29-نوفمبر-2023
يحيى السنوار

(الترا صوت) يحيى السنوار خلال مراحل مختلفة من حياته

نقلت تقارير إسرائيلية عن محتجزين أطلقت كتائب عز الدين القسام سراحهم، ضمن اتفاق الهدنة، أنهم التقوا بيحيى السنوار في أحد الملاجئ، وتحدّث إليهم باللغة العبرية قائلًا: "إنكم في المكان الأكثر أمانًا ولن يحصل لكم مكروه".

أخذت هذه الحادثة اهتمامًا كبيرًا في النقاش الإسرائيلي مؤخرًا، فهي من جهة تؤكد أن السنوار كان مهتمًا بوضع المحتجزين، ومن جهة أخرى كانت السبب وراء عودة التحليلات التي تقول إنه أكثر من يفهم العقل الإسرائيلي لإتقانه العبرية، ولمعرفته العميقة ببنية الفرد والمجتمع والمؤسسات في دولة الاحتلال.

في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، تصدر يحيى السنوار نشرات الأخبار في إسرائيل، وتحول إلى المطلوب الأول لأجهزة الأمن الإسرائيلية، فمن هو يحيى السنوار؟ وكيف وصل إلى قيادة حركة حماس في غزة؟

يشغل يحيى السنوار منصب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة، وتبحث عنه كل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ويتصدر اسمه قائمة الاغتيالات، وهو الهدف رقم واحد في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ حمّله الاحتلال مسؤولية عملية طوفان الأقصى التي وقعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر في مستوطنات غلاف غزة، والتي أدت إلى قتل 1200 مستوطن، فيما اختطف أكثر من 200 آخرين، ووصفه قادة الاحتلال بـ"رجل ميت يمشي". فيما لا يكاد يمر يوم، إلّا ويتصدر يحيى السنوار عناويين الصحف ونشرات الأخبار الإسرائيلية.

فمن يكون يحيى إبراهيم السنوار، الذي كبد الاحتلال أكبر خسارة عسكرية في تاريخه، والذي يعتبره الإسرائيليون عدوهم الأول؟


1- البدايات

ولد يحيى السنوار في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين، في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1962، وتنحدر عائلته من مدينة المجدل ــ عسقلان التي دُمّرت بالكامل وهُجّر سكانها على يد العصابات الصهيونية خلال نكبة عام 1948.

تلقى السنوار تعليمه في مدارس المخيم حتى أنهى مرحلة الثانوية، ليلتحق بالجامعة الإسلامية حيث تحصّل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية.

شارك خلال مرحلة دراسته الجامعية في النشاط الطلابي بالجامعة، حيث كان عضوًا في مجلس طلبة الجامعة الإسلامية لمدة خمس سنوات، وشغل منصب أمين للجنة الفنية، واللجنة الرياضية، ونائبًا لرئيس مجلس الطلبة، ثم رئيسًا للمجلس ثم نائبًا للرئيس مرة أخرى. كما ترأس "الكتلة الإسلامية"، التي كانت نواة تأسيس حركة حماس، إذ ظهرت قبل تأسيس الحركة  بحوالي 10 أعوام.

وبالموازاة مع نشاطه الطلابي واكب السنوار العمل الوطني ضمن إطار الحركة الإسلامية التي كان لها نشاطًا بارزًا في بداية الثمانينات في القطاع، فتم اعتقاله لأول مرة عام 1982 من قبل الاحتلال بتهمة القيام بـ"أنشطة تخريبية"، ووضع رهن الاعتقال الإداري لمدة 4 أشهر.


2- تأسيس أول جهاز أمني لحماس

بعد خروجه من المعتقل، واصل يحيى السنوار نشاطه المقاوم، فشارك في تأسيس أول جهاز أمني للحركة عام 1983، والذي عرف باسم "أمن الدعوة"، وكان يرأسه الشيخ أحمد ياسين.

ثم تطور نشاطه فيما بعد ليشارك في تأسيس جهاز الأمن والدعوة "مجد" عام 1985، قبل سنتين من انطلاقة حركة حماس، الذي أنشئ لتعزيز الجانب الأمني للمقاومة الفلسطينية، وكلف الجهاز بملاحقة عملاء الاحتلال في قطاع غزة. وكان للسنوار رأي بأن تحصين المجتمع من الداخل، وكسر الاحتلال لا يتم قبل القضاء على أدواته في الداخل الفلسطيني.

ولتطبيق هذه الفكرة، قاد يحيى السنوار مجموعة من الكوادر الأمنية داخل الجهاز، ولاحق بنفسه عددًا من العملاء وأجرى تحقيقات معهم. ومع مرور الوقت، أصبحت "مجد" النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لدى حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة. وانتقلت فيما بعد لملاحقة ضباط جيش الاحتلال واستخباراته.

ولم يقتصر عمل يحيى السنوار و"مجد" على ملاحقة ضباط الاحتلال وعملائه، بل شاركوا في محاربة ظواهر الفساد، خاصة تجارة وترويج المخدرات. 

