30-مايو-2017

هل هي عودة لسنوات الرصاص بالمغرب؟ (جلال المرشدي/الأناضول)

يبدو أن النظام السياسي بالمغرب ليس مستعدًا بعد لتقبل واستيعاب اللحظة والواقع الجديدين، ويبدو أن من يديرون ويحكمون البلد لم يتخلصوا بعد من عقلية وسياسة نظام الحسن الثاني وأعوانه (الغزاوي، أفقير، الدليمي، البصري وغيرهم..) ذلك النظام الذي تبقى سمته الأساسية والأبرز أن لا شيء يعلو على منطق العنف والقمع والاعتقال.

لم يكن القمع والتدخل العنيف ضد الحراك الاجتماعي بمنطقة الريف وما صاحبه من اعتقالات إلا تواصلًا لعقلية بوليسية حكمت المغرب لسنوات

فبالتدخل العنيف ضد حراك الريف السلمي يتبين لنا مرة أخرى بما لا يدع مجالًا للجدل أن كل شيء في هذا البلد، ظاهرياً، قابل للتغير والتحول إلا عقلية النظام، وكم كانت الحقيقة التاريخية والواقع المعاش على درجة عالية من الوضوح لأخذ الدروس والعبر في هذا الشأن. حيث يتبين من كل مرة أن صلب الأشياء ومضمونها بقي ثابتًا، المتغير الوحيد والبسيط ضمن هذه المنظومة هي الشكل فقط، ولم يتبق لنا غير الاعتراف والإقرار بل و يجب أن نرفع القبعة عالياً نظرًا للبراعة المتقنة للغاية من الأخير في تجديد أساليبه الفوقية فقط دون أن يمس ذلك جوهر الأشياء وحقيقتها ومع ذلك يتم تصديقه في كل مرة وفي كل لحظة تاريخية فارقة.  

اقرأ/ي أيضًا: اعتقال ناصر زفزافي.. من هو قائد حراك الريف المغربي "المثير للجدل"؟

فلم يكن القمع والتدخل العنيف ضد الحراك الاجتماعي بمنطقة الريف وما صاحبه من اعتقالات واختطافات إلا تحصيلًا حاصلًا، وذلك في ظل عودة العقلية الكومبرادورية في إدارة شؤون البلد، بما يبين بالملموس ألا حلول وبدائل لمشاكل أو أزمات البلد غير التدبير الأمني ومنطق العصا والحديد من قبل حاكميه.

فقد كان من الممكن تأويل ما يحدث في الحسيمة بكونه إجراء ظرفيًا واستثنائيًا أملته ضرورة استتباب الأمن وفرض هيبة الدولة، وكان يمكن تصديق رواية مواجهة "الشغب والتخريب" عبر استخدام "العنف المشروع" المكفول للسلطة وفق المواثيق والأعراف المعمول بها..، لكن للأسف لا يمكن إيجاد جواب مقنع من كون هناك نية مبيتة لدى من يحكمون البلد إلى الحنين والعودة لسنوات البطولات والملاحم في مجال القمع والتنكيل وسنوات الاعتقال والاختطافات، وكان يمكن أن نصدق مختلف الروايات والبلاغات الرسمية لو لم تكن هناك بوادر وإجراءات قبلية هدمت كل هذه الروايات والذرائع.  

فمنذ نيسان/أبريل الماضي وغداة الإعلان عن شكل حكومة العثماني والكل يعلم أننا عدنا بشكل رسمي إلى الوراء وإلى مرحلة من مراحل التاريخ الأسود بدل أن نسير للمستقبل كما حتمية التاريخ، حيث برزت السطور الكبرى لذلك من خلال عودة رجال وزارة الداخلية لإدارة البلاد وإعادة بسط أذرعهم داخل المؤسسات الكبرى في البلد والتحكم في صنع الجزء الأهم من قراراتها وسياساتها، بما يشكل إيذانًا بعودة عهد "بصرنة" الدولة من جديد.

هذا الشيء جعلنا وبنسبة مئوية كبيرة نسلم أن منذ الخامس من نيسان/أبريل 2017، كان الإيذان الرسمي بإغلاق قوس الإصلاح السياسي بالمغرب (على محدوديته)، لتعود معه الأمور مرة أخرى للطريقة "البنعليوية" في إدارة البلد، وتعود الأمور معها من جديد إلى النهج الذي برع فيه النظام ويأمن له في إدارة البلد، وهو المنطق "البوليسي والعقلية الأمنية" للسلطة وحكم الدولة، حيث وزارة الداخلية كذراع للنظام وبكل مؤسساتها وأجهزتها المتفرعة هي اللاعب المركزي والرئيسي في إدارة كل أمور البلد الأساسية.

