05-يوليو-2016

أحد فعاليات يوم الاستقلال الامريكي (Getty)

يحتفل الأمريكيون يوم الرابع من تموز/يوليو من كل عام بذكرى انفصالهم عن المملكة المتحدة عام 1776. ولكن ديلن ماثيوز يحدثنا في هذه المقالة عن بعض الجوانب المظلمة في الاستقلال الأمريكي، فهل كان هذا "البريكسيت" القديم أمرًا سيئًا حقًا؟


تشير معظم القرائن إلى أنّ الإمبراطورية البريطانية كانت ستلغي نظام الرقّ في أمريكا قبل أن يفعل الأمريكيون ذلك بكثير

الرابع من تمّوز ليس يومًا للكلام المنمّق، ولنقلها اليوم بلا مواربة: لقد كان الاستقلال الأمريكي عام 1776 غلطة فادحة، ويجدر بالأمريكيين أن يندبوا هذا اليوم الذي انفصلوا فيه عن المملكة المتحدة لا أن يحتفلوا فيه.

اقرأ/ي أيضًا: المصالحة مع إسرائيل..تركيا تراجع موقفها الإقليمي

لا شكّ أنّ الحديث عن الثورة الأمريكية يتطلّب الحديث عن وقائع مضادّة، وهذه مهمّة عسيرة يدرك المؤرّخ خطرها، وليس بوسع أحد أن يعطي تصوّرًا أكيدًا عما كانت ستؤول إليه حال أمريكا لو أنّها بقيت مدّة أطول تحت إدارة الإمبراطورية البريطانية أو أنّها حصلت على استقلالها مثلًا بعد قرن من الزمن كما حصل مع كندا.

ولكنّي على قدرٍ كبير من القناعة بأنّ الحال بدون الثورة الأمريكيّة كان ليكون أفضل وذلك لأسباب ثلاثة أساسيّة سأوجزها إليكم باختصار.

1. لولا الاستقلال لما تأخر إلغاء نظام العبوديّة في أمريكا

تشير معظم القرائن إلى أنّ الإمبراطورية البريطانية كانت ستلغي نظام الرقّ في أمريكا قبل أن يفعل الأمريكيون ذلك بكثير، وأنّ ذلك كان ليحصل من دون إراقة الكثير من الدماء.

لقد ألغت الإمبراطورية نظام الاستعباد في معظم الأراضي التابعة لها بحلول العام 1834، باستثناء الهند، حيث طبّق قانون إلغاء العبودية هناك بعد عشر سنوات من ذاك التاريخ. وفي إنجلترا نفسها كانت العبوديّة أمرًا مخالفًا للقانون منذ العام 1772، وهي بذلك تسبق الولايات المتحدة بالعديد من العقود.

وهذا سبب وجيه في المرافعة ضدّ الثورة الأمريكية، فعقودٌ أقلّ من العبوديّة هو مكسب إنسانيّ ضخم يفوق أي مكسب حققه المستعمرون البيض حين انفصلوا عن المملكة المتحدة. لقد كان المكسب الأكبر للثورة هو المزيد من القوّة السياسيّة التي اكتسبتها الأقلية الأمريكيّة من الرجال البيض، أمّا بالنسبة لغالبيّة الناس في أمريكا في تلك الفترة، من النساء والعبيد والسكّان الأصليين، فلم يشكّل الاستقلال عن المملكة المتحدة كبير فرقٍ لهم، بل ربّما كان البقاء تحت حكم بريطانيا أفضل للنساء والأقليّات لأنّ التحرير من العبوديّة لم يكن ليستثنيهم كما حصل في أمريكا بعد الثورة. فماذا يمنع، من وجهة نظر الأكثريّة الأضعف في أمريكا، لو رزح الرجل الأبيض مزيدًا من الزمن تحت حكم المملكة المتّحدة، وكسب العبيد عقودًا من العتق والحريّة؟

وقد أدرك العبيد في أمريكا إبّان الثورة أنّ فرصتهم في نيل الحريّة ستتضاءل لو تحقق الاستقلال الذي يرجوه المستعمرون البيض، ولذا فإن أكثر من مائة ألف منهم خلال الثورة حاولوا الفرار وكثير منهم تعرضوا للموت والقتل، كما أنّ عشرات الآلاف انضمّوا إلى صفوف الجيش البريطاني، وقلّة فقط وقفوا إلى جانب الثوار.

التطهير العرقي الذي حصل بعد الاستقلال الأمريكي لم يكن ليقع لولاه، وكان السكان الأصليون يدركون هذا الأمر، فانحاز معظمهم إلى جانب البريطانيين

لقد عقد الأمريكيون السود حريّتهم بالقتال إلى جانب البريطانيين، وهو الجانب الذي وعدهم بمنحهم الحريّة التي يرجونها، وهذا ما حصل فعلًا بعد انتهاء الحرب، حيث ساعدت بريطانيا الآلاف من العبيد في الحصول على حريتهم ونقلت العديد منهم إلى نوفا سكوشا وجامايكا وإنجلترا.