يحيى السنوار قائد حماس في غزة

3- الاعتقال الثالث والأطول

وبسبب نشاطه المقاوم، وضعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية السنوار تحت دائرة المراقبة، ليتم اعتقاله مجددًا عام 1985 بتهمة المشاركة في تأسيس "مجد"، ويحكم عليه بالسجن لمدة 8 أشهر.

ومع بروز دوره في العمل المقاوم، لاحقته أجهزة الاحتلال مرة أخرى ليتم اعتقاله عام 1988 للمرة الثالثة، وتصدر محكمة إسرائيلية في 20 كانون الثاني/يناير 1988 أحكامًا ثقيلة بحقه، فقضت بسجنه بـ4 مؤبدات، بالإضافة إلى حُكم بالسجن لمدة 30 عامًا. وكانت التهم الموجهة له، هي المشاركة في تأسيس الجهاز العسكري لحركة حماس، والذي عُرَف باسم "المجاهدون الفلسطينيون"، وتحوّل لاحقًا لاسم كتائب الشهيد عز الدين القسام خلال الانتفاضة الأولى بداية التسعينات.

وفي مرحلة السجن، لم يتوقف يحيى السنوار عن دوره الوطني، فكانت له نشاطات عديدة داخل السجن، أبرزها مشاركته في الإضرابات عن الطعام التي قام بها المعتقلون الفلسطينيون في أعوام 1992 و1996 و2000 و2004، لتحسين ظروفهم. كما تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة حماس داخل السجون الإسرائيلية.


4- الخروج إلى الحرية

في عام 2011، أُفرج عن السنوار بعد قضائه 23 عامًا في سجون الاحتلال ضمن صفقة "وفاء الأحرار"، التي جرت بين حركة حماس وإسرائيل، والتي أطلق بموجبها سراح 1027 أسيرًا وأسيرةً مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته كتائب عزالدين القسام في شرق رفح قبل 5 سنوات، خلال عملية مشتركة مع ألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام. والذي عجز الاحتلال عن الوصول إليه، رغم شنّه حربين على قطاع غزة عامي 2008، و2009 في محاولة لإطلاق سراحه.


5- رئاسة المكتب السياسي في حماس بغزة

بعد الإفراج عنه، عاد السنوار لممارسة نشاطه السياسي داخل حركة حماس، وشارك في انتخابات الحركة الداخلية عام 2012، وفاز بعضوية المكتب السياسي في قطاع غزة. كما تولى مسؤولية الملف الأمني داخل حركة حماس. وفي عام 2013، أوكلت إليه مهمة قيادة الملف العسكري للحركة المرتبط بجناحها العسكري كتائب عز الدين القسام.

ولدوره البارز داخل الحركة، انتخب رئيسًا للمكتب السياسي بقطاع غزة، في 13 شباط/فبراير 2017.

أدرجته الولايات المتحدة رفقة اثنين من قادة الحركة، مسؤول الجناح العسكري محمد الضيف، وعضو المكتب السياسي روحي مشتهى على قائمتها "للإرهابيين الدوليين". كما وضعته إسرائيل على قائمة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة. وقد عرض جهاز "الشاباك" اغتيال يحيى السنوار 6 مرات، وشملت مخططات تصفيته تفاصيل دقيقة وشاملة، وضمن ذلك تصورات لتداعيات عملية الاغتيال. واستندت مخططات الاغتيال إلى أن السنوار لم يكن يتصرف بوصفه مطلوبًا، إنما كان يحرص على مزاولة أعماله بشكل علني، ولا يعيش في أماكن سرية أو ملاجئ.

يعتقد الإسرائيليون أن قائد الجناح العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام محمد الضيف هو من نفّذ عملية طوفان الأقصى، لكن العقل المدبر للعملية هو يحيى السنوار، وهي العملية التي ضربت جيش الاحتلال في مقتل، وقضت على مقولة "الجيش الذي لا يقهر".


6- مؤلفات وترجمات

إلى جانب نشاطه السياسي والمقاوم، يجيد يحيى السنوار بطلاقة اللغة العبرية، وله العديد من المؤلفات والترجمات السياسية والأمنية، من أبرزها: ترجمة كتاب "الشاباك بين الأشلاء"، وهو كتاب يتناول جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، وترجمة كتاب "الأحزاب الإسرائيلية عام 1992" وهو كتاب يتطرق إلى الأحزاب السياسية الإسرائيلية في تلك الفترة. وكتاب "حماس التجربة والخطأ" وهو رصد لتجربة الحركة، وكتاب "المجد" الذي يرصد عمل الجهاز الأمني للحركة في ملاحقة العملاء ومجابهة عمل جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، وكتاب "أشرف البعلوجي" الذي تناول فيه عملية الأسير المحرر أشرف بعلوجي في مدينة يافا، كما له رواية بعنوان "الشوك والقرنفل"، تسرد تجربة النضال الفلسطيني بعد عام 1967 حتى الانتفاضة.