22-يناير-2019

زهير عبد الكريم (يوتيوب)

لا يمكن للمرء أن يتفهم اللغة التهكمية المليئة بالتشفي، التي أطلقها الفنّان السوري زهير عبد الكريم، ابن مدينة معربا في غوطة دمشق الشرقية، بحقّ زملائه من فناني التشبيح، أيمن زيدان وشكران مرتجى على وجه الخصوص، إلا إذا تعرفنا على الأسباب النفسية العميقة التي تجعل منه ملكيًا أكثر من الملك، نقصد كونه سلطويًا وشبيحًا مفرطًا في العنف اللفظي، كما الجسدي إن اقتضى الحال، أكثر من السلطويين الذين نجح نظام الأسد في تحويل بعضهم إلى قوة احتلال محلية قروسطية.

الأداء الذي قدمه عبد الكريم لتنفيذ المهمة التي كلّفته بها المخابرات كان مفككًا وغامضًا ومغلفًا بالحقد والاستعراض

تندرج بكائيات زهير عبد الكريم، صاحب الشعار التشبيحي "السوري الموالي لاعق أحذية بامتياز"، ضمن السياسة المخابراتية التي أرعبتها التحولات الاحتجاجية الجديدة في الشارع الموالي الذي بدأ بالخروج على حدود اللعبة اللفظية السمجة التي كانت تسهر على إدارتها، والتي كانت تسمح لأنصارها بمسح الأرض بشرف الحكومة ووزرائها، دون أن تسمح لهم بالتجرؤ على المطالبة بحلّ الحكومة أو رفع الثقة عنها في مجلس الشعب، لأن ذلك يعني فيما يعنيه طرح الثقة في الرئيس المتعالي عن النقد ذاته.

اقرأ/ي أيضًا: زهير رمضان.. ظل شاحب لسلطة متعالية

الأداء الذي قدمه عبد الكريم لتنفيذ المهمة التي كلّفته بها المخابرات كان مفككًا وغامضًا ومغلفًا بالحقد والاستعراض، ذاك أن شخصًا بمستوى خالد عبود، عضو مجلس شعب برتبة شبيح من الدرجة الأولى، كان أكثر إقناعًا ووضوحًا وتحذيرًا لكل من يتطاول على مقام الرئاسة، صارخا وبالفم الملآن: "الرئيس ليس بائع مازوت"، إلى الدرجة التي حدت بأحد مؤيدي الأسد في محافظة اللاذقية أن يرد على الصرخة التحذيرية بصرخة استنكار وغضب وتهكم: "خلص أبقا بدنا شي" (يكفي لا نريد شيئًا).

من باب الإنصاف لأداء عبد الكريم المسرحي، المترنح على عتبات البكاء، لا يمكن التسليم بالرأي المتسرع القائل بفشله على نحو كلي، ذلك أنه نجح في جانب مهم ينجح فيه الشبيحة عادة، وهو الجمع بين الحقد الشخصي والسعار السلطوي، كما نجح، وعلى نحو أكيد، في مسخ مطالب الفنانين "المحقة" القائمة على مطالبة رئيس النظام في التدخل شخصيًا لحل مسألتي البرد والعتمة.

التكتيك الذي اتبعه الرجل كان بسيطًا، فمن أجل أن يسقط المطالب التي صرّح بها زملاؤه الشبيحة؛ زيدان ومرتجى، هو التشكيك بوطنية الشخصيتين معًا، ذلك أن غير الوطني لا يمكن له أن يتقدم بمطالب وطنية إلى سيد رفيع من مقام بشار الأسد، فكيف بمن رفض التفضل التقدم بتصريح صحفي أو مقابلة تلفزيونية يناصر فيها الجيش الباسل في معركته مع جحافل الإرهابيين أن يقنعنا بوطنيته؟ تلك حجج وبراهين تخص واقع الحال التشبيحي السوري الداخلي، ولا تخلو من منطق خاصّ يحدّد ملامحها.

