30-يناير-2019

وسيم الأسد (تلفزيون سوريا)

البذاءة الصارخة هي المشترك بين رواية "الظلال الخمسين للرمادي" (Fifty Shades of Grey) للبريطانية إي. إل. جميس، والفيديو الذي طلع به علينا وسيم بديع الأسد على وسائل التواصل الاجتماعي، ليدلو بدلوه في قضية النقص الحاد في مادتي الغاز والمازوت، التي يعاني منها أنصار الأسد في مناطق نفوذه.

في الفيديو الذي وزعه وسيم على وسائل التواصل الاجتماعي، نعثر عليه رجلًا سلطويًا فائضًا بكل علامات الجبروت والقوة والعنف

الرواية على حد وصف أحد النقاد لا تضيف للقارئ شيئًا، ومع ذلك فالقليل من استطاعوا الإفلات من إغراء إكمال قراءتها حتى النهاية، بعد أن وقعوا فريسة لدافع الفضول، الذي أجبرهم على معايشة مشاهد القسوة والعنف والرعب التي تحفل بها. فضول معرفة دوافع الشخصيات هو الفضول ذاته الذي قد يدفعنا أحد منا لتحمل سيل الشتائم المقذعة، التي كالها الشيخ الشبيح وسيم الأسد لأنصار آل بيت حكم عائلته، المحتجين على نقص الحاجات الأساسية لديهم.

اقرأ/ أيضًا: بيان زهير عبد الكريم.. سُعار المرابع

في الفيديو الذي وزعه وسيم على وسائل التواصل الاجتماعي، نعثر عليه رجلًا سلطويًا فائضًا بكل علامات الجبروت والقوة والعنف، يكن احتقارًا عميقًا للسياسة بوصفها وسيلة إقناع لأنصار محتجين على سوء واقعهم المعيشي، مصرًّا على تذكير الجميع بواقع السياسة الأسدية التي لا ترى في الآخرين سوى خدم لها، لا يجب التعامل معهم إلا بكونهم عبيدًا آبقين، يتم ضربهم بالسوط تارة، والتعريض والشتم والتشنيع عليهم والحط من كرامتهم تارة أخرى.

تبدو المقايضة التي قدمها وسيم لجمهور المحتجين الموالي، الذي لا يتأفف الرجل من إعلان احتقاره له صادمًا، حيث لا شيء في جبعة انتصاره الذي صدع بها "آل بيته" أسماعنا، سوى مقايضة الخضوع لسلطتهم مقابل تفضلهم عليهم بإنقاذهم من وحل الدنس الذي كان سيلحق بشرفهم لو انتصر الطرف الآخر، أي البربري المتطرف السني.

الفهم القاصر والمبتذل الذي قدمه الشبيح الأسدي لفهم أسباب اندلاع الثورة السورية، كما لو كانت نوعًا من الغزو القبلي البدائي الذي لا يستهدف الغنائم والأرزاق فحسب، بل الأعراض والأنساب؛ لا يخرج عن القراءة التلفيقية التي استمات السلطة الأسدية في ترسيخها في أذهان العالم أجمع، على كونها مؤامرة كونية تستهدف دورها المقاوم ضد العدو الإسرائيلي الغاصب، ذلك أن كلا القراءتين تغوصان عميقًا في الكذب والتلفيق والهروب من مواجهة أسئلة الواقع.

المسكوت عنه في خطاب الشيخ الشبيح، هو رغبته الدفينة في تذكير أبناء طائفته بالإبادة الجماعية التي كانوا سيتعرضون لها فيما لو انتصر فيها المتطرفون السنة، وهي قراءة تلفيقية تحاول أن تصور احتجاج الناس على السلطة الأسدية، والرغبة بتغيرها، كما لو كانت رغبة دموية في إبادة الطائفة العلوية وجوديًا، لا شيء سوى لأنهم مختلفون عن السوريين الآخرين عقائديًا، متناسيًا عمدًا أن طبيعة السلطة الأسدية التي تتخذ من أبناء الطائفة العلوية درعًا سلطويًا من خلال مؤسستي الجيش والأمن لحماية نفسها من السقوط، الأمر الذي يتيح لها تصوير كل حراك سياسي ضد سلطتها كما لو كان حربًا أهلية بين جماعات دينية متنازعة عقائديًا.

بالنسبة لوسيم الأسد، كل سب أو شتم للدولة السورية إنما هو سب دولة آل الأسد التي ينتمي إليها بيولوجيًا

في خطابه الشعبوي والسفيه، بدا أن لا باع طويل للرجل في الارتجال، ذلك أن أنه أمضى جل وقته ليس على جبهات القتال كما يدعي، بل في حفلات الرقص ومعاقرة الخمرة والحشيش، فما من فكرة طرقها إلا وعجز عن البرهنة عليها، إلا فكرة البذاءة التي أداها على أحسن وجه.

اقرأ/ أيضًا: إمارة الجولاني بتوقيت إدلب

ثمة سبب وجيه ومضمر ومقلق من قض مضاجع شبيح مثل وسيم لا يلقي بالًا للسياسة، لا يمكن لنا فهم كنهه إلا إذا أخذنا بعين الاعبتار استنكاره الشديد لكل من قام بسب أو شتم الدولة، ذلك أنه يعتقد، وعلى نحو يقيني، أن كل سب أو شتم الدولة فإنما هو سب دولة آل الأسد التي ينتمي إليها بيولوجيًا، وهو الأمر الذي لا يكمن القبول به رجلًا عاش كله عمره على قيم الفتوة والبلطجة والتشبيح.

 

اقرأ/ أيضًا:

إدواردو غاليانو: الحروب تكذب

تاريخية الوعي الإسلامي ومساراته