10-ديسمبر-2019

تشابهت مطالب الانتفاضات العربية، وتشابهت إستراتيجيات الأنظمة لقمعها (EPA)

منذ اندلاع الموجة الأولى من الربيع العربي أواخر عام 2010 في تونس، وما تلاها من موجات مستمرة حتى يومنا هذا، وخروج الملايين من الغاضبين في الشوارع تُطالب بالحرية والديمقراطية الحقيقية والكرامة وحق تقرير المصري، ورفض الديكتاتوريات الصريحة والمستترة؛ كان هناك الكثير من التشابه في مطالب المنتفضين، كما كان هناك تشابه أكبر في كيفية تعامل الأنظمة مع تلك الانتفاضات، والتي تبدو وكأنها منهج واحد يُعمم على الأنظمة لوأد الثورات.

ثمة تشابه كبير في تعامل الأنظمة المختلفة مع الانتفاضات الشعبية، فيما يبدو وكأنه منهج واحد يُعمم على الأنظمة لوأد الثورات

1. الضربة الأولى.. محاولة القضاء على الانتفاضة في مهدها

عادة ما تسبق أي ثورة عدة مظاهرات وتجمعات وسلسلة من الاحتجاجات المتتالية، إلا أن التنبؤ بوقت الانفجار الكبير بالضبط يكون صعب للغاية، لذا فعند اندلاع الشرارة الأولى لأي انتفاضة أو حراك كبير، فلا السُلطة ولا المتظاهرون سيدركون حجم تلك الانتفاضة، وعليه ستتعامل السُلطة معها بمثل ما تعاملت من قبل مع الاحتجاجات والانتفاضات السابقة، بمحاولة وأدها سريعًا.

اقرأ/ي أيضًا: الثورات العربية بين التحرر والحرية

ستستخدم السلطة القمع، وستعمل على تفريق المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وأحيانًا الرصاص الحي، وكذا بالقبض على كثير من المتظاهرين. لكن ذلك عادة لا ينهي الانتفاضة، وإنما يزيدها اشتعالًا لتصبح انفجارًا أكبر من المعتاد.

2. اليد التي لا تستطيع قطعها قبّلها

بعد فشل المحاولة الأولى لقتل الحراك في مهده واستمرار الاحتجاج وتضخم عدد المتظاهرين بأعداد أكبر مما توقعته السُلطة، فيما يمكن تسميته بالانفجار، والذي يحدث خلال الأيام الأولى للحراك، وأحيانًا خلال ساعاته الأولى؛ تبدأ السُلطة في تبني خطاب مختلف تمامًا.

ستعترف السلطة بأحقية مطالب المحتجين، وستدعي بأنها تتبنى مطالب الانتفاضة، وأنها تسعى لتحقيقها منذ سنوات. وستخرج من قلب السلطة وجوه جديدة غير مألوفة للناس، لخداعهم بأن السلطة تتبنى مطالبهم وستعمل على تحقيقها.

3. وهم نجاح الثورة في أيامها الأولى

تعمل الأنظمة الحاكمة عادة على إيهام الناس بأن ثوراتهم قد نجحت، من خلال بعض الإجراءات الشكلية التي يتم تضخيمها لتبدو وكأنها تحقيق لمطالب الثورة؛ فيتم إصدار بعض القرارات، أو تقديم بعض الأشخاص للمحاكمة، والذين كانوا يمثلون النظام في بعض الأوقات، وكانوا يظهرون بمظهر النافذين أو المهمين أو من أركان النظام. 

إلا أن هؤلاء عادة ما يكونون الطرف الأضعف في النظام، أو القشرة الخارجية له. وتلك القرارات ما هي إلا مُسكنات يمكن الانقلاب عليها والعودة إلى ما قبلها بقرارات مشابهة لاحقًا. 

لذا فمن المهم التذكّر بأن الثورة هي تغيير في بنيان المجتمع ككل، وفي علاقة هذا المجتمع بالسلطة، بما يتطلب تغييرًا جوهريًا في أسس وبنيان النظام، منها ما يتمثل في تغيير الأساس الذي تُبنى عليه السُلطة نفسها وطريقة تشكيلها وحكمها، الأمر الذي يحتاج وقتًا ومجهودًا مستمرًا.

