27-سبتمبر-2023
3 من أهم أفلام شون بن

شون بن وبوسترات أفلامه (الترا صوت)

تحفل حياة النجم السينمائي الكبير شون بن بالكثير من الجدل والصدامات السياسية، فهو ممثل من الذي يأخذ الحياة على محمل الجد، ولا يكتفي منها فقط بموقعه ومكانته الاجتماعية. وهو لا يدعي الانخراط في القضايا الجدلية، أو يتخذ منها وضعيات فوتوغرافية تبقيه في المساحة الآمنة وتلمِّع صورته، بل هو منخرط فعلًا في الصدامات مع السياسيين وفي القضايا السياسية المتعلقة بتنامي الاستغلال للسلطة، ونشر التجهيل، وترسيخ الظلم.

ويجد بن أن الدور الاجتماعي الذي تمثّله السينما لا يكون في الندوات والكتيبات البلاستيكية والمقابلات المدفوعة، بل في المواجه الحيّة العلنية، فإثارة الانتباه لأي قضية تكون في عدم المراوغة والتعرّض لأسبابها الحقيقية دون مواربة، وسوء استخدام السلطة، في أي مكان، هو جذر لكل ظلم وكل أزمة إنسانية.

يرى شون بن أن دوره كنجم سينمائي لا ينفصل عن دوره كناشط سياسي، وأنه لا معنى للنجومية إن لم تؤد دورها الاجتماعي المطلوب

ورغم المخاطرة التي قد تمثلها هكذا مواجهات مع شخصيات قوية ونافذة في عالم السياسة، والتي قد تهدد وجوده المهني أو حتى الشخصي، لكنه مضى في تفسير دوره الاجتماعي، كفرد، عبر مهنته بطريقة مبسطة وخالية من التأويل. فإذا كان هدف السينما الجيدة إحداث تغيير، فعلى هذا التغيير أن يكون حقيقيًا وملموسًا، وألا يكون مجرد هدف هلامي مخادع يجني مكاسبه مجموعة صغيرة من العاملين عليه.

لذا ترى أن بن من أشد المعادين للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إذ يرى أن خطابه الشعبوي ما هو إلا وسيلة لسلب انتباه الناس وتضليلهم عما يجب أن يهتموا به، ويرى أن الخطاب الشعبوي الذي يخاطب المشاعر والأحاسيس هي طريقة دنيئة ورخيصة للسيطرة على الناس والتحكم بعقولهم واتجاهاتهم، واستخدام لبعض الحقائق لتمرير الباطل.

وقد يظن البعض أن موقفه المعادي لترامب يأتي من طبيعته الديمقراطية المؤدلجة التي تميل نحو اليسار الديمقراطي، لكنه يفاجئ الجميع باعتراضه على حملة "أنا أيضًا" التي تحث ضحايا التحرش على فضح المتحرشين، واتهم المناصرين لها بالكيدية والجهل ووضع العدالة بيد بعض المراهقين، ليواجه بعد ذلك هجومًا عكسيًا اتُهم فيه بأنه يمارس العنف المنزلي، لذلك يعترض على الطريقة التي تستعيد فيها الضحية كرامتها، عبر فضح المتحرش.

وهناك الكثير من المواقف الأخرى التي أظهر فيها صرامة وحدة شديدتين، لعل أبرزها تهديده لـ"أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة" في هوليوود قبل حفل الأوسكار، بإذابة جوائز الأوسكار التي حصل عليها إن لم يمنح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي وقتًا كافيًا لشرح تفاصيل العدوان الروسي على شعبه، وقال إن تجاهل أمر كهذا سيكون من أفظع وصمات العار التي ستطبع تاريخ الأكاديمية. وسبق موقفه الحاد هذا زيارته إلى أوكرانيا ومقابلة الرئيس الأوكراني، حيث أعاره تمثال الأوسكار وطلب منه إعادته فقط عندما تنتصر المقاومة الأوكرانية.

