18-أبريل-2018

محطة اقتراع أثناء استفتاء البريكست في العاصمة البريطانية لندن (نيكولاس هايل/أ.ف.ب)

هل هناك متسع لعودة أحزاب الوسط إلى الحقل السياسي البريطاني؟ سؤال لا يبدو هينًا وسط حلقة الاستقطاب الشعبوي المضطربة التي تشهدها عاصمة الضباب. لكن ما يزيد صعوبته هو طبيعة هذه العودة، ومن الذي ممكن أن يقودها أو "يبشر" بها. المزيد من التفاصيل المتعلقة بهذا السياق في هذا التحليل المترجم بتصرف عن صحيفة "آيريش تايمز" الإيرلندية، حول المصير الذي ينتظره حزب بريطاني ناشئ، تقوده نخبة من السياسيين الفاسدين، معولين على تغيرات مستقبلية من أجل استقطاب شريحة من المجتمع البريطاني.


إذا كان أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي مشروع جديد هو أن يقابل بالتجاهل، فلدى حزب يمثل تيار الوسط في بريطانيا فرصة في النجاح إذًا. نال آخر من سلك هذا الطريق وهم مجموعة من الأشخاص يقودهم رائد الأعمال سايمون فرانكس، قدرًا كبيرًا من النقد وتثبيط الهمم. ويرى المتعاطفون مع الحزب قبل أعدائه أن هذا الحزب الذي لم يختر له اسمًا بعد محكوم عليه بالفشل، وذلك بسبب اعتماده على سياسيين فاسدين، وافتقاره للأفكار، وارتكازه على متبرعين مجهولين نوعًا ما، وسلوكه الاستعلائي والانتشار الجغرافي لناخبيه المحتملين في نظام انتخابي يحابي تركز الناخبين.

توني بلير من حزب العمال الجديد، ديفيد كاميرون من حزب المحافظين، وإيمانويل ماكرون، هم أحدث أمثلة لبرامج انتخابية غامضة لكنها تقود الجمهور بشكل جيد بعيدًا عن ثنائية يسار - يمين

بعض هذه المشاكل أكثر واقعية من غيرها. لكن وجود قاعدة أوسع من المتبرعين سيجعل الأمر أكثر صعوبة على المتهكمين، بمن فيهم المحافظون الذين يجب أن يعرفوا من واقع خبرتهم مآلات شيطنة هذا الحزب باعتباره "حزب الرجل الغني". على أي حال فإن حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم تمولها البنسات الاحتياطية التي تبرع بها مؤيدون صادقون، ومع ذلك نجحت.

اقرأ/ي أيضًا: السعودية عملاق تمويل الإرهاب في بريطانيا.. الفضيحة مستمرة

أما بالنسبة للأفكار، فإنه كثيرًا ما يتم الاستخفاف ببعض الحركات السياسية بسبب فراغها الفكري ورغم ذلك نجدها تفوز. توني بلير مثلًا من حزب العمال الجديد، وديفيد كاميرون من حزب المحافظين، وإيمانويل ماكرون، فهم أحدث أمثلة لبرامج انتخابية غامضة لكنها تقود الجمهور بشكل جيد. فالقائد الفرد يأتي أولًا. ثم تتبعه الأفكار، وأحيانًا لا تفعل.

لا يزال التطبيق الفعلي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يبعد عنا بسنوات، على الجانب الآخر من المرحلة الانتقالية. بعد خمسة عشر شهرًا من رئاسته للولايات المتحدة، كان أهم إنجاز تشريعي لدونالد ترامب هو تخفيض ضرائب الشركات وهو التخفيض الذي سيستفيد منه معظم "الأشخاص المكروهين الذين يتبنون فكر العولمة". خلال الفترة نفسها كان أبرز تغيير حدث في السياسة الأوروبية هو محاولة ماكرون لإصلاح الجانب الإنتاجي والخدماتي من الاقتصاد في فرنسا. ما الذي يحشد التيار الليبرالي الوسطي كتلته التصويتية لأجله تحديدًا في هذه المرحلة، بعيدأ عن التغير المناخي؟

يتم الاستخفاف بالكثير من الحركات السياسية بسبب فراغها الفكري حتى تفوز

انتكاسات مزعجة

إن العصر الشعبوي موجود في كل مكان، إلا في القوانين الرسمية، على الأقل في الوقت الراهن. عانت الليبرالية من انتكاسات مقلقة، في أوروبا الشرقية والوسطى على وجه الخصوص، وذلك بسبب موضوع الهجرة. لكن التوازن العام لسياسة الحكومة في الغرب الديمقراطي، بما في ذلك بريطانيا، لم يتغير بشكل كبير منذ السنة الصفر، سنة 2016.

هذا الأمر يمكن أن يتغير، وربما سيتغير. ولكن إلى أن يتم ذلك، يتم دعوة الناخبين من الطبقة الوسطى للرد على شيء لم يحدث - ضد الفكرة، وليس الواقع المحسوس والحالي لليبرالية. الأمر أصغر من أن نربط به حزبًا جديدًا. لا أحد يتصل بالشرطة لأنه يخشى السطو في المستقبل. التهديد العاجل هو ما يدفع العقل للتركيز.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

إذا نظرنا إلى الوراء، لا أحد يفاجأ بأن حركة مناهضة للعولمة لم تكتسب شعبية سنة 1980، على سبيل المثال، عندما انتُخبت مارغريت تاتشر ورونالد ريغان وكانت الملكية الفكرية قد حققت على المستوى الخطابي أكثر مما حققت على مستوى التشريع. ولكن في مرحلة مماثلة من هذا العصر الشعبوي الجديد، إذا اتضح أن هناك شيئًا من هذا القبيل، فإن عدم وجود مقاومة ليبرالية يعتبر فشلًا مذلًا. لكن في الحقيقة هذا أمر طبيعي.

أبرز ما قد يثير الناخب غير المسيس من الطبقة الوسطى في برامج غموض تيار الوسط  يتمثل في التجديد الخطابي غير العقائدي

إن إنشاء حزب جديد ناجح ليس صعبًا فقط، بل هو في الغالب أمر خارج عن سيطرة أي شخص. يتطلب الأمر اقترانًا بين الظرف التاريخي والعنصر البشري، في صورة فرد متميز. وعلى الرغم من ذلك، فإن سايمون فرانكس وفرقته على حق في اكتشاف الكثير من الناخبين غير المعلن عنهم في بريطانيا الحديثة. هؤلاء من يحصلون على دخول متوسطة وهم عمال غير مسيسين في غالبهم لا يعيرون انتباهًا للاسم الغامض "وسطي"، لكن لديهم مصلحة مادية في الاستمرارية. إنهم محبطون من وضع العالم، لكنهم لا يعتقدون أنه بحاجة لأن ينقلب رأسًا على عقب.

والمشكلة هي أنه حتى ربيع عام 2018، لم يتم قلب العالم. حياتهم المادية لم تتغير بما فيه الكفاية. وبقدر ما انجرفت وجهات النظر السياسية وانحرفت بشكل قوي في السنوات الأخيرة، فإن السياسات نفسها لم تتغير. إذا تغير الوضع وشعر الناخبون بأن مستويات معيشتهم التي اكتسبوها بشق الأنفس معرضة للخطر من قبل الزعماء الأيديولوجيين المتعصبين، فإننا سنشاهد سقوط حواجز مستعصية أمام موجة وسطية جديدة. لكن لا يمكن إقناع الناخبين بشيء لم يشعروا به بعد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما هي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

بريطانيا والقذافي.. العراب توني بلير وجرائم لندن نيابة عن العقيد (2-2)