4. المماطلة في تحقيق المطالب

إن رهان السُلطة الدائم في مواجهة أي انتفاضة، هو ملل الناس وضعف زخم الحراك مع مرور الوقت. لذا فعادة ما تقوم السلطة بالمماطلة في تحقيق المطالب لكسب الوقت الذي يعطيها الفرصة لجمع شتاتها من جديد، وتجهيز أوراق جديدة للعب. 

ومع قلة أعداد المتظاهرين، وضعف زخم الحراك، سيكون من السهل ضرب الانتفاضة والقضاء عليها، استنادًا إلى قوى السلطة، وثرائها بما يجعلها قادرة على تحمل أطول فترة ممكن في مواجهة الأزمات، في مقابل أفراد في الشارع بمصادر دخل محدودة، ومتطلبات عيش ضرورية قد تجبرهم على العودة لمنازلهم في نهاية المطاف.

لذا فإن رهان السلطة أنه كلما طال الوقت، فستنفض الغالبية العُظمى من الناس يدها عن الانتفاضة، مدفوعةً بضروريات الحياة ومتطلبات المعيشة التي تزداد سوءًا مع استمرار الحراك.

5. أخطر ما يواجه النظام هو النظام البديل

كل الأنظمة الحاكمة في العالم تعمل على استمرارها في السلطة، لكن في الدول الديمقراطية تعمل السُلطة الحاكمة على كسب رضا الشعب خلال فترة حكمها، وتقديم كل ما يمكن من امتيازات للناخب لإعادة انتخابها، بدلًا من معارضيها. 

أما في الأنظمة المُستبدة، فإنها تعمل على القضاء على معارضيها وتعجيزهم عن خلق نظام بديل، لذا فإنها عادة ما تقوم بتدمير أي تنظيم يتكّون بشكل دوري، سواء بضربه أو محاولة تفجيره من الداخل، وهو ما يحدث في الثورات أيضًا، حيث تُحافظ السُلطة على عدم وجود قيادة ولا تنظيم للحراك، حتى تظل المطالب عامة وغير محددة، فيمكن تضليل الغالبية العُظمى من الناس، وإعادة نفسها من جديد دون دخول شريك أو نظام بديل يحمل مطالب ثورية، بما يُعرّض استقرار واستمرار النظام للخطر. 

وهو ما يحدث بطرق مختلفة، منها ترويج بعض الشعارات والأقوال التي ترفض تنظيم الحراك أو تكوين بديل، أو باستهداف هذا التنظيم وقيادات الحراك تشويهًا، وبالقضاء عليهم شعبيًا، أو القبض عليهم لإضعاف تنظيمهم، وصولًا للقضاء على حياتهم في بعض الأحيان. لكن يبقى التنظيم والقيادة والمطالب المُحددة الواضحة لأي حراك هو رأس الحربة للقضاء على أي نظام مستبد.

6. الشائعات والأخبار الكاذبة

يستهين الكثير من الناس بالشائعات التي تروجها السلطات في مواجهة أن انتفاضة. لكن الحقيقة أن هذه الشائعات والأخبار الكاذبة تؤثر في نسبة كبيرة من الناس. 

وأحيانًا تكون هذه الشائعات لضرب شخصيات مؤثرة حتى لا تصعد كقيادات للانتفاضة، وأحيانًا أخرى يتم ترويج كمية ضخمة من الأخبار الكاذبة يتم تكذيب بعضها من السلطة نفسها، لإغراق الناس في الشك، بحيث تختلط في أذهانهم الحقائق بالكذب. أو عبر أخبار مروعة لإخافة الناس، عملًا بالقول الشائع: "ليس هناك أسهل من قيادة جماهير خائفة أو جائعة". 

لذا فأخبار السرقة أو القتل والفوضى، عادة ما يتم إشاعتها بشكل كبير وتضخيم بعضها وترويجها بشدة لإخافة الناس ودفعهم للبقاء في منازلهم.

7. الاستغلال السياسي

تنظيم الحراك واختيار قيادة تحمل ثقة ومطالب الغالبية العُظمى من الناس، وتحمل رؤية محددة للانتقال إلى النظام المرجو، ليست مهمة فقط في مواجهة السُلطة الحاكمة، لكن أيضًا في مواجهة الاستغلال السياسي للحراك من قبل جهات أخرى لها مصالح ضد السُلطة. 