هكذا يعود شون بن ويضع صناعة السينما أمام السؤال الصعب: هل السينما فعل سياسي، أم أنها صناعة ترفيهية؟ ويزج بمفهوم النجومية في قلب الصراعات السياسية والاجتماعية، ويساءل دورها وأهميتها. إذًا نحن بلا شك أمام ممثّل يريد أن يكون للفن دور أكبر في تحفيز العدالة الاجتماعية، ومقارعة الظلم، والتفكير بعمق، وعدم الانسياق وراء مظاهر الاستهلاك، وقياس كل شيء بمقياس المصالح الاقتصادية، والعودة لتعريف الإنسان وفق ما يمثّله وليس وفقًا لمصالح سياسية. 

وربما لم يكن يتسنى لشون بن أن يكون بكل هذه الجسارة والعناد والقوة لو لم يكن يحظى بمكانة فنية مرموقة، ولو لم يكن يتمتع بمصداقية كبيرة في هذه المواجهة، فهو يرى أن دوره كنجم سينمائي لا ينفصل عن دوره كناشط سياسي، وقد لا يرى معنىً من النجومية إذا هي لم تؤدي دورها الاجتماعي المطلوب.

​​لذلك، سنتوقف في هذه القائمة مع 3 من أهم أفلام شون بن، وهي الأفلام التي صنعت سيرته كنجم سينمائي كبير، علّها تعكس شيئًا من شخصية المناضل السياسي الذي هو عليه الآن، فهو خلافًا لنشاطه السياسي والاجتماعي، ممثل دؤوب انتزع مكانته بين نجوم الصف الأول في هوليوود عبر مراكمة تجارب استثنائية قدّمت حالات نموذجية في فن الممثل، سواء في السينما أو حتى في المسرح. 


1- I Am Sam

يقدّم شون بن في هذا الفيلم، الذي نال عنه ترشيحًا لجائزة الأوسكار، واحدًا من الأدوار التي انقسم النقّاد وكبار أساتذة مناهج التمثيل حول أدائه فيها. فالبعض رأى أنه قدّم معالجة عميقة واستثنائية لشخصية تعاني من الإعاقة الذهنية ومحدودية العمر العقلي، وأنه غرق فيها لدرجة أن أحدًا لم يصدق أنّه ممثل بل شخص حقيقي يُعاني من هذه الإعاقة.

بينما رأى آخرون أن بناء الشخصية في الأصل يفتقر إلى البناء العميق، وأنه يقوم على مغالطة تخلط بين توقّف العمر العقلي ومحدودية الذكاء، وبين الإعاقة الذهنية الناتجة عن مرض عقلي. وفي هذا فرق كبير، ولا يمكن لممثل لا يدرك الفرق بين الأمرين أن يقدّم معالجة عميقة لهذا النوع من الشخصيات، إذ رأوا أن أداؤه متذبذب يخبو ويلمع تبعًا للمعالجة الدرامية للمرض. وعلى الرغم من أن بن حصل على ترحيب جماهيري عن أدائه وترشيح للأوسكار، لكن الرأي المخالف يحظى بكثير من المنطق.

تدور قصة الفيلم حول رجل يدعى سام، عمره العقلي متوقف عند عمر السبع سنوات، تهجره صديقته وتترك له ابنة ليقوم برعايتها، تتعمق العلاقة بين الأب والفتاة الصغيرة، لكنها تصل إلى طريق مسدود عندما تبلغ الفتاة عمر السابعة، وتُعرّي محدودية قدرته على تقديم الرعاية لفتاة ترتاد المدرسة، فتعلّق المحكمة أمر حضانته لها، وتعطيها لعائلة ترغب بتبني طفل.

يخوض سام، ذائع الصيت في منطقته والمحبوب من محيطه، معركة قضائية بمساعدة محامية تتطوع للترافع، ويستطيع سام كسب القضية، لكن الفيلم يُظهر في المشهد الأخير كيف يجتمع سام مع المحامية والعائلة التي تبنت الفتاة في مباراة، وذلك في إشارة إلى تقاسم أمر رعاية الفتاة بين سام والعائلة، كأن الفيلم يقول إن المحبة وحدها لا تكفي لرعاية طفل. 



