10-ديسمبر-2015

يورغن كلوب

ما أَشبَهَ اليَومَ بالأمس... عِبارةٌ يُرَدِّدُها مُعظَم عُشَّاق نادي ليفربول الإنجليزي هذه الأَيَّام بَعد النَتائِج الرائِعة التي يُحَقِّقها "الحُمُر" مُنذُ قُدومِ المدرّبِ الأَلمانيّ "الدّاهية" يورغن كلوب إلى قَلعةِ الأَنفيلد وتَطوُّر مستوى الفريق مَعَه، وهو ما جَعَلَ الجماهير تَشعُر بأنَّ يورغن كلوب هو "بيل شانكلي" الجديد.

 في الأَوّل مِن كانون الثاني/ديسمبر من عام 1959 تـمَّ تعيينُ بيل شـانكلي مُدربًا لنادي ليفربول، كانَ النادي في حالةٍ من الفوضى لدى وُصُولِه، وكان مَلعبُ الأنفيلد مَهجورًا وكَذلك أيضًا مَركز "ميلوود التدريبي" التابع للنادي. هَبَطَ ليفربول إلى الدرجةِ الثانيةِ قَبل خَمسِ سَنوات من قُدُومِ من عُرِفَ بعد وقت بـ"المُلهِم"، واستقرَّ في مُنتصف الترتيب.

 قَبلَ المُباراةِ الأولى لـ "شانكلي" مع نادي "شمال غرب بريطانيا" خَرَج بتصريحٍ صادمٍ وقال "لا أدري إذا شاهدتُم أنفيلد قَبلَ قُدومي .. لكنَّهُ كان أكبر مِرحاض رأيتُهُ في ليفربول .. كانَ عَلينا جلبُ الماءِ من شارع أوكفيلد .. لَم يَكُن هُناكَ ماءٌ لـتنظيفِ المراحيض". وبعدَ التَدقيقِ في تِلكَ المَرحلة كانَ تَصريحُه صحيحًا فِعلًا فقد كانت "ميلوود" بِكلِّ المقاييس سَقيفةً خشبيةً قَديمة والأرضُ رثّة والتَدريب رديئًا، حتى أنّ مُدراء النادي قبل "شانكلي" كانوا هم من يختارون التشكيلة".

 أَظهرت مُباراةُ شانكلي الأولى ضَخامةَ المَهمَة المُلقاةِ على عاتِقِه، فقد سَقَطَ الحُمر أَمامَ "كارديف سيتي" حِينها -والذي كانَ يتقدّمُه بخمسة مراكِز وسبعِ نقاط في المركزِ الثالث- بِرُباعيّةٍ نَظيفة في أنفيلد وتحدّثَت الصُّحُف عن الهدوء غَير المُعتاد للمُدرّب بعد المُباراة وقد قال شانكلي "عادةً يَخِيبُ أَمَلي، لكنّي شاهدتُ الفَريقَ يُقدّم أداءً مأمولًا في مباراتي الأولى، تعلّمتُ بعضَ الأمور على هذا النحو".

قال بيل شانكلي: ليفربول صُنع لأجلي وأنا صُنعت من أجل ليفربول

خَسِرَ ليفربول المباراةَ الثانية تحت قيادة شانكلي، فتَراجَعَ إلى المركزِ الثاني عشر وكانَت أَسوأ حالة يَصِل إليها الفريق في بدايةِ عَهد شانكلي حيثُ عَرفَ الحُمر مستويات ثابِتة بَعدها، فَخَسِروا ثلاثَ مراتٍ ذلك المَوسِم في الدوري ليَحتَلوا المركزَ الثالث بعيدًا عن الوَصِيف كارديف.

في المَوسِم الذي تَلاه "1960 - 1961" أَهدَرَ ليفربول الصُعُودَ إلى دَوري الأضواء مُجددًا بِفَارقٍ بَسيط إذ احتلَّ المَركز الثالث .. هُنا وَضَعَ شانكلي الأُسُسَ لِنَجَاحِ مُستَقبَل النادي بتَحويل غُرفة صَغيرة بالقُربِ من غُرَف تبديل الملابس إلى "غُرفَةِ التَّمهيد" الشَّهيرة، والتي أصبَحت بعدها مكانَ صِناعة التَكتيكات التي سيُواجِهُ بها الفريق خُصُومَه في قلعة الأنفيلد، كما كانت هذه الغُرفة مكانًا لإعداد مُدرّبي المُستقبل في ليفربول والكشَّافينَ وأبرَزُهم "بوب بايزلي - جو فاجان - روبين بينيت" وغيرهُم الكَثير من الأَسماء التي عَمِلَت مع شانكلي واستَمَرَّت بَعدَه. وقالَ "روي إيفانز" أحدُ تلاميذِ شانكلي الذي انضمَّ إلى النادي عام 1965 "غُرفة التَّمهيد لم تَكُن مِلكًا لشانكلي فقط، بل شَهِدت انطِلاقتها الحقيقيّة مع تَوَلِّي شانكلي مسؤوليّاتِه".

