18-يوليو-2019

لوحة من حضارة المايا (Getty)

جوارب رمادية بملمس قطني    

كلما حل الشتاء تذكرت جواربي الرمادية التي تناسيتها ذات يوم عندك. كانت من قطن، ملمسها ناعم جدًا تبعث في الدفء في ثوان وأنا التي تعودت أن أقضي الشتاء بقدمين متجمدتين، لم ينفع معهما ارتداء ثلاث أو أربع جوارب، حتى عثرت على هذين الجوربين الرماديين في أحد أكداس الملابس المستعملة، لم يتعد ثمنهما الدينار الواحد. يومها قلت لا بأس بأن نلحقهما إلى التشكيلة الشتوية الموجودة في الخزانة.

ما أن لامس قطنهما الناعم قدمي حتى انبعث فيهما دفء لم أشعر به يومًا، وخلال عشر دقائق سرى في خدر جميل سحبني إلى نعاس طويل. منذ ذلك اليوم أصبح استعمال الجوارب بديلًا عن المهدئات، فلم أعد استغني عنهما حتى وأنا أتحضر للنوم بملابس خفيفة. كان يكفي أن ألبس ذلك الجوربين حتى أنسى الإحساس بالبرد.

لكن ليلتها وأنا بجانبك على ذلك السرير، لم أشعر بهذا الدفء ولم تسر في جسمي تلك الحرارة التي كانت من المفروض أن تنبعث من قدمي حتى رأسي إلى أن تحمر وجنتي. ليلتها أدركت أنك تحتاج هذين الجوربين أكثر مني، بعدها كان الفراق وابتعدت تاركة لك جوارب رمادية بملمس قطني.

يدا رسول في جوارب شفافة

كانت هوايته جمع ما تتركه صديقاته في كل زيارة له لتمضية بعض الوقت. يومها احتفظ بشيء مميز بعض الشيء. كانت ساقاها مثيرتان جدًا وهما ملفوفتان مثل هدية داخل جوربين أسودين شفافين. ظل يراقبها وهي تجوب الشقة متفحصة الغرف. كان كعبها العالي يُحدث صوتًا متناغمًا على الرخام الرمادي. جلست على المقعد أمامه وبحركة رشيقة تخلصت من حذائها، ثم وضعت ساقيها على الطاولة محركة أصابع قدميها متذمرة من ضغط الحذاء عليهما، ظل كل تركيزه على حركة ساقيها، وعلى أظافرها المطلية باللون الأحمر القاني. لا يذكر كيف وصلا الى السرير لكن يتذكر جيدًا كيف انفجرت ضاحكة عندما طلب منها أن تخلع جوربيها بحذر دون أن تمزقهما ثم قام بلفهما بعناية ووضعهما على المنضدة بجانبه. لم يكن مهتمًا بجسدها بقدر اهتمامه بربلتي ساقيها، كانتا مصقولتين بشكل مثالي، كأنهما من تماثيل مايكل أنجلو المصنوعة من مرمر أبيض لا تشوبه شائبة. حتى بعد أن انتهى من جولة الغرام وغادرت الشقة لم يعلق بذهنه شيء سوى شكل ساقيها المعلقتين في الفضاء كيدي يسوع تتضرعان للرب.

اثنا عشر جوربًا على حبل الغسيل

حركت لسانها ببطء لتتلذذ طعم النيكوتين على شفتيها، ظل رأسها إلى الخلف لقرابة خمس دقائق. لم تنفع السيجارة التي دخنتها توًّا في التقليل من توترها. من قال إن التدخين يزيل التوتر؟ نظرية خاطئة طبعًا هي فقط تتحجج حتى تملأ رئتيها بدخان السيجارة ثم تنفثه رافعة رأسها إلى السماء.

رفعت ساقها عاليًا فأطل عليها ظفرها المطلي بالأحمر القاني من الجورب، نزعته ورمت به في ركن الغرفة مع بقية الجوارب المتسخة. فجأة برقت في رأسها فكرة جعلتها تقفز من السرير ثم بدأت في جمع كل الجوارب التي تقع تحت يديها نظيفة أو متسخة على حد السواء، حملتها بين يديها واتجهت بها إلى الحمام أين ملأت وعاءً بلاستيكيًا بالماء واضعة فيه حفنة من مسحوق الغسيل، ثم تربعت على الأرض وجعلت تفرك الجوارب جوربًا جوربًا، أبيض فبني فرمادي والبقية سوداء.

بعد أن انتهت من نشرها على حبل الغسيل تأملتها وقامت بعدِها فوجدتها اثنا عشر جوربًا. ساعتها لاحظت أن توترها قد خف وأن تنفسها أصبح منتظمًا أكثر. من يومها أصبحت يوغا الجوارب هي الحل لتتخلص من نوبات التوتر التي تجتاحها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الباب لا زال يُطرق

الغرق يروي أحيانًا