2- Gangster Squad

يقدّم شون بن في هذا الفيلم واحدًا من أروع أداءاته التمثيلية، ويُظهر براعة استثنائية في بناء الشخصية السينمائية من الداخل إلى الخارج. يلعب بن في فيلم العصابات هذا دور رجل مافيا في عصابة يقوم بتصفية زعيمها، ويبدأ بإنشاء شبكة من العلاقات مع رجال شرطة فاسدين، ثم يتوسع لتطال علاقاته سياسيين ورجال نافذين ليُحكم قبضته في النهاية على مدينة لوس أنجلوس بالكامل.

يُظهر الفيلم جوانب من فساد الشرطة والسياسيين الذين ظهروا فيه وكأنهم انضموا إلى عضوية العصابة، وأصبحوا شركاء ميكي كوهين في التحكم في مصادر الأموال المتدفقة إلى المدينة. ولكي يُكبح جماح رجل العصابات الطموح هذا، تشكّل مجموعة من رجال الشرطة عصابة مضادة تعمل في الخفاء، وتبدأ بتدمير إنجازات كوهين وتخريب أعماله.

الفيلم مشغول بروح الخمسينيات وأجوائها المثيرة دراميًا، ويعد واحدًا من أفلام العصابات المميزة التي لا بد وأن يتذكّر من شاهده الأداء التمثيلي البارع لشون بن، ولكل طاقم تمثيل الشخصيات الأخرى، مثل رايان جولسينج، جوش برولين، وإيما ستون. والفيلم من تأليف بول ليبرمان، وإخراج روبن فلايشر. 



3- Mystic River

كان رهان المخرج والممثل الكبير كلينت إيستوود على شون بن، للعب شخصية جيمي في الفيلم الأيقوني "Mystic River" بعد انقطاعه لفترة من الزمن عن التمثيل، وهي العودة التي منحته أول جائزة أوسكار له. وفي هذا الفيلم، خيمت روح إبداعية خاصة طالت الجميع، من المخرج حتى أصغر ممثل فيه، وكانت هذه الروح الإبداعية غامضة غموض النهر الذي كان بطل الحكاية الرمزي.

يتحدث الفيلم عن أشباح الماضي التي تطاردنا وترسم مصائرنا وتحدد طريقة نظرتنا إلى الحياة من خلال قصة ثلاثة أصدقاء هم شون، جيمي، وديف. يتعرض الثلاثة خلال فترة المراهقة لحادثة يلاحقهم فيها مجموعة من الرجال يأخذون ديف ويغتصبونه ويحتجزونه لأيام قبل أن ينجح في الهروب.

وبعد 25 عامًا، تجتمع المصائر مرة أخرى وتُعيد لم شمل الأصدقاء بعد أن فرقتهم تلك الحادثة المأساوية، بحادثة أخرى وهي مقتل ابنة جيمي الذي يؤدي دوره شون بن، بينما يلعب كيفن بيكن دور شون المحقق، في حين يلعب تيم روبنز دور ديف، الذي تدور حوله الشكوك بعد عودته في يوم مقتل الفتاة.

تدور الشكوك حول ديف الذي يعود في يوم مقتل الفتاة مضرجًا بالدماء، ويُصبح بعد تلك الليلة غريب الأطوار. في المقابل، يحقق جيمي العدالة بنفسه، ويثأر لابنته من ديف ظنًا منه أنه هو قاتلها، بينما تكشف التحقيقات بعد ذلك أنه لم يقتلها، بل قتل رجلًا آخر أمسك به وهو يتحرش بطفل صغير.

الفيلم حزين ويلفه الغموض ومترابط بطريقة ساحرة وتشويقية، فضلًا عن نفحة فلسفية منحته روحًا وإيقاعًا خاصًا، ويكفي ذلك المشهد العبقري الذي يتلقى فيه جيمي (شون بن) نبأ مقتل ابنته ويتعرف على جثتها ليجعل الفيلم محفورًا في ذاكرة كل من يشاهده.

ويُعتبر هذا المشهد بالذات واحدًا من أجمل وأصدق المشاهد السينمائية في تاريخ السينما، إذ تحدثت عنه الصحافة والنقاد لسنوات، ولايزال يشغل بال كثيرين، ويتم تداوله على مواقع التواصل كلقطة نادرة الحدوث، مثلما يجري تداول مشاهد ظهور الصحون الطائرة، والكائنات الفضائية في السماء. كما وضع هذا المشهد الممثل شون بن بين عمالقة التمثيل في هوليوود.