غير أن الوقائع الفعلية تكذّب رأيه، فأيمن زيدان لم يُظهر خيانته لسيد الوطن إطلاقًا، ذلك أن خير لحمه من أكتاف النهب والتسلط التي دأبت دولة الأسد على تأمنيه له ولغيره من الموالين والمتزلفين، حيث أمضى جل وقته مديرًا عامًا لـ"شركة الشام الدولية" الفنية، التي كانت مملوكة لأحد أبناء السيد عبد الحليم خدام قبل انشقاقه، والذي لم يحصل على رأسمالها بالتأكيد من حرّ، وإنما من عقود التسليح والأتاوات المشبوهة التي كان يحصل عليها أبوه من خلال شغله لمنصب وزير الخارجية في عهد الأسد الأب، ونائب الرئيس في عهد الأسد الابن.

لكم كان عبد الكريم قاسيًا في حق زيدان شريكه في رفع جرائم الأسد في حق الشعب السوري إلى مرتبة الانتصار، فيا لوقاحة الشبيح حين ينافس زميله الشبيح الآخر على مقدار السفالة والانحطاط والوضاعة! 

كان ردّ النظام السوري على هبة الفنانين الموالين له المطالبين بتدخل الأسد لحل مشكلة البرد: الرئيس ليس بائع مازوت

يعيب عبد الكريم على شكران مرتجى حصولها على بعض المال من خلال بعض المقابلات التلفزيونية في لبنان، مقابل إصرارها العنيد على عدم التطرق لعظمة أحذية جنود الأسد التي كانت في طريقها لسحق أعداء الوطن، فيا له من كذب فاجر، إذ إن الذاكرة تحتفظ لهذه السيدة انخراطها في سلك الإعلام التشبيحي من بداية الثورة، وتحملت من الشتائم ما تعجز عنه الجبال، ومع ذلك لم تتراجع عن غيها. فأي نوع من الكائنات هو ذلك المتلصص الذي يصر على حرمانها من الغفران، وهي التي تحملت وقاحة بعض مستمعي إذاعة دمشق وهم يصرخون بها على نحو عنصري مقيت: "ماذا تفعلين في إذاعتنا الوطنية أيتها الفلسطينية الحاقدة؟". طبعًا لم يكن ذلك إلا لأن السيدة بثينة شعبان، والطاقم الأمني، أرادوا تحميل وزر الأعمال الاحتجاجية الأولى التي قام بها السوريون لبعض الفلسطينيين، أو لكلهم من يدري، ظنًا أن بمقدورهم خداع الشعب السوري المتحفز للمشاركة بالثورة.

اقرأ/ي أيضًا: سامر المصري يتوسّل وطنًا لا رجاء فيه

عبد الكريم الذي يتهم زملاءه بالعمالة لجهات خليجية لم يسمها، وبالتدخل في شؤون الرئاسة المتعالية أيضًا؛ مليء بالحقد إلى درجة أنه لم يكف عن توجيه سهام عنفه في كل اتجاه، كما لو كان يصدق حقًا أنه صاحب بيان انقلابي، أول يتيح له الفتك بأعدائه المفترضين، فتارة ينقض بأنيابه على زيدان وأخرى على مرتجى وغيرهما. يبكي ويبكي ويتهم ويتهدد كما لو كان صاحب سلطة أو جاه، فيما تقف أمامه أعراف السلطة الطائفية برده دومًا إلى مرتبة المرابع، أو الأجير، الذي يعمل ويجتهد في خدمة أسياده.

الذين عاب عليهم توجههم العلني والمفتوح إلى سيده بشار الأسد لعلّه يجد لهم حلًا مع معاناتهم مع العتمة والبرد، دون أن يأخذوا بالحسبان أن سيدهم الرئيس "ليس بائع مازوت" كما أظهر خالد عبود، دون أن ننسى المضمر الذي يجيده نابحو الأسد ضد كل مخالف: "ليس بائع مازوت.. ولاه".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عباس النوري متصالحًا مع أكاذيب غيره

في برنامج "في أمل".. دريد لحام خائن لضميره