشرة أو غير مباشرة، جديدة أو قديمة. لذلك فإن دور حلف الناتو واضح في حماية الدول الأعضاء من العدوان المحتمل من الجانب الروسي، بالإضافة إلى التهديد الذى تشكله القرصنة الإلكترونية والإرهاب الدولي. ومع ذلك فإن الناتو، كتحالف عسكري، لا يتدخل في الأمور السياسة الداخلية للدول الأعضاء - مثل أزمة الهجرة - التي تعد من أبرز اهتمامات الحكومات والاتحاد الأوروبي.

أولبرايت: على الرغم من الجدل المثار، لا يزال حلف الناتو هو أقوى مؤسسة من نوعها

 دير شبيغل: هل تعتقد أن العلاقة بين ترامب وبوتين تشكل خطراً على أوروبا؟

أولبرايت: أعتقد أن قمة حلف الناتو في بروكسل ستعطي فرصة للرئيس الأمريكي ترامب وقادة الحلف للاتفاق على توجه موحد بشأن الموضوعات المختلفة المتعلقة بروسيا. آمل أن يتفقوا على مواصلة دعم سيادة أوكرانيا على أراضيها، وكتابة نهاية الحرب السورية من خلال المفاوضات، بالإضافة إلى مناهضة التدخلات التي ترعاها روسيا في الانتخابات الديمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا: هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟

دير شبيغل: أنتِ صديقة لوزير الخارجية الألمانى السابق يوشكا فيشر، الذى صرح قائلاً: "لا يمكننا الوثوق في تحالف الأطلسي بعد الآن". فيما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنه "لم يعد بإمكاننا الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية". ألا تعد هذه التصريحات بمثابة إشارات على انهيار العلاقات بين دول حلف الناتو؟

أولبرايت: أعتقد أن أسوأ شيء يمكن أن يحدث الآن هو فقدان الأمل، أليس كذلك؟ يوشكا فيشر أحد أعز اصدقائى وأنا معجبة به للغاية، ولا أرى أن هذه التحذيرات بالأمر السيء، تمامًا مثل الطريقة التي يحذر بها كتابي، لأني أعتقد أن الناس بحاجة لأن يكونوا على دراية بما قد يخلفه الانفصال وما يترتب عليه، ولكن بالتأكيد لن يحل الوضع الراهن بمقولة "انتهى الأمر كله". الاتحاد الأوروبي لديه مشاكل داخلية أيضًا، مثل علاقات المجر وبولندا، والطرق التي يمكن استخدامها للتعامل مع ذلك.  شعرت العديد من الدول الأوروبية بالانزعاج من تصريحات أوباما بالتخطيط للتوجه إلى آسيا، وفي هذا الصدد أود أن أقول أن الولايات المتحدة ليست القوة الأوحد في العالم.

دير شبيغل: هل تشعر بالقلق إزاء إهانة ترامب لأقرب حلفائه مثل إهانته لرئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بعد وصفه "بالمخادع والضعيف"؟

أولبرايت: هذا يجعل الأمور تبدو أصعب، وقد شعرت باليأس لسماع ذلك. لم أر سلوكًا مشابهًا من أحد رؤساء الولايات المتحدة.كنت أشارك في مؤتمر وقتها، كان يديره السيد  لويد أكسورثي وزير الخارجية الكندي السابق، وكنت أرتدي خلال المؤتمر دبوسًا يحمل العلم الكندي. بالنسبة لي، فإن المواطنين الكنديين هم الأفضل عالميًا، فهم يشاركون في عمليات حفظ السلام، وقاموا بعمل هائل في المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى مكافحتهم للألغام الأرضية، والعديد من مثل هذه الأشياء. هم رائعون، وأفضل الحلفاء، نمتلك حدودًا مشتركة معهم تُقدر بثلاثة آلاف ميل آمل أن يتم تطويرها.

دير شبيغل: الوضع يزداد صعوبة وتعقيدًا كل يوم ومع ذلك لا تبدين خائفة أو يائسة.

أولبرايت: العالم يعج بالفوضى، ولكن بالنسبة لعالم سياسي، فهذا التوقيت ممتع للغاية. المؤسسات الغربية في حاجة إلى القليل من التجديد تمامًا مثل الأشخاص الذين بلغوا السبعين، وربما حان الوقت لذلك. كل ما نحتاجه الآن هو توفير أفضل العقول لحل مشاكل القرن الحادي والعشرين.

دير شبيغل: هل تعتقدين أننا لا نزال نمتلك وقتًا كافيًا لذلك، بالنظر لتدهور الدول الأعضاء بالناتو وزيادة قوة الصين؟

  أولبرايت: أعتقد أن الأمر يتطلب منا الاهتمام التام.

دير شبيغل: هل سيتم إعادة انتخاب ترامب في 2020؟

أولبرايت: أعلم ما آمل به، ولكن ليس لدي فكرة عن الأمر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القفز عن الديمقراطية بالاستثنائية الاقتصادية.. كيف يغذي رجال البنوك الشعبوية؟

عودة محتملة للوسط البريطاني.. القفز عن الشعبوية بعصا الفساد "المعولم"