شانكلي عام 1948

 مَعَ تَوالي الأيّام أَحرَزَ ليفربول لَقَبَ الدّرَجة الثانية في مَوسِم 1961، وعَاد إلى دوريِّ الأضواء لأوّل مرّة مُنذ عَقدٍ من الزمن، وقد صَمَّم شانكلي فريقًا قويًّا للمُنافسة، فَوَصَل النجوم "إيان سانت جون - جوردن مايلر - روني موران - روجر هانت"، وقال رون ييتس أحدُ النجوم القادمين عام 1961 لـ موقع تاريخ ليفربول "أهم شيءٍ قُمنا به وأقولُ ذلك دومًا، كان فوزنَا بلقبِ الدرجة الثانية ومن دون ذلك، لم يكن شيئًا لـيتحقق".

 بَعدَ مَوسمٍ مُخيّبٍ في الدرجة الأولى، استمرَّ صُعُودُ شانكلي اللافت في الموسم التالي، ولَم تَكُن بِدايةُ مَوسِم 1963 مُبشِّرةً للحُمر، فَخَسِروا أربعَ مرّات من تِسع لكنَّ الفَريق تعافى وتقدّمَ نحو الصدارةِ في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، وأحرَزَ لقَبَهُ الأوّل بعد فوزٍ كبيرٍ على أرسنال بخمسةِ أهدافٍ نظيفة في أنفيلد بعد موسمين فقط من الصُعودِ إلى الدرجة الأولى.

قصة كلوب تتشابه إلى حد معقول مع قصة بداية شانكلي مع ليفربول

في المَوسمين التاليين عزّزَ شانكلي مَوقِعَه وقادَ الحُمر إلى لَقَبِهِم الأوّل في مسابقةِ الكأس بعد موسمٍ من التتويجِ في الدوري وكَتَبَ تاريخًا لليفربول عندما قادَه إلى لَقَبه القاريّ الأوّل في كأسِ الاتّحاد الأوروبي عام 1973، وبينَ اللقبين التاريخيين تُوّج مرَّتين في الدوري عامي 1966 و1973. وقال شانكلي مرةً في تصريحٍ شهير "ليفربول صُنع لأجلي وأنا صُنعت من أجل ليفربول".

اقرأ/ي أيضًا: الأنفليد لم يعد مرعبًا

 قِصّة شانكلي هذه لا شكّ أنّها تُشبهُ إلى حدّ كبير قِصَّةَ وصُولِ المدّرب الألمانيّ يورغن كلوب وفريقِ مُساعديه إلى النّادي الذي يغيبُ لقبُ الدوريّ الإنجليزيّ عن خَزَائِنِه مُنذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا، ومَعَ تَراجُع مستوى الفريق وعَدَم قُدرتِهِ على إبقاءِ اللّاعبين الكِبار أمثالَ "ماسكيرانو - تشابي ألونسو - ستيفن جيرارد - رحيم ستيرلينغ" وغَيرِهِم الكثير من الأَسماء الوَازِنة التي قرّرت الرحيلَ عن النادي وتَركَهُ يُعاني في الدوري والكأس ويَغيب باستمرارٍ عن دوري أبطال أوروبا، كما أنَّهُ دائمًا في مُنتَصَفِ الترتيب بعدما كان في الماضي القريبِ جدًا صاحِبَ الرقمِ القياسيّ في عدد ألقابِ "البريميرليغ".

وَصَلَ كلوب إلى ليفربول في وقتٍ تَرَكَ المدرِّبُ السابق بريندان روجريز لاعبين مُحبَطين إلى أَبعَدِ الحدود جرّاءَ الهَزائم المُتتالية، وهَدرِ النّقاط بشكلٍ مُستمر أمامَ الفِرَق المُتوسِّطةِ المستوى، رَغمَ أنَّ روجيرز كان قَد أنفَقَ على مدى ثلاثةِ مواسِم أكثَرَ من رُبعِ مليارِ دولارٍ على شِراءِ اللاعبين ولكن دونَ جدوى، فكان رحيلُ جيرارد والبداية المُتعثّرة انطلاقةَ هذا الموسِم "الشَّعرةَ التي قَصَمَت ظَهر البَعير"، فجاءَت الإدارة بـ"يورغن كلوب" صَاحِب الإنجازاتِ الكبيرةِ من "بروسيا دورتموند" الألماني، فَصَنَع بوقتٍ خياليٍّ فريقًا جديدًا مُتماسكًا حقّقَ فيه الانتِصارَ على كِبار الدوري الإنجليزي وبِنتائجَ كبيرة جدًا أبرَزها ضِدّ "مانشستر سيتي وتشيلسي وساوثهامبتون"، لِيقولَ الجميع أنّها الوِلادةُ الثانية لليفربول بعدَ أن كانت الوِلادة الأولى على يَدِ شانكلي، وخاصةً أيضًا أن النادي يقومُ بتجديدِ ملعبه وتكبيرِ المدرجات.

 وإذا ما عادَ النادي الأحمر إلى مِنَصاتِ التتويج فإنَّ مَجنونَ كَرَة القدم الألمانيّ سيكونُ قد فَعَلَ السِّحرَ ذاته الذي قام به المُلهم شانكلي مُنتصَف القرن الماضي.. والمستقبل يَكشِفُ ما سَيَحصُل.

 

اقرأ/ي أيضًا

 ليفربول في عهدة المجنون

الأنفليد لم يعد مرعبًا