ولا يعني هذا بالطبع أنّ دافع بريطانيا في كلّ ذلك هو الرغبة في تحرير العبيد، قطعًا لا، ولكنّ العبيد لم يكونوا أغبياء، فهم اختاروا التاج البريطانيّ لأنّهم أدركوا تمامًا أنّ الاستقلال للمستعمر الأبيض سيمنحه المزيد من السلطة لتعزيز الوضع القائم من العبوديّة، بينما كان انتصار المملكة المتّحدة يمثّل فرصة أكبر بكثير للحصول على الحريّة المنتظرة.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

2. لم يكن الاستقلال في صالح السكّان الأصليين

لقد وضعت السلطات الاستعمارية البريطانية منذ العام 1763 قيودًا على الاستيطان في الغرب الأمريكي، ونؤكد مجددًا على أنّ الدافع لم يكن بالتأكيد رأفة البريطانيين بالسكان الأصليين وعدم الرغبة في إخضاعهم لسيطرة المملكة المتحدة، ولكنّهم كانوا يسعون لتجنّب المزيد من الأزمات والصراعات في تلك الفترة.

وكانت هذه السياسة مثار سخط المستوطنين الأمريكيين الذين رأوا أن بريطانيا تقف في صالح الهنود ضدّ الرجل الأبيض. والواقع كما يقول المؤرخ إيثان شميدت أنّ الحكومة البريطانية كانت تعد السكّان الأصليين رعايا للتاج البريطاني، كما هي حال المستوطنين البيض، وهذا كان محلّ اعتراض ورفض المستوطن الأمريكيّ الذي رأى أنّ السكان الأصليين ليسوا سوى عائق أمام أحلامه في امتلاك الأرض وتحقيق الثروة و"السعي وراء السعادة". وقد كان هذا التوجّه واضحًا في إعلان الاستقلال، حيث جاء فيه انتقاد لسياسة الملك جورج الثالث الذي كان منحازًا وفق وثيقة الإعلان "للهمج من الهنود المتوحشين".

هذا لا يعني أنّ القتل والظلم لم يكن ليصيب السكّان الأصليين، ولكنّ التطهير العرقيّ الذي حصل بعد الاستقلال لم يكن ليقع لولا الاستقلال، وكان السكّان الأصليون، كما العبيد السود، يدركون هذا الأمر، فانحازت معظم القبائل إلى جانب البريطانيين أو بقوا على الحياد، وقلّة فقط دعموا المتمردين. ويمكن القول عمومًا إنّ في معارضة فئتين من أكثر الفئات اضطهادًا في المجتمع لفكرة ما إشارةً إلى أنّها فكرة سيئة، وكذا كان الاستقلال الأمريكي في نظرهم.

3. لولا الاستقلال لربما كان في أمريكا نظام حكم أفضل

بالإضافة إلى السببين سابقي الذكر، وهما في رأيي كافيان لنزع تلك الصورة الوديعة والحالمة عن الاستقلال الأمريكي نظرًا لما تعرّض له السود والسكان الأصليون من معاملة فظيعة بعدها، فهنالك قضيّة أخرى تتعلق بنظام الحكم. فلو بقيت أمريكا تحت حكم المملكة المتّحدة لكان من الممكن أن يكون نظام الحكم فيها الآن برلمانيًا ديمقراطيًا لا رئاسيًا.

إنّ الديمقراطيّات البرلمانية أفضل على العموم من النظم الرئاسيّة، ذلك أنّ فرصة تحولها إلى نظم دكتاتورية أقل من النظام الرئاسي، فالخلافات في الديمقراطية البرلمانية لا تؤدّي إلى صراع بين الرئيس والمجلس التشريعي أو الدستور كما هي الحال في النظم الرئاسيّة. لقد كان من الممكن كذلك أن تبقى أمريكا تابعة للتاج البريطانيّ وأن يكون النظام فيها دستوريًا ملكيًا. ومن المعروف أنّ النظام البرلمانيّ يحتاج إلى رأس للدولة غير رئيس الوزراء ليكون طرفًا حاكمًا في حال نشوء خلاف حول تشكيل الحكومة، كمنح الحقّ مثلًا للحزب الأكبر بتشكيل حكومة أقليّة، أو أن تقوم أحزاب أصغر بتشكيل تحالف في البرلمان، كما حصل مؤخرًا في كندا مثلًا.

وقد يكون رأس الدولة رئيسًا ينتخبه البرلمان (ألمانيا، إيطاليا) أو الشعب (أيرلندا، فنلندا) كما قد يكون ملكًا. والملك في الدستوريات الملكيّة أكثر فعاليّة وأضمن للإجراءات الديمقراطية من الرئيس بفضل الشرعيّة العليا التي يحوزها.

كما يمكن القول أنّ الملك أكثر انضباطًا ومسؤولية عادة من الرئيس سواء كان منتخبًا من البرلمان أو من الشعب، ذلك أنّ الرئيس عادة ما يأتي بشرعيّة الديمقراطيّة ويكون من السياسيين السابقين في البلاد، فيمكن تصوّر تدخّله في بعض الشؤون السياسيّة المحليّة، بينما يصعب تخيّل حدوث ذلك من ملكة أو ملكة، فلا يتخيّل مثلًا أن تقوم الملكة إليزابيث أو من يمثّلها في كندا أو نيوزلندا أو غيرها من دول التاج البريطانيّ بالتدخّل في الشؤون السياسيّة للدولة، وإن حصل ذلك فالعاقبة تكون وخيمة جدًا، كما حدث عام 1975 في أستراليا وكانت النتيجة أزمة دستورية أربكت البلاد، بينما يمكن أن يمرّ تدخّل الرئيس المنتخب بلا محاسبة أو تدقيق، كما حصل حين تدخّل الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو، تحت ضغطٍ من التماسات المستشارة الألمانية ميركل، للإطاحة برئيس الوزراء برلسكوني عام 2011.

اقرأ/ي أيضًا:

الجوع..سلاح داعش للسيطرة على سكان الفلوجة

دبلوماسيون أمريكيون يطرحون رؤية أخرى للحرب السورية