13-يوليو-2017

تظاهرة تطالب بالإفراج عن زفزافي (جلال مرشدي/ الأناضول)

أثار مقطع فيديو مسرب، يظهر فيه قائد حراك الريف المغربي، ناصر زفزافي عاريًا؛ غضبًا شديدًا وسط الرأي العام المغربي، في محاولة من الجهات المجهولة المُسرِّبة للفيديو، إثبات عدم تعرض زفزافي للتعذيب، التهمة التي لطالما نفتها سلطات الداخلية بشكل قاطع، بالرغم من تأكيدها سابقًا من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذراع الحقوقي للسلطة، ما يثير استغراب المراقبين حول اختلاف بوصلة مؤسسات الدولة.

زفزافي عاريًا في مقطع فيديو

وظهر الزفزافي في الفيديو المسرب، الذي نشرته إحدى المواقع المقربة من السلطة، وهو بملابسه الداخلية يستعرض أطرافًا من جسمه أمام مصور داخل غرفة خاصة، بقصد الإظهار للمشاهد عدم تضرر جسد ناصر الزفزافي بفعل التعذيب الذي تقول جهات حقوقية وهيئة الدفاع عن معتقلي حراك الريف، إن المعتقلين تعرضوا له في السجون ومراكز الاحتجاز. إلا أن مقطع الفيديو، وعلى عكس ما أراد له مسربوه، أثار موجة استنكار حادة وسط الرأي العام المغربي، من هذا التصرف الذي اعتُبرَ مسيئًا لكرامة زفزافي.

وفقًا لعضو بالأمانة العامة للعدالة والتنمية، فإن المسؤول عن فيديو زفزافي إما الفرقة الوطنية أو المندوبية العامة لإدارة السجون

واعتبر المحامي بهيئة الدفاع عن معتقلي حراك الريف، محمد الزيان، إن تسريب ذلك الفيديو يعد "جريمة ومسًا بالكرامة الإنسانية"، فيما قال وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، في تدوينة له على فيسبوك، إنه أحسّ بألم كبير وهو يطالع هذا الفيديو، مردفًا أن "القضاء هو الوحيد المخوّل له تحديد الجهة الآثمة التي ارتكبت هذه الخطيئة"، واصفًا عمل الجهات التي وراء مقطع الفيديو بـ"التصرفات الصبيانية"، بينما عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخطة على تصوير الزفزافي عاريًا.

اقرأ/ي أيضًا: حراك الريف.. انتهاكات الأمن مستمرة بتعذيب المعتقلين داخل السجون

من جانبها، نفت إدارة السجن المحلي "عين السبع 1"، حيث يوجد زفزافي، في بلاغٍ لها، أن يكون الفيديو قد صُوّر داخل أروقة السجن، فيما قال المحامي عبد الصمد الإدريسي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في تدوينة له معلقًا على نشر الفيديو: "جهتان لا ثالث لهما مسؤولتان عن انتهاك حرية الزفزافي وإيلامه بنشر الفيديو المشؤوم الذي يذكرنا بسجن أبو غريب: لن يخرج الأمر عن الفرقة الوطنية أو المندوبية العامة لإدارة السجون، الجهتان المسؤولتان عن إنفاذ القانون، واللتان قضى عندهما الزفزافي مدة اعتقاله"

واستغرب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أحمد الهايج، في تصريحات إعلامية له، لجوء الجهة المسربة للفيديو إلى هذه الطريقة من أجل محاولة إثبات عدم تعرض زفزافي للتعذيب، مضيفًا أن "التأكد من تعرض السجين للتعذيب له مساطر خاصة، يشرف عليها الخبراء من ذوي الاختصاص" وليس عن طريق نشر فيديو مهين للسجين.

المجلس الوطني يؤكد التعذيب ومديرية الأمن تنفي

وكان مفاجئًا، قبل أيام، أن تُصدر مؤسسة رسمية بالمغرب، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان،  تقريرًا في 35 صفحة، تستعرض فيه الدلائل المادية والنفسية لآثار التعذيب الذي تعرض له معتقلو "حراك الحسيمة" مع شهاداتهم. ويذكر التقرير أنه بعد إجراء خبرة طبية شرعية على 34 معتقلًا من نشطاء حراك الريف، تبيّن بالفعل أنهم خضعوا للتعذيب والعنف خلال مرحلة اعتقالهم، بالإضافة إلى أنهم وقعوا على محاضر الضابطة القضائية دون الاطلاع عليها.

وعدَّدَ التقرير حالات التعذيب بين المعتقلين، ومن بينها حالة ناصر زفزافي زعيم الحراك في الحسيمة، الذي أخبر لجنة التقصي بتلقيه ضربة على رأسه بواسطة عصا، وأخرى في عينه اليسرى وثالثة في بطنه، كما وضعوا العصى بين رجليه، بالرغم من أنه لم يظهر أي مقاومة خلال التدخل لاعتقاله في منزل أحد أصدقائه، وأصيب جراء ذلك بجرح في رأسه وآثار كدمات على وجهه.

العديد من النشطاء الحقوقيين اتهموا السلطات الأمنية بتعذيب معتقلي الريف وإرغامهم على توقيع محاضر لم يطلعوا عليها

وأوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يرأسه إدريس اليازمي، بإجراء خبرة طبية وعقلية عاجلة للمعتقلين المعنيين بالتعذيب ومتابعتهم نفسيًا، فضلًا عن مباشرة تحقيق معمق بخصوص أفعال التعذيب المنسوبة لأفراد من الجهات الأمنية.