غداة الإعلان عن شكل حكومة العثماني، لاحظنا عودة رجال وزارة الداخلية لإدارة البلاد وإعادة بسط أذرعها داخل المؤسسات الكبرى

وإذا كان من حسنات هذا النكوص السياسي فهو أن هذا الأمر بين لنا بما لا يدع مجالًا للشك أن بنى وأسس عقلية النظام السياسي في إدارة البلد لم تتزحزح ولم تتغير أبدًا رغم كل عمليات التجميل والكرنفالات الإعلامية الساعية لتسويق نموذج قيل إنه "عهد جديد"، عهد بشر المغاربة بالقطيعة مع سنوات البؤس والظلام وقيل إنه بدء صفحة جديدة من عصر الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة التي يأمل بها الجميع.  

اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات الريف المغربي مستمرة.. والسلطات تتوعد بمزيد من الحلول الأمنية

فاليوم وبحكم الأمر الواقع أصبحت الأجهزة الأمنية والمخابراتية في الدولة هي التي تحكم وتتحكم في كل مناحي الحياة، وأصبحت هي الآمر والناهي والصائل والجائل دون حدود ودون رادع في كل ما يخص أمور البلد، أكان ذلك بشكل صريح أم  إيحاء، بوجه مكشوف ومن وراء ستار، سرًا وعلانية.

وقد كانت هذه العودة للدولة البوليسية مجرد نتيجة حتمية بعد أن أصبح استدعاؤها من جديد ضرورة ملحة لغايات مختلفة لعل أبرزها حماية مصالح تلك المجموعة الضيقة من زمرة النافذين من الشبكات الأخطبوطية المتغلغلة داخل دواليب الدولة الحساسة من التي يشكل لها التغيير تهديدًا لوجودها، ولذلك فهي تسعى للحفاظ على امتيازاتها ومواقعها بشراسة ومهما كلف ثمن ذلك حتى وإن كان أمن واستقرار البلد هو من سيكون على المحك.

كما أن العودة لإدارة الأمور بالمنطق الأمني يعبر بشكل صريح أن النظام لم يكن يؤمن بشيء اسمه الديمقراطية ولا التغيير السياسي، لذلك فهو يقف اليوم بكل ما أوتي من قوة لمحاربة قوى التغيير المختلفة، سواء كانت حركات قطاعية (كوادر العدل والإحسان المعزولين، الأساتذة المرسبين..)، أو قوى تغيير اجتماعي (حراك الحسيمة...)، أو قوى المجتمع المدني المطالبة بالديمقراطيًّة والعدالة الاجتماعية (منع ندوات والتضييق على المنظمات..)، أو استجابة لقوى ومصالح خارجية كالأجندة الفرنسية مثلًا.

فالدولة اليوم لا تحترم ولا تبالي لا بالدستور ولا القانون. أما الأحزاب والانتخابات، إنْ وجدت، فهي مجرد واجهات شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع، ومعظمها تجده تابعًا لوزارة الداخلية نفسها شأنها شأن العديد من التنظيمات والجمعيات التي تجمل وتؤثث المشهد، لتكتمل بذلك فصول السيطرة والإحكام على الدولة والمجتمع بقواه ومؤسساته كافة وبالطرق كافة المباشرة وغير المباشرة.

فالاستقرار "الوهمي" من وجهة نظر النظام يشكل شرطًا حيوياً وأساسيًا لتأمين بقاء النظام الملكي وإن كان ذلك على حساب التنمية الاقتصادية وانسجام المجتمع. لذلك فهو يفضل دائمًا دور الحكم واستخدام سلطة وزارة الداخلية والجيش بدل سلطة التنمية والحرص على إحقاق العدالة الاجتماعية.

الخلاصة أن النظام الذي يحكم بالمنطق الأمني هو نظام بشرعية فاسدة إذا لم يكن فاقدًا لها في الأصل، فالذي يتعامل مع مواطنيه كأعداء افتراضيين حتى يثبت عكس ذلك، ويكون التوجس والحذر هو الأساس والقاعدة بينما الثقة وحسن النية هي الاستثناء هو نظام هش وفاشل لا يمكن أن تنتظر منه لا ديمقراطية ولا إصلاح كما أن لا مستقبل ولا آفاق معه، وإذا لم يبادر بشكل مستعجل ومن تلقاء نفسه بالشروع في عملية إصلاح حقيقية فلينتظر مواته بشكل أو بآخر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد سقوط أول قتيل في تطاوين.. هل ستشهد تونس ثورة جديدة؟

هل يقود يوسف الشاهد حربًا كاذبة ضد الفاسدين في تونس؟