تلك القوى يمكن أن تكون داخلية أو خارجية، فهناك تنظيمات أكثر سلطوية من السلطة نفسها، عادة ما تحاول استغلال الحراك للوصول إلى السُلطة، والتي عادة ما تكون أكثر تنظيمًا من باقي الحراك، وتستميت في بقاء هذا الوضع على ما هو عليه.

كذلك فإن هناك جهات خارجية لها مصالح في القضاء على النظام، ولكن ليس لاستبداله بنظام أكثر ديمقراطية أو عدالة، وإنما لتحقيق مصالحها هي، ولو بصعود نظام أكثر استبداد وفاشية. 

لذا فإن وضوح المطالب وتنظيم الخطوات وفضح الممارسات أو المطالب البعيدة عن مطالب الحراك والأشخاص الذين يدفعون في تلك الاتجاهات مهم، ولكن ذلك لا يعني التطهرية الثورية، ولكن وضوح الحراك وتمييزه عما دونه من مصالح أخرى.

8. تصاعد القمع وتشتيت قوة الثورة

كما قلنا سابقًا، المطالب العادلة المُحددة التي تقف وراءها الحشود، هي رأس السهم الموجه لقلب الاستبداد، لذا فإن تشتيت هذه الجموع مهمة لا تقل خطورة عند السُلطة، وعليه فإنها ستخلق كل يوم أزمات جديدة تُشتت من قوى الحراك وتجعل المطلب الواحد ألف مطلب بألف قوة أضعف من القوة الأساسية التي تحمل مطالب الثورة بتغيير حقيقي في بنيان النظام. 

ذلك التشتيت عادة ما يكون بخلق أزمات أو القبض على كثير من المتظاهرين وتفجير قضايا جديدة تجذب اهتمام الناس، وخلق الأزمة وإخراج حلها بعد فترة كجزء من المماطلة والخداع والتشتيت. لذا فإنه من المُلزم على القوى الدافعة للحراك ألا تحيد أعينها عن مطالبها الجوهرية وخطوات تغيير المنظومة الحاكمة والبنية المؤسسة لها.

9. تحميل الثورة مسؤولية هذه الأزمات

لا تتوقف محاولات السُلطة للقضاء على الحراك أو تشويهه أبدًا. ومن طرق التشويه تلك إلصاق كثير من الأزمات بالحراك وتحميله مسؤوليتها، سواء أكانت أزمات موجودة سابقًا، أو يتم اختلاقها أو تضخيم بعضها بشكل كبير. 

فالتردي الاقتصادي الذي عادة ما يكون أحد أسباب الانفجارات الشعبية، سيزداد سوءًا خلال الحراك، وهو الشيء الطبيعي أحيانًا والمفتعل أحيانًا أخرى. لكن في كلتا الحالتين سيتم تحميل الحراك مسؤوليته، بحجج توقف الإنتاج وتهديد الاستثمار والسياحة وغيرها.

بالرغم من أنه لولا تلك الأزمات لم يكن هناك حراك بالأساس في غالب الأمر. وقد تكون الأزمة التي ستلصقها السلطة بالحراك، من الأزمات اليومية العادية، مثل حادث قتل أو حريق أو غيرهما.

10. ليس بالإمكان أفضل مما كان

ستسعى السُلطة دائمًا للظهور بمظهر المُخلّص والمخلص، فإذا قامت بإشراك بعض رمز الحراك في السُلطة أو الاستمرار هي نفسها، ستستمر الأزمات لإقناع الناس بأن هذه هي قدرات الدولة، وهذا هو قدرهم، وأنه لم يكن هناك حل أفضل مما كان. 

بل في بعض الأحيان سيتم تأزيم الأزمات بشكل أكبر، أو ظهور نتائج سياستهم الفاسدة إذا تولى غيرهم بعض السُلطة، فيظهرون بعدها بأنهم هم الأحق بالسلطة، وأنهم كانوا الأكثر حكمة ومهارة في الحُكم. وهكذا يسهلون على أنفسهم الانقلاب على أي تغيير تحدثه الانتفاضة.

التغيير عملية طويلة ومستمرة، ويجب أن تستهدف البنيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يخلق بيئة الاستبداد نفسها

لذا قد يكون من الضروري تذكّر أن التغيير عملية طويلة ومستمرة، ويجب أن تستهدف البنيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يخلق بيئة الاستبداد نفسها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"جماهير التوتاليتارية" بين غوستاف لوبون وحنة آرندت

في حاجة الاستبداد إلى المؤامرة