اقرأ/ي أيضًا: العقلية البوليسية تدير المغرب مجددًا

وكان العديد من النشطاء الحقوقيين، بينهم محامو دفاع معتقلي حراك الحسيمة، يتهمون السلطات الأمنية بالاعتداء على المعتقلين من نشطاء حراك الريف، ويشمل ذلك السب والضرب والصفع والتهديد بالاغتصاب، وإرغامهم على توقيع محاضر لم يطلعوا عليها، ووضعهم في زنازين انفرادية، إلا أن السلطات الأمنية دائمًا ما كانت تنفي الاتهامات أو تلتزم الصمت حيالها، إلى أن جاء تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليؤكدها بشكل رسمي.

من جهة أخرى، رفضت المديرية العامة للأمن الوطني، في بلاغٍ رسمي لها، بشكل "جازم" اتهامات التعذيب المقترفة من قبل أفراد تابعين لها في حق معتقلي حراك الحسيمة، قائلةً إنها "تحرص على صون حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها وطنيا ودوليا، وتحترم ضمانات الحرية الفردية والجماعية خلال ممارسة الوظيفة الشرطية"، على حد تعبيرها،  وهو ما عدّه مراقبون "محاولة جلية للتأثير على القضاء قبل أن يقول كلمته".

الصورة الحقوقية للمغرب تتضرر من شبهات التعذيب

وقد أحالت وزارة العدل المغربية تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يقر بتعذيب نشطاء حراك الحسيمة، إلى القضاء، للبت في اتهامات التعذيب، "بهدف تطبيق المساطر القانونية المتعلقة بهذه الجرائم، حيث سيتم إجراء فحوصات طبية لـ66 حالة من مدعي التعذيب"، كما قال الناطق باسم الحكومة، مصطفى الخلفي في مؤتمر صحفي.

وبهذا ستكون النيابة العامة المغربية، الفيصل الحاسم بين جهتين رسميتين، واحدة تثبت التعذيب في حق معتقلي الريف وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأخرى تنفيه جملةً وتفصيلًا، ممثلةً في مديرية الأمن الوطني.

وفي هذا الصدد، اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مستقلة، اعتراف الدولة بالتعذيب بعدما كانت تنفي مزاعم التعذيب بشكل أوتوماتيكي، أنه يُمثّل "بادرة طيبة وتعاطٍ إيجابي مع هذا الملف كخطوة أولية"، مثلما رأى مراقبون أن إقدام المجلس الوطني لحقوق الإنسان على إنجاز تقريرٍ وصفوه بـ"الجريء" يقر بالتعذيب، يضفي على هذه الهيئة الرسمية طابع المصداقية والاستقلالية، بعد أن كان يُنظر إليها كواجهة أمامية لتبييض الوجه الحقوقي للدولة.

بينما يذهب آخرون إلى أن خروج هذا التقرير الذي يؤكد تعرض معتقلي حراك الحسيمة للتعذيب، يأتي في سياق سياسة التخفيف من الاحتقان في منطقة الريف، بعد أن تأججت الاحتجاجات في الداخل والخارج بفعل الاعتقالات والتدخلات الأمنية العنيفة، وليس كتوجه عميق للدولة في القطع مع الانتهاكات الحقوقية، خصوصا وأن السلطة القضائية لم تثبت بعد مزاعم التعذيب.

يُعد ملف التعذيب في المغرب، إرثًا قديمًا أثقل كاهل الدولة، إذ كان شائعًا خلال حقبة ما سُمي بـ"سنوات الجمر والرصاص"

وكانت منظمة العفو الدولية (أمنستي) قد اتهمت الرباط في تقرير لها سنة 2015، باستمرار ممارسة التعذيب، "باستخدام الضرب المبرح والأوضاع الجسدية المضنية والخنق والإيهام بالغرق والعنف النفسي والجنسي، بين جملة أساليب للتعذيب، لانتزاع اعترافات أو إسكات الناشطين وسحق الأصوات المعارضة"، كما رسم التقرير السنوي للخارجية الأمريكية لعام 2016 صورة سوداوية للوضع الحقوقي بالمغرب، أكدت فيه الخارجية الأمريكية استمرار ممارسة التعذيب بالمغرب.

اقرأ/ي أيضًا: الاغتصاب بالقرعة.. شؤم يعود من جديد مع حراك الريف المغربي

ويعد ملف التعذيب في المغرب إرثا قديما أثقل كاهل الدولة، حيث كان شائعا في حقبة ما سمي بـ"سنوات الجمر والرصاص"، وعلى الرغم من التحسن النسبي الذي شهده المغرب في هذا الملف منذ تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة الوطنية سنة 2004، إلا أنه لا يزال يكلف المملكة الكثير على مستوى صورتها الخارجية بمقتضى التزاماتها الدولية بخصوص اتفاقيات مناهضة التعذيب، ولاسيما بعد ظهور مزاعم تعذيب متوالية في السنوات الأخيرة تُتّهم السلطة بارتكابها ، وهو ما يثير داخل الأوساط الحقوقية الفزع من عودة عهد الانتهاكات الصارخة.

فيما يرجح آخرون فرضية أن هناك اختلاف توجهات بين مؤسسات الدولة في المغرب بخصوص معالجة أزمة الريف، ظهرت جليًا في البيانات الرسمية المتناقضة بين بعضها البعض، ارتباطًا بقضية التعذيب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد مسيرة الرباط الحاشدة.. هل انبعثت روح "20 فبراير" من جديد؟

حقوقيون.. وضعية حقوق الإنسان قاتمة في المغرب